26 نوفمبر، 2024 6:50 م
Search
Close this search box.

العراق…سياسة تجويع الشعب إلى إين

العراق…سياسة تجويع الشعب إلى إين

هناك وثيقة سرية للغاية قبل أكثر من اربعين عاما أي تعود إلى القرن المنصرم وبالتحديد إلى شهر مايو سنة 1979، تم الكشف عنها سنة 1986 وتحمل عنوان “الأسلحة الصامته لخوض حروب هادئة” وهي عبارة عن كتيب يرسم أستراتيجيات تقود إلى كيفية التحكم بالشعوب من خلال جملة من النقاط التي سوف تقود إلى إذلال الشعب وجعله مطيع للحاكم أو الحزب الذي ينتمي إليه أو الاحزاب التي تتحكم في قيادة دفة الحكم في البلد…ولعل ما يحدث اليوم للشعب العراقي من خلال سياسية الاحزاب التي تتحكم فيه هو تنفيذ حرفي للاستراتيجيات التي رسمتها تلك الوثيقة بالضبط والتي عددها عشرة إستراتيجيات تعتبر من أقذر أنواع الحروب الناعمة التي تنتهجها الاحزاب الحاكمة في العراق ضد الشعب العراقي.
لعل من أولى هذه الاستراتيجيات التي بدأت الاحزاب الحاكمة في العراق تنفيذها بعد انتفاضة الشعب الكبرى في تشرين من العام الماضي هي سياسة الإلهاء التي تجعل الشعب مشغول مشغول مشغول بإمور تافهة بعيدا عن حقوقه الأساسية من خدمات إجتماعية وبنى تحتية وغيرها من الامور المهمة التي يفترض على حكومة الأحزاب تنفيذها ولأن الموظف في العراق يمثل الجانب المؤثر الأقوى في المجتمع العراقي فتم التركيز على مسألة راتب الموظف كامعضلة من المعضلات التي تواجه الحكومة وتوفير هذه الرواتب هو الشغل الشاغل وتم توظيف جميع القنوات الحزبية وحتى القنوات الرسمية للحديث عن هذه المعضلة التي تواجه الحكومة الجديدة، والمعروف انه ليس كل ما يطرح في الإعلام يمثل الحقيقة وإن الكم من البرامج الحوارية التي تبثها هذه القنوات من خلال استضافة الناطقين بإسم الاحزاب والناطقين عن الحكومة لا يمثل الا الاستراتيجيات القذرة التي تخفيها الاحزاب الحاكمة في توظيف سياسة الإلهاء لتحقيق مكاسب مادية سريعة على حساب الشعب العراقي وكان لها ما ارادت من خلال سحب مليارات من الدنانير من المصارف العراقية تحت بند القروض لتوفير رواتب الموظفين وهذا بالضبط ما تنص عليه الاستراتيجية الثانية وهي “إخلق المشكلة ووفر الحل”. ولكن هذا الحل على ما يبدوا جاء بالتنسيق بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية المسيطر عليهما من قبل الاحزاب الحاكمة حيث تم عرض سقف عالي للقرض المطلوب لتغطية الرواتب من قبل حكومة الاحزاب ثم يأتي برلمان الاحزاب ليخفض قيمة هذه القرض ليبدو إن البرلمان حقق مكسب بهذا التخفيض وهذه لعبة قديمة معروفة وواضحة لكنها لا تزال تؤثر في المجتمع العراقي بصورة عامة خصوصا في الطبقات الاقل ثقافة والتي تمثل غالبية الشعب العراقي للاسف الشديد. ثم بعد ذلك بدأ التهيئة من قبل الأحزاب الحاكمة إلى مرحلة جديدة من إستراتيجية الإلهاء من خلال توجيه رئيس الوزراء للظهور امام شاشات التلفزة ليعلن “لا رواتب في شهركانون الثاني القادم دون اقرار الموازنة من قبل البرلمان ثم استطرد قائلا مو تكولون ما كال”، هذا الكلام كان كافيا لتشغيل الماكنة الاعلامية من قبل قنوات الاحزاب حول الموازنة ووصولها من عدمه إلى البرلمان ورافق هذا التوجه الإعلامي تسريبات عن تغير سعر صرف الدينار العراقي وضرورة تخفيض رواتب الموظفين التي ترهق الموازنة وما إلى ذلك من الإطروحات التي سوف توصل الاحزاب الحاكمة إلى تحقيق ما تخطط له في المرحلة القادمة وهي تمسك بخيوط اللعبة بالكامل وتحرك السلطة التنفيذية يمينا وشمالا وهذه هي بالضبط ما يعرف بسياسة التدرج لتحقيق أهداف اللعبة السياسية من قبل الاحزاب الحاكمة، فبعد تهيئة الارضية الخصبة في الشارع العراقي بالتدريج تم الإعلان عن تسريب نسخة من مسودة الموازنة للعام القادم 2021 وفيها تم إدراج سعر صرف للدولار على ثلاث قيم هي
سعر بيع وزارة المالية للدولار للبنك المركزي 1450 دينار لكل دولار
وسعر بيع البنك المركزي للدولار إلى المصارف الأهلية 1460 دينار لكل دولار
وسعر بيع محلات الصيرفة للدولار إلى الجمهور 1470 دينار لكل دولار
وإلى جانب ذلك تم تسريب جملة من الإستقطاعات على المخصصات المضافة لرواتب الموظفين الأسمية من مخصصات شهادة وخطورة وغيرها وبحسابات بسيطة فإن هذه الاستقطاعات سوف يكون تأثيرها على مجمل راتب الموظف الكلي بنسبة 41% على اقل تقدير بمعنى إن الموظف الذي إستلم راتب كلي مقداره مليون دينار في شهر ال 12 من هذا العام سوف يكون راتبه في شهر الاول كانون الثاني من السنة الجديدة 590 الف دينار أي بفارق 410 الف دينار. طبعا هذه الاستقطاعات مؤجلة لحين إقرار الموازنة من قبل الاحزاب الحاكمة إلا إنها كما قال وزير المالية في مقابلته على القناة العراقية الاخبارية مساء يوم السبت الماضي إنه تم عرضها على رؤساء الاحزاب أو كما اسماها الكتل النيابية في اجتماعات متكررة ولم يعارضها أحد. وتنفيذا لإستراتيجية التدرج في الحرب الناعمة ضد المواطن فإن الماكنة الإعلامية الحزبية والرسمية بدأت تسوق لهذه الأسعار الجديدة مما إنعكس ذلك مباشرة على سعر الصرف فقفز من 1222 دينار لكل دولار إلى 1260 دينار لكل دولار ثم إلى 1300 دينار لكل دولار بعدها إلى 1370 دينار لكل دولار خلال فترة قصيرة لا تتجاوز إسبوع واحد وخلال هذه القفزات حققت الأحزاب مكاسب بمليارات الدنانير تقدر بحوالي 15 إلى 20 مليار دينار يوميا على حد تعبير أحد أعضاء البرلمان العراقي فألبنك يبيع بسعر 1190 دينار وهم يبيعون بتدرج الأسعار المشار إليها أعلاه وإن الارباح التي حققتها الاحزاب خلال إسبوع واحد تغطي تكاليف حملاتها الانتخابية القادمة. بعدها تم الإيعاز إلى البنك المركزي بدأ العمل بالاسعار الجديدة إعتبارا من يوم الأحد 20/12/2020.
من ملاحظة الأسعار الجديدة لسعر صرف الدينار أمام الدولار نقول لا يوجد هذا الفارق الكبير في العالم أجمع بين سعر بيع الدولار من قبل وزارة المالية إلى البنك المركزي وبيع البنك المركزي إلى محلات الصيرفة وصولا للبيع إلى الجمهور يبلغ 20 نقطة إذا كان كل ألف دينار يحسب نقطة واحدة وهي إن دلت على شيء إنما تدل على عشوائية ألإدارة المالية للمال العام..وإن الفوضى العارمة التي شهدتها الاسواق المحلية والارتفاع الكبير في أسعار السلع والمواد الغذائية لهو دليل على هذه العشوائية.
من ناحية أخرى إن تسريب نسب الإستقطاع المقترحة على الجمهور تدخل ضمن إستراتيجية التأجيل في الحرب الناعمة ضد الشعب العراقي والتي تستخدم عاده لتمرير قرارات غير مقبولة من قبل الشعب وتقديم هذه القرارات على إنها ضرورية لمرحلة الإصلاح المزمع إجراءها من قبل الحكومة المنفذة لرغبات الأحزاب التي تسيرها…وتنص هذه السياسة على إنني استقطع اليوم لكي أصلح مستقبلا ويتم التركيز على إن الإصلاح يمر من بوابة الإستقطاعات وهذا ما يسمى الهروب إلى الامام في معالجة أزمة افتعلتها الاحزاب من خلال سلطتها التنفيذية.
