23 ديسمبر، 2024 3:49 م

العراق بين جحيم يوم الملحمة…ونعيم يوم المرحمة

العراق بين جحيم يوم الملحمة…ونعيم يوم المرحمة

لمّا دخل المسلمون مكّة كانت إحدى الرايات في يد سعد بن عبادة وهو ينادي برفيع صوته: اليوم يوم الملحمة.. اليوم تستحلّ الحرمة. يا معشر الأوس والخزرج، ثأركم يوم الجبل.فأتى العبّاس النبي (صلى الله عليه وآله) وأخبره بمقالة سعد.فقال (صلى الله عليه وآله): ليس بما قال سعد شيء، ثمّ قال للإمام علي (عليه السلام): أدرك سعداً فخذ الراية منه وأدخلها إدخالا رفيقاً.
فأخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) الراية منه وأخذ ينادي برفيع صوته: اليوم يوم المرحمة.. اليوم تصان الحرمة…
هذه رسالة بعثها النبي للإنسانية من خلال سلوكه هذا ، فنبي الرحمة أطلق هذه المبادرة وهو في موضع الفتح والقدرة والتمكن والسيطرة والانتصار والغلبة ليربي الإنسانية على لغة التسامح والتصالح والتعايش والسلم والسلام ونبذ لغة الثأر أو الانتقام والتشفي والحقد التي تؤثر على السلم والأمن المجتمعي وتعرقل مسيرته نحو الكمال ، هذه المبادرة أطلقها مع مشركي قريش الذين أخرجوه (والمسلمين) من ديارهم وقتلوهم وعذبوهم وشردوهم .
هذه الثقافة التي أسسها سيد الكائنات غابت عن ذهنية الكثير من المسلمين وخصوصا في العراق الذي شكل بعد الاحتلال أرضا خصبة لنمو وتفعيل وإيقاد نار الثار والانتقام المترسبة والكامنة في النفوس بفعل مخلفات الماضي مع وجود عوامل وجهات تغذي هذه الثقافة لتحافظ على وجودها وتحقيق مصالحها وأجنداتها فصارت هي المحرك والموجه والمؤثر في السلوك والمواقف والقرارات والأفكار والرؤى والتعامل مع الآخر فتحول العراق إلى غابة للتقاتل ،وبحر من الدماء، وارض تتناثر عليها الرؤوس والأشلاء .
إذا كان النبي الذي أمر اللهُ المسلمين بالتأسي به والعمل بسنته قد بادر إلى العفو والمساحة مع المشركين فما بال من يدعي الإسلام لا يبادر بصدق إلى مبادرة حقيقية منتجة مثمرة بين أبناء الدين الواحد، والوطن الواحد، والجنس الواحد، ويترفع عن نار الحقد والثار والانتقام والتشفي التي أحرقت ومزقت وقطعت البلاد والعباد، وقادتهما من سيء إلى أسوأ.
أكثر من 12 سنة والعراق في بحر من الدماء ولم نسمع عن أي تأسي حقيقي بنبي الرحمة بالعكس كان الشعار هو شعار سعد بن عبادة “اليوم يوم الملحمة اليوم تستباح الحرمة”، حتى احترق الأخضر واليابس ، وما طُرح من مبادرات تحت عنوان المصالحة الوطنية كانت مجرد زوبعات إعلامية، فاقدة للشروط الموضوعية، خاضعة لأجندات ومكاسب سياسية أو مالية أو طائفية أو قومية أوغيرها، لم تنطلق من الذات والشعور بالمسؤولية الشرعية والوطنية والإنسانية، فلذلك لم يكتب لها النجاح .
أما شعار الإمام علي “اليوم يوم المرحمة.. اليوم تصان الحرمة…”، فقد رفعه وطرحه المرجع الصرخي قبل تسع سنوات في بيان رقم – 33 –(( المسامحة والمصالحة )) ، وقد حدد سماحته فيه شرطين أساسيين لتحققها وجني ثمارها حيث قال سماحته: ((وعليه نقول انه لا يـُحتمل تمامية المصالحة ولا يـُتوقع ترتب نتائج وثمار حسنة عليها ما لم يتحقق ما ذكرناه وما لم تتوفر الظروف والشروط الموضوعية ومنها :-
1- ان تكون المصالحة حقيقية صادقة لا شكلية ظاهرية :-
فلا يصح ان تكون دعوى المصالحة لأجل تحقيق مكاسب خاصة سياسية أو مالية أو فئوية أو طائفية أو عرقية أو قومية , ولا يصح ولا يجوز ان تكون دعوى المصالحة والمشاركة فيها بسبب ضغوط وتوجهات لدول مجاورة أو إقليمية أو محتلة أو حركات ومنظمات مخابراتية أو جهوية عنصرية .
2- ان تكون المصالحة عامة وشاملة دون إقصاء أو استثناء…))
وبادر هو بنفسه لتطبيق وتفعيل هذه المشروع الوطني الإنساني وتنازل عن حقه وسامح من ظلمه حيث قال :
((وبالنسبة لي فاني أتنازل عن حقي القانوني والشرعي والأخلاقي واُبرء ذمة كل من كادَ لي وتآمر علي وسبـَّبَ أو باشـَرَ في اعتقالي وتعذيبي…))
هذه المبادرة والحل الأمثل الصادق الناجع لم يلقَ آذان صاغية، ولم يتم التعاطي معه إطلاقا من قبل من تسلط على مقدرات العراق وشعبه، حاله حال غيره من الحلول الجذرية الواقعية الموضوعية التي أهملت وهُمِّشَت والتي أطلقها ويطلقها سماحته، فبقي العراق وشعبه يتلظى بنار الثار والانتقام…
لم ينفك السيد الصرخي عن إطلاق المبادرات والحلول والتأكيد على يوم “المرحمة”، يوم “المسامحة والمصالحة” والذي يمثل الحل، بل الضرورة الملحة التي تنقذ العراق من المحرقة التي أقحم فيها، وزُجَّ فيها زجّا، داعيا العراقيين إلى الترفع عن الجراح والعض عليها و تغليب ثقافة التسامح والتصالح كما في بيان رقم – 56 – (( وحدة المسلمين …. في … نصرة الدين ))، وغيره مما لايسع المجال لذكره .
وتجددت الدعوة خلال الكلمة التي ألقاها ممثل المرجع الصرخي بتاريخ 20-11-2014م في ختام مