26 نوفمبر، 2024 10:18 ص
Search
Close this search box.

العراق .. دولة ام حكومة؟

العراق .. دولة ام حكومة؟

لم تشهد الساحة السياسية العراقية منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا حراكاً سياسياً من الممكن ان يوسم بالحراك الناضج والذي بأمكانه بناء دولة حقيقية قوية اقتصادياً وامنياً ومتماسكة اجتماعيا تمتلك من المقومات ما تحسدها عليه حتى الدول العظمى، فعلى مدى تسع سنوات عجاف لم يشهد المواطن العراقي خلالها الا افتعال الازمات والتي ما تقود في الغالب الى نهايات سائبة ومبهمة لايستطيع حتى مفتعليها وضع النقاط على الحروف من اجل تكوين رأي عام لقضية معينة لتخرس بذلك كل التقولات.
فأداء السياسيين العراقيين يغلب عليه التخبط في بحر تتلاطمه امواج الشد والجذب من اجل الخروج بورقة ضغط ضد خصومهم لا من اجل تصويب الوضع الراهن والذي هو في امس الحاجة الى خطاب وطني عقلاني يستطيع ايجاد الازمة وتفكيكها لخدمة الوطن والمواطن كي ينتقلوا بذلك من قوقعة السياسة ضيقة الافق الى مصاف القادة الذين من الممكن الاعتماد عليهم في عملية البناء، وخلال كل هذا يبرز تساؤل مهم على الساحة اليوم هو هل هناك فعلاً دولة في العراق؟ ام ان مفهوم العملية السياسية لايتعدى كونها حكومة؟ اذ ان الفرق شاسع مابين التفسيرين، فمفهوم الحكومة لايتعدى الاطر التشغيلية لمؤسسات الدولة ولايرتقي لمستوى اللعبة السياسية، بينما يتربع مفهوم الدولة على عرش الفلسفة السياسية، لما يحمله من أهمية قصوى اذا ما اعتبرناه كيانا بشريا ذو خصائص تاريخية وجغرافية ولغوية وثقافية مشتركة او بالامكان عده مجموعة من الأجهزة المكلفة بتدبير الشأن العام للمجتمع، فان دل الاعتبار الثاني على شيء فإنما يدل على كون الدولة سيف على رقاب المواطنين وعلى هؤلاء الآخرين الامتثال والانصياع له، وليبقى التساؤل الاهم في كل هذا هو من أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ هل تستمدها من الحقن أم من القوة؟ ثم كيف يكون وجود دولة ما مشروعا؟ فما الدولة إلا تعبيرا عن علاقات الهيمنة القائمة في المجتمع، وهذه الهيمنة تقوم على المشروعية التي تتحدد في ثلاث أسس تشكل لبنة الأشكال المختلفة للدولة، وهي سلطة الأمس الأزلي المتجذرة من سلطة العادات والتقاليد، ثم السلطة القائمة على المزايا الشخصية الفائقة لشخص ما، وأخيرا السلطة التي تفرض نفسها بواسطة الشرعية، بفضل الاعتقاد في صلاحية نظام مشروع وكفاءة ايجابية قائمة على قواعد حكم عقلانية.
ومن خلال ما تقدم لايستطيع المتتبع للشأن السياسي ان يجد في ما يحدث اليوم اي دليل على قيام الدولة العراقية الحقيقية التي بأمكانها المسك بزمام المبادرة وقيادة الازمة مهما كانت على درجة عالية من الحساسية، فسياسيونا اليوم احوج ما يكونوا الى الثقافة السياسية والتي بأمكانها ان ترسي دعائم خطط وطنية تستطيع جمع الشمل وتوحيد الكلمة على قضايا الوطن، لا التمسك بالمصالح الفئوية والشخصية، وعلى من لايجد في نفسه الكفاءة لذلك ترك العمل السياسي وفسح المجال لغيره اقتداءا بقول رسولنا الاكرم (رحم الله امرء عرف قدر نفسه فوقف عندها).
[email protected]

أحدث المقالات