18 ديسمبر، 2024 9:17 م

العراق شو ….. إلى أين ؟‎

العراق شو ….. إلى أين ؟‎

بعد أن عُرف عنه أنَّه وادي الأنبياء و مهدُ الحضارات و ميدانُ العلم والعلماء انتهى به الحال أن يكون شعبًا ساخرًا يسخرُ من نفسه ويًستهزأ به في قيمه ، فأيُّ عاقبةٍ أسوأُ من هذه العاقبة ؟؟بعد أن كان شعبًا قائداً للثورات مصدرًا للأفكار الرسالية وملهمًا للحركات الوطنية و منتجًا للعقول المبدعة و الأقلام البارعة ، أضحى اليوم أضحوكةَ نفسه ، تسيره أيادي العبث ِو اللهو ، ينتظرُ في كلَِ لحظة أن تُقدم له ألعوبةً تهديء من روعه و تسكن هياجنه ، وكأنه الطفلُ في المهد لا يقنع بشيءٍ عن اهتزاز مهده بدَلا .
هكذا هي حال العراقيين اليوم يتم طرح صورتهم من خلال برنامج ما يُعرف ( البشير شو ) ، وإني لأعلم سلفًا أن اهتمام الشعوب بأمرٍ ما يعكس تحضرها و ثقافتها ؛ أو يعقل أن الشعب الذي أثارإعجاب العالم بوقوفه بوجه صدام و ديكتاتوريته وأعجزه عن أن يغير هويته الإسلامية حتى اضطر الغرب للتدخل لإنقاذ مشروعهم الماسوني ، يغدو اليوم إمعةً بيد شخص لا يجيد من الكلام إلا أزيفه ومن الطرح إلا أتفهه ، ومن الضحك إلا أسخفه ؟؟ فإذا ما أردت أن تستهزيء بنفسك و تسخر منها ما عليك إلا متابعة هذا البرنامج وكيفية تناوله للإمور ، وقيمةُ كلُّ امريءٍ ما يحسنه .
في عصر العولمة لاتوجد حدود إدارية للدول و لاقانونَ يضبط حركة المنحرفين عن سياستها ، فمن حق أي أحد أن يوجه للشخص نقدًا لاذعا ساخرًا بشرط أن يكون منسجمًا مع مشروع تذوييب الهوية الإسلامية و الوطنية فيسمح له بالنقد على أوسع ما يكون ، وإذا ما تم إحراج السلطات تُغلق له نافذة لكن تُفتح له من خلف الكواليس الأبواب كلها ، كماهو الرماد حين يذرى في العيون .
فبعد أن تم منع البرنامج المذكور من قبل الإعلام العراقي نتيجة لضغوط معروفة ، وإذا به يجد له منفذًا آخر أكثر اتساعًأ من ذي قبل لعرض برنامجه من خلال القناة الألمانية الموجهة باللغة العربية قناة ( DW ) ؛ ترى ما هي الغاية من هذا البرنامج ليبلغ الاهتمام به إلى هذه الدرجة ليتم إيصاله بصورة أٌقوى من قبل ؟ وأي قيمةٍ لقوانين الدول في ظل هذه السياسة الخارجية التي تتحكم بعقول الشعوب و توجه بوصلة اهتماماتهم بحسب ما تشتهي إلى أمورٍ تافهة ؟؟ ومع زوال الحدود باتت الدولة دونما دولة .
لم يعد هناك أمرًا ثابتًا اليوم فكل قيمةٍ مهما كانت مقدسة لابد أن يعتريها التغيير بدءًا من قيم الذات في احترامها لهويتها أو احترامها للآخرين وانتهاءً بقيم المؤسسة السياسة التي في تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في سلم أولياتها لتستبدلها بقيم التصارع و التهالك على حصص الكعكعة الدنيوية وترك الشعب جائعا لاهثا وراء إشباع حاجاته المادية فحسب ، لأن بقاء الأمور ثابتة بقيمها يجعلها عصيَّةً على من يخطط لاستعباد الشعوب ، ويذكر علماء النفس و التربية أنه إذا تم تغيير ما في ذهن الفرد من معلومات تجاه العالم الخارجي فإن صورة هذا العالم ستتغيرتبعًا لهذه المعلومات التي بُرمج في ضوئها عقله و سلوكه بغض النظر عما يحصل من تغييرات أخرى في العالم الخارجي ، وهذا يعني أن هوية الإنسان يمكن أن يُتحكم بها الآخرون ويرسمونها بحسب نوعية المعلومات التي تُضخ إليه والآلية التي يتم عرضها وإيصالها له .
فإذا كان الإسلام يؤكد على قيم احترام الإنسان لنفسه من خلال احترام الآخرين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) الحجرات :11 ، باعتبار أن بناء الإنسان الحقيقي القادر على مواجهة الأزمات هو الإنسان الذي ينظر لنفسه أنه قادر على صناعة المستقبل وتغييره وفق طموحه ، لكن ما نلمسه اليوم أن الشعب العراقي يُضخ له سيلاً هائلاً من المعلومات التي تضرب جوهرةَ هذه القيم و تمسخُ عقله وتسير به إلى حيث يكون إمعةً تُدار كما تُحرك الدمى بخيوطٍ وهمية .
فمن هو المحرك الحقيقي للشعب العراقي اليوم ؟ هل هي المؤسسة الدينية بتنوع أطيافها أم هم رجال السياسة الوطنية بأنماط ولاءات كياناتها أم هي الألعاب الرياضية بصنوفها وتفرعاتها ؟؟سننتظر المستقبل القريب ليكشف لنا هويتنا التي تحدد إنتماءنا وقيمة وجودنا ، وإن كانت معالمها لا تبتعد بنا عما يطرحه ( البشير شو ) فالعراق بين قوسي الصعود و النزول من بلد الأنبياء إلى عراق بشير شو .