تحول صراع النفوذ بين أمريكا و روسيا بشكل سريع الى نوع من التجاذبات السياسية العراقية وكأن “العم أوباما” أو ” الشيخ بوتين” هما مصدر القرار الأخير في المعركة ضد داعش، أو أنهما يفضلان التصادم عسكريا من أجل سواد عيون العراقيين أو السوريين وغيرهم من شعوب المنطقة.
الحقيقة أن ” العم و الشيخ” يحاولان بكل الوسائل ابعاد الأذى عن بلديهما و القضاء على متشدديهما في ساحة مفتوحة و غير مقلقة لحد اليوم، حيث يعرفان جيدا حجم الخطر و شكل المواجهة، لذلك يقدم بوتين احصائية دقيقة عن عدد المتشددين من مواطني روسيا وغيرها من بلدان رابطة الدول المستقلة،” الذين يقاتلون مع التنظيمات الإرهابية، يتراوح – بحسب مختلف التقويمات – ما بين 5 و 7 آلاف شخص”، وعليه فان الرجل يريد التخلص من هذا العدد من القنابل الموقوتة قبل عودتها لتهديد الأمن القومي الروسي، و الحال لا يختلف عند اوباما أو غيره من قادة التحالف فكلما كان الثمن بالمال و ليس بالعيال و الأمن الوطني فالقضية ليست تحديا خطيرا.
في المقابل تحول العراق الى ساحة مفتوحة للخراب على كل المستويات فقصف التحالف و تفجيرات داعش تؤدي الى نتيجة واحدة تتمثل في تدمير الأخضر و اليابس في العراق، ما يكشف عن سبب التفشي الخطير للأمراض و دمار البيئة بشكل كبير يؤسس لأوبئة مستقبلية لا تقل في خطورتها عن أفكار داعش و ممارساته.
وبينما يتنافس السياسيون في العراق على تأييد أو رفض للتحالف الدولي أو الرباعي ينسون قضية مهمة هي أن اي نفوذ خارجي يمثل انتهاكا للسيادة لا يختلف كثيرا عن عدم ” استشارة ” العراقيين بتوقيتات و أسباب دخول داعش باتصال هاتفي أو رسالة مشفرة، من بين نتائجها مثلا تحول ” أمريكا المحتلة الى منقذ “، و ارتفاع شعبية بوتين الى 72 بالمئة بعد أن كانت عند حاجز 38 قبل المباشرة بالحملة على سوريا، اضافة الى تقرير بريطاني يؤكد تعاون داعش و النظام السوري في مجال الطاقة.
وللتأكيد على أن القراءة السياسية العراقية للأحداث و التحالفات دون مستوى الطموح فاننا نعرف حجم ” العداء المعلن” بين ايران و اسرائيل، رغم ان الأخيرة دخلت في تحالف مع روسيا بمنع التصادم في أجواء سوريا، ما يجعلها طرفا في التحالفات الجديدة و منها الرباعي طالما ان العمل في سوريا لا يختلف عن المركز المخابراتي في بغداد، ما يعني أن اسرائيل” المكروهة” بالتصريحات الايرانية و السورية و العراقية باتت شريكا في الحرب على داعش، و أنها طرفا في رسم السيناريوهات المستقبلية، فمن يفسر لنا هذا التشظي في الأفكار و المصالح، وهل سيكون القضاء على
داعش بوابة لتعريق العلاقات العراقية الاسرائيلية، لم لا طالما لايوجد عدو دائم و لا صديق ابدي في السياسة، سيما و ان البرلمان الايراني لا يزال يحفظ نسبة تمثيل للجالية اليهودية في ايران.
كل هذه الصياغات العملية للتحالفات تعني أن تحولا في الأهداف سيتحقق و أن خارطة النفوذ الحالية ليست من بين صكوك الغفران التاريخية، ما يؤكد الحاجة الى اعادة تفعيل المشروع الوطني في العراق، لأن التخندقات الطائفية و الاتكاء على الحلول الخارجية حولت البلاد الى حديقة خلفية تتقاتل فيها الارادات الأجنية على حساب آخوة العراقيين و سيادة بلادهم و مواردها.