عملية التقييم أو المفاضلة أو الإختيار في كل مجالاتها وتطبيقاتها لها ضوابط ومعايير علمية معتبرة عقلاً وشرعاً وأخلاقاً تقوم على أساسها ،وهذا قانون إلهي وسنة كونية وضعها الخالق لكي تستقيم الحياة، بل حتى القوانين والنُظُم الوضعية والإيديولوجيات العلمانية تؤمن بضرورة أن يكون التقييم قائم على أسس علمية مُعتبرة، إلا أن من لا يمتلك ضوابط التقييم العلمي يسعى إلى حرفها عن مسارها الطبيعي أو تسطيحها أو صناعة ضوابط بديلة تؤثر على نتائج التقييم والمفاضلة والاختيار كي تصب في خانته.
المال والسلطة والوجاهة والإعلام وتأمين مصالح السلاطين وغيرها من وسائل الترغيب والترهيب والتضليل والخداع، كانت ولا تزال العناصر الرئيسية واللاعبة في عملية التقييم والمفاضلة والاختيار والترشيح والانتخاب والشهادة وتحديد المواقف في كل جوانب الحياة الدينية والسياسية والاجتماعية والقضائية وغيرها، فمثلاً في جميع المراحل الانتخابية التي جرت في عراق ما بعد الاحتلال تحكمت في إرادة الناخب ضوابط من صناعة القوائم والكتل الفاسدة ومن ورائها المؤسسة الدينية الكهنوتية الداعمة لها فكان المال والوجاهة والولاء للحزب أو الكتلة أو الطائفة أو العشيرة وقطعة السلاح ( المسدس) هي اللاعب الرئيسي في اختيار الناخب والنتيجة كانت واضحة وهي تسلط على العراق وشعبه الفساد والفاسدين…
واشتدت خطورة هذا المنهج عندما صارت تلك الضوابط هي المعيار في تحديد القائد أو الحاكم أو المرجع، فمن يملك المال ويبذله ويرشي به ويمتلك السلطة والإعلام هو الحاكم والمرجع والأعلم ، فآلت أمور العباد والبلاد من سيء إلى أسوأ… وأسوأ ، هذا المنهج حكي عنه القرآن الكريم وحذر منه، قال تعالى: } وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤتَ سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم{ ( 247 )
وقد انتقده المرجع العراقي العربي الصرخي الحسني ووصفه بالمنهج القاروني في تعليق له على الرواية التي تتحدث عن ظهور إبليس لقارون (أثناء عبادته وعزلته على الجبل) بهيئة رجل عابد وغلب قارون بعابدته وجعل قارون يتواضع له ويسمع لرأي إبليس حتى استطاع إبليس من حرف قارون وشغله بالدنيا وحبب إليه جمع المال، حيث قال سماحته :
(( يعتقد أن الله سبحانه وتعالى عندما أعطاه المال فهو قد فُضِّل على غيره, فكما أنه فُضِّل في الدنيا فإنه سيُفَضَّل في الآخرة، فالمقياس عندهم ما هو؟!، هو مقدار المال، كم يبلغ من المال !!، الآن من الأعلم ؟!، الذي يمتلك الدولار الأكثر !!، من الأعلم ؟!،الذي يدفع أكثر !!، هذا هو المنهج الآن ، المنهج الحوزوي في تحديد الأعلمية في الحوزة هو يعتمد على ما يمتلك من مال !!، وما يعطي من مال !!، يعتمد على ما يمتلك من سلطة وسطوة وقوة مقابل الآخرين !!، لا يعتمد على العلم ، لا يوجد منهج علمي في التقييم!!، وإلا لما تسلط الجهال علينا!!، في كل الحوزات قد تسلط الجهال ..، وأصحاب العلم معزولون!!، مُبعدون !!،مَقهورون !!،مغلوب على أمرهم !!،هذا منهج قاروني في المفاضلة !!،منهج قاروني في المفاضلة بالمال ، المفاضلة بالزينة ، المفاضلة بالواجهة ، المفاضلة بالفضائيات، والإعلام المفاضلة بالعمالة للشرق والغرب ، المفاضلة بتأمين عمل الحاكم و المتسلط والوزير ، ورئيس الوزراء والرئيس والبرلماني وكل السُرّاق …)).
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تدخل حتى في ما يطرح من حلول ومشاريع من أجل إنقاذ ما تبقى من العراق الذي دمَّره اصحاب المنهج القاروني، حيث نلاحظ أن ما يسمى بإصلاحات ومشاريع أصحاب هذا المنهج هي التي تحضى بتغطية ممنهجة، في حين أن المشاريع الوطنية الناجعة مُغيَّبة ومُعتَّم عليها، ومن هنا فإن المسؤولية الشرعية والأخلاقية والوطنية والإنسانية تفرض على الوطنيين من النخب والمثقفين والكفاءات وغيرهم من الشرفاء من أبناء هذا الوطن المختطف تفرض عليهم الوقوف بوجه المنهج القاروني، لتغليب المناهج العلمية في عملية التقييم والمفاضلة في كل المجالات، وهذا لا يتحقق إلا بإعتماد الحلول والمشاريع الوطنية الصادقة التي تضع في أولوياتها إبعاد كل الفاسدين المتسلطين السابقين تنفيذيين كانوا أو برلمانيين وتشكيل حكومة مدنية تعتمد الكفاءة والمهنية والولاء للعراق فقط وفقط في اختيار أعضائها وفي كل مفاصلها، ولكي يتم تحقيق هذا المشروع لابد من إخراج إيران وأدواتها من اللعبة العراقية، لأنها هي من تغذي الفساد والمفسدين والمليشيات والطائفيين وأصحاب المنهج القاروني وهذا ما تضمنته بنود مشروع خلاص الذي طرحه المرجع الصرخي كما ورد في البند العاشر منه: 10))- إصدار قرار صريح وواضح وشديد اللهجة يطالب إيران بالخروج نهائياً من اللّعبة في العراق حيث أنّ إيران المحتل والمتدخّل الأكبر والأشرس والأقسى والأجرم والأفحش والأقبح)).
https://www.youtube.com/watch?v=-ZX11_Ighd0