بنيت العملية السياسية في العراق وفق مبدئ الشراكة الوطنية والتي جاءت بحكومة توافقية لاتستطيع اتخاذ ابسط القرارات من دون موافقة جميع الاطراف خصوصاً تلك التي تشكل ثقلاً سياسيا ونيابياً لايمكن تجاوزه الا بالتراضي مما فسح المجال امام الكثيرين للايغال في مطالب شخصية وفئوية لاتصب في مصلحة الشعب العراقي، والتي خلقت بالتالي فجوة كبيرة بين الكتل السياسية من شأنها توسيع نقاط الخلاف وجر البلاد نحو الهاوية.
فالعلاقة بين ائتلافي العراقية ودولة القانون تحديداً تشهد توتراً مزمناً يتفاقم بشكل مستمر في ظل بقاء نقاط الخلاف بينهما عالقة من دون حل، ومن ابرز تلك النقاط اختيار المرشحين للمناصب الأمنية في الحكومة، وموضوع التوازن في المناصب الحكومية والشراكة، وتشكيل مجلس السياسات الاستراتيجية العليا الذي اتفقت الكتل على تأسيسه في لقاء أربيل ولم تتم المصادقة على قانونه حتى الآن، فضلاً عن المواقف المتخذة تجاه عدد من الدول الإقليمية أبرزها إيران وسوريا، وقد تفجر هذا الخلاف بعد صدور مذكرة قبض بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بتهمة الإرهاب، وطلب رئيس الوزراء نوري المالكي سحب الثقة من نائبه صالح المطلك، مما يدل على وجود صراع كبير داخل العملية السياسية من شأنه ان يشعل حرباً لاتبقي ولاتذر اذا ما تم تغذيته من قبل المستفيدين، فأجواء التوتر التي تعيشها الحكومة العراقية حالياً اشبه بمعركة كسر عظم لامكان فيها الا للاقوى، للخروج بعدها اما بحكومة متفردة بالسلطة والقرارات او انهيار العملية السياسية بالكامل والعودة الى نقطة الصفر، فمبدئ الشراكة الوطنية التي بنيت العملية السياسية على اساسه يتعارض ومبدئ الاقصاء خصوصاً الذي يبنى على قرارات متسرعة تخلو من طابع العقلانية والتروي، وهذا لايعني عدم محاسبة المقصرين او اتخاذ الاجراءات القانونية بحقهم اذا ثبت تورطهم في اي تجاوز للقانون او الدستور، وكان من الاجدر بالحكومة ان تعمل وفق آلية منهجية ودستورية من دون اتخاذ قرارات تزيد من حالة الاحتقان الحاصلة، من خلال دعم القضاء العادل وعدم ترك ثغرات للاخرين للتسرب من خلالها لتثبت انها قادرة على قيادة الازمة بمهنية عالية وترك الامور تسير وفقاً للقانون، لا ان تعمل على اذكاء حالة الخلاف للحصول على منافع تعود على البعض بفائدة مؤقتة وتترك الشارع في حالة من الفوضى والتخبط وبالتالي تشكيل نقاط خلاف طويلة الامد لايمكن معالجتها مستقبلاً حتى بالحوار.
وكذلك على الحكومة وجميع الكتل السياسية ان تختار بين المضي قدماً في عملية الشراكة الوطنية او الانجرار الى حكومة دكتاتورية تنتهج مبدأ الاقصاء والتهميش والتفرد بالسلطة وان تعي جيداً ان مفهوم الشراكة هو الخروج بأكبر قدر ممكن من وجهات النظر المتقاربة لا التناحر والتباعد وترك الامور تسير نحو الاسوء، ليبقى المواطن العراقي البسيط خلال كل ذلك يحملم بالقدر اليسير من الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي.