العراق بين فكي كماشة شراسة الحرب “الوجودية” الإسرائيلية لأنهاء البرنامج النووي الإيراني؟

العراق بين فكي كماشة شراسة الحرب “الوجودية” الإسرائيلية لأنهاء البرنامج النووي الإيراني؟

في ظل التصعيد العسكري غير المسبوق بين إسرائيل وإيران، يجد العراق نفسه مرغم ولا حيلة له عالقًا في قلب صراع إقليمي معقد وبالغ الخطورة ، حيث تُستخدم أجواؤه المباحة حاليا كممر آمن للضربات العسكرية المتبادلة، وتُهدد استقراره النسبي ومع التوترات المتزايدة بين القوتين الإقليميين. الضربات الإسرائيلية الأخيرة على منشآت نووية وعسكرية إيرانية، بما في ذلك مركز أصفهان للتكنولوجيا والأبحاث النووية، وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” التي وصفت البرنامج النووي الإيراني بـ”الخطر الوجودي”، تسلط الضوء على الطبيعة الحرجة و المتفاقمة حاليآ لهذا الصراع. وفي هذا السياق، يبرز العراق كساحة جيوسياسية محتملة، حيث تُستغل أجواؤه من كلا الطرفين، مما يضعه في موقف لا يُحسد عليه.

منذ الساعة الرابعة من فجر الجمعة، 13 يونيو 2025، تتصاعد شراسة حدة المواجهة العسكرية بوتيرة غير مسبوقة، حيث امتد القصف الصاروخي المتبادل ليطال قواعد عسكرية، وأنظمة دفاع جوي، ومنشآت طاقة نفطية، بالإضافة إلى مستودعات تخزين مشتقات استراتيجية. هذا التصعيد، الذي دخل يومه الثالث، تحول إلى صراع وُصف بـ”الوجودي” مع تصريحات حادة متبادلة بين الطرفين , لتكشف لنا عن عزم واصرار إسرائيل على إنهاء البرنامج النووي الإيراني , أو حتى تأخيره لسنوات طويلة، مقابل تهديدات إيرانية علنية بإغلاق مضيق هرمز وباب المندب، وهي خطوة قد تجر المنطقة إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. تصريحات “نتنياهو” اليوم في زيارته التفقدية من بلدة “بات يام” التي طالتها الصواريخ الإيرانية: “إيران ستدفع ثمنا باهظا للغاية لقتلها المدنيين والنساء والأطفال عمدا”وأضاف: “لو امتلكت إيران أسلحة نووية لسقطت على المدن الإسرائيلية. صواريخ إيران تهديد وجودي لإسرائيل”. وبالاضافة الى تصريح رئيس الأركان “إيال زامير” :” نضرب برنامج إيران النووي بطريقة لم تتخيلها طهران من قبل”. مثل هذه التصريحات المشحونة بالغضب والتوعد، تؤكد أن إسرائيل لن تتراجع عن هدفها المنشود في انهاء البرنامج النووي ، بينما ينذر ارتفاع أسعار النفط المتوقع بسبب هذه الأزمة بتداعيات اقتصادية عالمية خطيرة. في ظل انعدام أرضية مشتركة للحوار، يبدو أن المنطقة تتجه نحو صراع مدمر قد يعيد رسم ملامح التوازنات الإقليمية للشرق الاوسط والى الأبد فإذا تم أغلاق مضيق هرمز فعلا قد تكون هناك حجة مقنعة أن تتولى الولايات المتحدة تنفيذ ضربة جوية مرتقبة ضد منشأة “فوردو” النووية الإيرانية، وهي إحدى أكثر المنشآت تحصينًا في الجمهورية الإسلامية. الواقعة في عمق أحد جبال محافظة قُم وسط إيران، والتي ما تزال تشكل تحديًا عسكريًا كبيرًا للطيران الاسرائيلي ، حيث تتطلب عملية استهدافها إما ذخائر خارقة للتحصينات أو دعمًا أمريكيًا كبيرًا فإنها تمتلك القدرة الجوية والذخائر اللازمة لتدمير منشآت محصنة ، مثل “فوردو”، التي تقع على عمق يُقدّر بـ800 متر تحت الأرض، داخل قاعدة للحرس الثوري الإيراني ونفذت في الساعات الاولى من بدا المواجهة إسرائيل سلسلة ضربات جوية واسعة النطاق على أهداف إيرانية، شملت منشآت نووية في نطنز، فوردو، وأصفهان، إلى جانب مصانع صواريخ باليستية وقادة عسكريين بارزين في الحرس الثوري الإيراني. وأكد الجيش الإسرائيلي أن العملية، واستهدفت عناصر البرنامج النووي الإيراني وقدراته الصاروخية بعيدة المدى، وهذا ما تم الترويج له ومدعيًا أن إيران تمتلك مواد كافية لصنع 15 قنبلة نووية خلال أيام. في المقابل، ردت إيران بإطلاق صواريخ باليستية على تل أبيب وحيفا، مما تسبب بإصابات وأضرار، ومع توعد المرشد الأعلى علي خامنئي بـ”رد موجع

وعلى الرغم أن العراق لم يكن هدفًا مباشرًا لهذه الضربات الجوية والصاروخية ، فقد أصبحت أجواؤه مسرحًا مفتوحا على مصراعيه لهذا الصراع . صحيح أنه أعلن العراق إغلاق مجاله الجوي بعد الضربات الإسرائيلية، وتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي ضدها بتهمة انتهاك سيادته الجوية. وحتى مع سقوط  ثلاثة صواريخ في محافظتي ديالى وذي قار، مما يشير إلى استخدام المجال الجوي العراقي كممر موثوق به للعمليات العسكرية المتبادلة . هذا الوضع يعكس مع الاسف مدى ما وصل اليه هشاشة السيادة العراقية، حيث أصبحت أجواؤه مفتوحة لكلا الطرفين، مما يعرضه لخطر الانجرار إلى حرب إقليمية مرغما عنه .

إيران، من جانبها، استغلت العراق كقاعدة لوجستية، حيث نقلت صواريخ باليستية إلى ميليشيات موالية لها في العراق، لاستهداف إسرائيل. كما أفادت مصادر وتسريبات بأن إيران نصبت منظومة دفاع جوي متطورة في محافظة واسط لمواجهة الصواريخ الباليستية تحت ستار وغطاء بانها تابعة لمؤسسة الحشد الشعبي . هذه الخطوات تجعل العراق ليس فقط ممرًا، بل شريكًا غير مباشر في الصراع، سواء برضاه أو تحت ضغط الظروف الجيوسياسية.

ومع ان العراق، بموقعه الجغرافي الحساس وعلاقاته المعقدة مع إيران، قد يواجه خطر التحول إلى ساحة مواجهة محتملة إذا استمرت الحرب وإطالة الى اسابيع اخرى . العلاقات العراقية-الإيرانية، التي شهدت استقرارًا نسبيًا في السنوات الأخيرة، تجعل العراق عرضة للضغوط الإيرانية لدعم “محور المقاومة والممانعة” بما في ذلك الميليشيات الموالية لطهران والتي سوف لن تسكت لتتركها تحارب لوحدها اذا طالت أمد الصراع وخرجت الأمور عن نطاق السيطرة وأصبحت حرب اقليمية شاملة وجودية لايران ونظام ولاية الفقيه هذه المرة وليس فقط لاسرائيل . في الوقت ذاته، ما تزال تُنظر إسرائيل إلى العراق بعين الريبة والشك كتهديد محتمل إذا استمر في استضافة هذه الميليشيات أو السماح باستخدام أجوائه.

من الناحية القانونية والدبلوماسية، حاول العراق الحفاظ على الحياد، كما يتضح من شكواه لمجلس الأمن ودعوته للحلول الدبلوماسية. لكن هذا الحياد قد لا يكون كافيًا في ظل التصعيد المستمر، خاصة إذا تحولت أجواؤه إلى ممر دائم للعمليات العسكرية أو إذا ردت إيران عبر وكلائها في العراق. الضعف العسكري العراقي، إلى جانب غياب منظومة دفاع جوي متطورة، يزيد من هشاشته أمام هذا الصراع.

الضربات الإسرائيلية، التي وُصفت بـ”المرحلة الأولى”، تشير إلى احتمال استمرار العمليات العسكرية ضد إيران. إذا ردت إيران بضربات واسعة النطاق عبر العراق أو لبنان أو ما تبقى لها في سوريا، فقد يتحول العراق إلى ساحة مواجهة مباشرة رغم عنه ، مع خسائر بشرية واقتصادية كبيرة.قد يُجبر العراق على اتخاذ موقفٍ أكثر وضوحًا، سواء بدعم إيران عبر السماح باستخدام أراضيه أو التمسك بالحيادية. أي انحياز قد يعرضه لعقوبات دولية أو ضربات إسرائيلية مباشرة.التدخل الدولي ومن قبل الولايات المتحدة، رغم نفيها المشاركة في الضربات، قد تضطر للتدخل إذا تصاعدت الأزمة، خاصة مع دعمها المعلن لإسرائيل. هذا قد يزيد الضغط على العراق للانحياز إلى طرف معين.الاستقرار الإقليمي واستمرار التوترات قد يؤدي إلى انزلاق المنطقة نحو حرب شاملة، مع تداعيات كارثية على العراق، بما في ذلك انهيار اقتصاده النفطي وتفاقم الاضطرابات الداخلية بين من يؤدي الدخول للحرب لمساندة ايران ومن يرفض ان يتورط بها .

العراق يقف اليوم على مفترق طرق خطير، حيث يهدد استمرار المواجهة والتصعيد الإسرائيلي-الإيراني بجعله ساحة صراع غير مرغوب فيها . أجواؤه المستباحة ووجود ميليشيات موالية لإيران يجعلانه عرضة للتورط، سواء برضاه أو رغماً عنه. في ظل هذه التوترات، يبقى الحل الدبلوماسي الخيار الأمثل لتجنب حرب إقليمية شاملة، لكن ذلك يتطلب تنازلات كبيرة من إيران وإسرائيل، وهو أمر يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي. على العراق تعزيز سيادته الوطنية وتطوير قدراته الدفاعية لتجنب الانجرار إلى صراع قد يدمر ما تبقى من استقراره الهش.

[email protected]