منذ أن خطت الصحافة العراقية خطوتها الأولى في الخامس عشر من شهر حزيران عام 1869تالق الصحفيون في العراق في تقديم عقيدة إعلامية قل نظيرها منذ أن حبت في هذا المعترك المضني والمسيرة الطويلة كلفت الصحفيين العراقيين ألاف الشهداء والتضحيات الجسام التي مهدت الطريق للأجيال اللاحقة وخاصة ما قدمته ارتال وأفواج الشهداء الماجدين من الصحفيين والإعلاميين العراقيين الذين نقلوا إلى العالم وبكل دقه وصدق ما تعرض له العراق من همجية الاحتلال وممن تحالف مع القوات الأمريكية والتكالب على ثروات بلدي العراق وقتل واعتقال وتشريد عدد من الصحفيين العراقيين حتى اصبح العراق اليوم رابع دولة بعد سوريا واوكرانيا وباكستان بانتهاك حرمة العمل الصحافي والاعلامي العراقي … ومن غير المنطقي أن يرى المرء العملية الصحفية والإعلامية في العراق بأنها عملية سهلة ويمكن أدارتها بأبسط السبل واقصرها واختزالها ببرنامج وكتابة خبر أو مقالة ، بل هي عملية معقدة لها أهداف ووظائف ولغة خاصة تستطيع الوصول إلي قلوب المتلقين قبل آذانهم أو مسامعهم وعيونهم لهذا عرفت الدول المتقدمة قبل غيرها أن مستقبل العالم يقوم على الأعلام العلمي والمعلومات ، على عكس الادعاء الذي يسوقه البعض من أن الأعلام موهبة وقدرات نحوية وصرفية وتراه يطالب بغلق كليات الأعلام وأقسامها وعدم انتشارها بين أوساط الجامعات العراقية ومنذ خمسين عاما ويبدو أن أصحاب مثل هذا القول لا يمتلكون المعرفة الكافية بقواعد المقارنة بين الأعلام العلمي القائم علي الارتجال والخطابة الإنشائية فهم بهذا يرون أن الاتصال والإعلام برسائله ووسائله يمكن اختزاله في القدرة على الكتابة الإنشائية أوعلى التقويم الخطابي الخالي من المعلومات وغير المبني على دراسات وبحوث للمتلقين … كما وان الدراسات الإعلامية وأقسام وكليات الأعلام ليست لتخريج مذيع تلفزيوني أو مندوب ومحرر بل يتخرج منها إضافة للعاملين في التلفزيون والإذاعة والصحافة المئات من الملاكان البشرية العاملة في المجالات الإعلامية والاتصالية الأخرى مثل العلاقات العامة والأعلام والدعاية ودراسات الرأي العام وحملات التوعية من هنا جاء اهتمام وسعي المجتمعات والدول المتقدمة للدراسات الإعلامية ومنها دراسات نظريات الاتصال ودراسات الرأي العام والحملات الإعلامية والحرب النفسية ومناهج البحث الإعلامي والإعلام السياسي وعلاقة الاقتصاد بالإعلام ودراسة الاتصال الخطابي والإعلام الدولي وعلاقة الأعلام بالتنمية واستحداث مناطق إعلامية حرة تحتوي على مراكز إعلامية للإعلام المسموع والمرئي والمقروء وإعلام الصحافة الالكتروني … وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكيان الصهيوني مع بداية تأسيسه اهتم بدراسة الرأي العام وطرق التأثير فيه وكانت الدراسات الإعلامية من أوائل التخصصات التي استحدثها في الجامعات العبرية ، لهذا أن بعضاً من اليهود تخصصوا في الدراسات الإعلامية والاتصالية وتوصل بعضهم إلى نظريات في مجال الأعلام والاتصال أصبحت تدرس في معظم جامعات العالم … وتأسيساً لما تقدم فالمتابع والمهتم بالشؤون السياسية والإعلامية وخلال الأحداث التي مرت بنا وعشناها طيلة العقود القليلة الماضية يدرك أهمية وحجم الدور الإعلامي في مجمل المعارك العسكرية والسياسية ، فهو كبير جداً مقارنة بالمعركة السياسية والعسكرية وفي عالم اليوم يسهم الأعلام بنسبة 70 بالمائة من حيث ضخ المعلومات للمتلقي وجمعها وتغيير قناعات الرأي العام بشأن المعارك المتعددة الأوجه والغايات …
وعندما نتمعن بالأسلوب الذي اتبعته واشنطن في حربها الإعلامية ضد العراق ويوغسلافيا نري أن هناك أوجه شبه في كلتا الحالتين ، فعند دخول أمريكا والدول المتحالفة معها في العراق قادت معركة إعلامية متعددة الأوجه غير أنها ركزت علي محور رئيسي واحد هو حصر المعركة في وسط العاصمة بغداد وهذا ما حدث في ساحة الفردوس خلال التاسع من شهر نيسان عام 2003عندما ذهب الأمريكان إلى ابعد حال وتم بث إعدام واسقط نصب الرئيس العراقي السابق عبر القنوات الفضائية وتم بالفعل وضع عليه العلم الأمريكي وإسقاطه وسط أهازيج حفنة من الخونة العملاء وعدد من المرتزقة الذين دخلوا العراق خلف ستار الدبابات الأمريكية مما جعل عملية الإطاحة بالحكومة السابقة عسكرياً في غاية السهولة …