لقد عملت الأحزاب التي حكمت العراق بعد السقوط على إتباع إستراتيجيات الحرب الناعمة ضد الشعب العراقي بكل تفاصيلها ومن ضمن هذه الإسترتيجيات هي العمل على إبقاء الشعب في حالة من الجهل والغباء ولو سلطنا الضوء على مفردة واحدة من هذه الاستراتيجية في ما يخص إدارة المال العام نجد إن هناك تجهيل متعمد على جميع الأرقام التي تضمنتها الموازنات المتتابعة من السقوط لحد الآن مع ملاحظة إن هناك سنتين هما 2014 و 2020 خلت من قانون الموازنة وهذا لم يحدث مطلقا في جميع دول العالم كما لا يوجد أي حسابات ختامية لهذه الموازنات وفي كل تلك الموازنات كنا نسمع مفردة محددة واحدة يتم التركيز عليها هي العجز ثم العجز وتسويقها إعلاميا..لقد إنعدمت كليا مبدأ الشفافية في إدراج الأرقام الهائلة في الموازنات السابقة وحتى الموازنة المسربة للعام القادم في مجال صرف هذه المبالغ وتفاصيلها بكل شفافية ولكن نرى العكس من ذلك فإن ظاهرة التعتيم على مجال تنفيذ وصرف أرقام بمليارات الدولارات الواردة في الموازنه.
لو القينا الضوء قليلا على مسودة الموازنه المسربه نجد إنها صيغة بطريقة تجعل العراق يدخل من جديد في نفق الاقتراض الخارجي المتعمد وإن العراق يواجه مؤامرة كبرى تسعى إلى افلاسة من خلال القروض المتكررة لسد عجز إفتراضي غير موجود على ارض الواقع مما سوف يفقد العراق جميع ثرواته الوطنية من خلال تسديد فوائد القروض فقط ونقول عجز إفتراضي لان من يعرف ألف باء الاقتصاد سوف يصل إلى هذه النتيجة حيث لو أخذنا مبلغ الأكثرمن 90 مليار دولار ك واردات النفطية وغير نفطية للعراق في العام القادم وسلطنا الضوء على موازنات بعض الدول الإقليمية نجد إن:
موازنة جمهورية مصر العربية 34 مليار دولار رغم فارق عدد السكان حيث عدد سكانها 100 مليون نسمة وتعتبرها مصر لا سابق لها
موازنة الاردن 14 مليار دولار علما إن عدد سكانها اكثر من 10 ملايين نسمة
موازنة المغرب 6.2 مليار دولار علما إن عدد سكانها 37 مليون نسمة يقارب عدد سكان العراق
موازنة تونس 18 مليار دولار عدد سكانها 10 ملايين نسمة
موازنة الجزائر 26 مليار دولار عدد سكانها 44 مليون نسمة
فإيرادات العراق حسب الموازنة المسربة تعادل موازنة خمس دول اقليمية وتقريبا ثلاث اضعاف موازنة مصر وستة اضعاف موازنة الاردن وخمس مرات موازنة تونس وتعادل 15 مرة موازنة المغرب وأكثر من ثلاث مرات موازنة الجزائر وتغطي عدد سكان كلي يصل إلى 200 مليون نسمة بمؤسسات وهيئات دولية تعادل خمسة أضعاف ما موجود في العراق الذي عدد سكانه 40 مليون نسمة فقط
واضح هناك خلل ما في مكان ما في إدارة المال العام في العراق.
وهذا الخلل واضح لنا بجلية وإذا كان الوزير لا يملك عصى سحرية في إدارة المال العام فهناك غيره من يملك هذه العصى ولو إن إدارة المال العام لا يحتاج إلى هذه العصى فقط يحتاج إلى عراقي يدير هذا المال..
ب 90 مليار دولار نستطيع إلى عمل الكثير وعلى سبيل المثال
أولا دعم الدينار العراقي ليصبح سعر صرفه 1000 دينار لكل دولار تمهيدا لرفع ثلاث اصفار من العملة العراقية مما ينعش القدرة الشرائية للمواطن العراقي ويقضي على التضخم
ثانيا عدم المساس برواتب موظفي الدوله حسب الجدول الملحق بقانون الخدمة المدنية
ثالثا إنجاز مرحلتين من ميناء الفاو العملاق من خلال نقد مطروح على الطاولة ليكون الميناء جاهز مع نهاية عام 2022 لاستقبال البواخر
رابعا إتمام 30% من جميع المشاريع المتوقفة
خامسا تخصيص الأموال الازمة لفتح خمس جامعات جديدة من بنايات لإستيعاب حملة الشهادات العاليا
سادسا تطوير سكك الحديد بين بغداد والبصرة ثم في السنة التي تليها بغداد موصل بسرعة قطار لا تقل عن 150 كم/ساعة
سابعا تطوير البنى التحتية الضرورية لكافة المحافظات
ثامنا حل مسألة الكهرباء كليا في العراق خلال مدة لا تتجاوز الثلاث سنوات
تاسعا تسديد جزء من مديونية العراق الخارجية
وهناك الكثير الكثير
نحن بحاجة إلى رجل عراقي كما قلنا قادر على إدارة المال والرجال في العراق كثيرون لكن غيبتهم الأحزاب الفاسدة.

أحدث المقالات