يكشف التعامل الرسمي الاقليمي في الأزمة السورية عن ازوداجية مقلقة ، تقود الى مفاجأت أكثر خطورة مما يفكر به بعض الذين يحسبون الأمور بتجميع النقاط والمواقف، لا بفلسفة الفعل ونقيضه، وعلاقة ذلك بتوازن القوى و مراكز النفوذ في المنطقة والعالم، سيما وأن الجميع أصبح في قارب واحد رغم تقاطع وجهات نظر ومصالح الركاب، فيما قائد المجموعة يدرس تقلبات المناخ، و قدرته على عدم التصادم بالأمواج العالية، تماشيا مع قدرة قاربه على تحمل الصدمات، بينما يحشر السياسيون في العراق آنوفهم بكل شاردة و واردة يجهلونها أصولها!!
أكثر شيء يدعو الى القلق هو اقحام العراق في قضية، كان حتى اليوم يعدها عملا مرفوضا وتدخلا بشؤونه المحلية، وما يزيد الطين بلة هو مواقف الحكومة الرسمية، فما يتم تداوله من أخبار و مواقف عن وصول مقاتلين ى سوريا لحماية العتبات المقدسة ، و مقتل بعضهم هناك، أو تصريحات لا علاقة لها بحيادية الموقف، وسكوت غير مبرر من الجهات الرسمية عن هذه الأخبار، التي تعد تدخلا بالشؤون السورية، وهو ما قالت الحكومة العراقية في مناسبات عديدة انها ترفضه!! فالى أين تسير الأمور!!
سؤال ينبغي التوقف عنده ليس من زاوية التمعن في ازدواجية الموقف من الأولويات، بل في حقيقة سيناريو يتحدث عن حرب مذهبية في المنطقة، تجمع لها ايران كل الحطب ويراد للعراق أن يكون شرارة اللهب، التي ستحرق محطات العقلانية وتفتح أبواب جهنم على شعب لم يستقر حاله منذ عقد من الزمان، بسب استنساخ كل أشكال التدخل الخارجي في العراق، وتغييب الخيار الوطني و الموقف المستقل بشكل غير مسبوق.
من العقلانية جدا أن يستند موقف العراق من القضية السورية على مدى تأثيراتها على استقرار وضعه الداخلي، و منع امتداد لهبها الى داخل البلاد، واعتبار غير ذلك قضية تخص الشعب السوري ونظامه، بعيدا عن مجاملات الأمس أو ضغوط ايران أو روسيا والصومال!!ثم ان تغريد الحكومة العراقية خارج السرب العربي غير مقبول على الاطلاق، لأنه يؤكد حقيقة الدور الايراني المتزايد في العراق، مثلما يدفع الى الاعتقاد بوجود جسور طائفية و عقائدية تحمل شؤوما الى العراق، وتهدد بيته من الداخل، فيما الصحيح أن تجتهد الحكومة في المكان الصحيح لمنع حصول الكارثة، عندها لم يجد نفعا عض أصابع الندم، هذا ان كان هناك من يفكر بالندم اساسا، حيث صوت المدافع المذهبية يطغى على العقلانية السياسية!!.
الشعب السوري أعرف بما يناسبه من حكم، مثلما يقولون أن شعب العراق دفع ثمن التسلط الحزبي العائلي، فلماذا هناك خطأ وعندنا صحيح!! و ما هو سبب انحدار الموقف العراقي بهذه السرعة، وعلاقة ذلك بأولويات ايران و روسيا الساسية و المصلحية، خاصة مع حقيقة التقاطع في وجهات النظر الدينية، التي مع ذلك تحشر بيوت الله و حرمتها في زوايا الغنائم السياسية، وبما يشكل خروجا على كل التقاليد السماوية، بيوت الله مقدسة ومحرم تحويلها الى منابر سياسية، لأنها ستصبح من وقود الحرب وليس من مياة اطفائها، ثم من وقف الى جانب العراقيين عندما أحرقت بيوت الله فيه، و الأخطر ألم يكن هناك ممرا آمنا تشحن من خلاله كل أشكال التطرف لذبح هوية العراقيين، واليوم تدور العجلة بالمقلوب، ما يكشف عن حسابات استراتيجية مجافية للمنطق، و مجاملة جدا لحسابات الطرف الثالث في أولويات الربح والخسارة الايرانية في سوريا بدماء عراقية !!
ولأننا نكره بالفطرة الايحاءات في المواقف والابتعاد عن تسمية الأمور بما يناسبها من مفردات واضحة، فاننا في هذا المقام نجد خلطا لكل المعايير في التعامل الرسمي العراقي مع الحدث في سوريا، مثلما نستغرب غياب القراءة المتأنية للمتغيرات الدولية، و كأن العالم في كف وايران في الأخرى ، فيما الصحيح غير ذلك فالأخيرة تنتظرها الكثير جدا من التحديات، لذلك تحاول جاهدة ابعاد شرر المواجهة في سوريا عن أراضيها عبر تحويل العراق الى حجابات أمامية ستخلف وراءها مواكب أضافية للضحايا بلا وجه حق أو مشروع وطني ، فهي نتيجة مؤلمة لقراءة سياسية خاطئة بالأساس، تحولت الى قاسم مشترك في فشل الحسابات الرسمية، التي تخرج دائما من تحت عباءة الحزبية و الفردية، التي أضيفت لها اليوم مختلف الأطر المذهبية.
لا نجد سببا مقنعا لسياسة الهروب الى الأمام في العراق منذ نصف قرن، و لانعرف المسؤول عن ذلك، بل نعي جيدا الثمن الباهظ الذي يدفعه شعب العراق، حكومات تلد بالصدفة، وتتبخر زعاماتها بالتقسيط المريح، ليبقى المزاج الفردي و صناعة الأصنام ماركة مسجلة للعراق في المحافل الدولية، يرفضون التدخل في شؤون العراق، ويتعمدون زج أنفسهم و مستقبل العراق في مشاكل اقليمية، لم تكن يوما من بين أبواب الجنة صوب العراق، فقد استغلت مؤسسات دمشق و طهران الرسمية ظروف العراق لتمرير كل مشاريعها الأمنية والمذهبية والعقائدية، وكان لرئيس الوزراء نوري المالكي موقفا واضحا من هذه المفارقة، قبل أن تتغير اتجاهات مركب السياسة الرسمية نحو سوريا قبل غيرها.
ونحن في هذا الرأي لسنا ضد موقف عراقي ناضج و محايد لايجاد مخرج سلمي للمشكلة السورية، التي ستغير الكثير من الموازين في العراق، لكننا نرفض دفع العراق و أهله لى مقصلة جديدة تسفك فيها الدماء ، و تهدر فيها الأموال بمزاجيات بعيدة عن مفهوم ادارة الدولة للأزمات، و تقترب من ” الفصل العشائري” ، فيما يخطو العراق صوب الهاوية بلا ” معيل سياسي عاقل” ، فقد عادت الأمور الى ما يشبه ” خلل” التوجهات عام 2006 ، حيث تدور رحى حرب ” دور العبادة ” بدم بارد ، وصمت حكومي وقلق شعبي من سياسة تجذير العنف نفسيا لدى المواطنين، بما يسهل تمرير الوهن بالأداء الرسمي، الذي لم يعد نوعا من الانتقاد بل من بين الحقائق التي تحذر منها الأمم المتحدة، ويخشى نتائجها ” صانع ” مؤسسات الاحتلال ، بدليل قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما تمديد حال الطوارئ الوطنية التي تعنى باستقرار العراق لمدة سنة إضافية بعد 22 أيار 2013.
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]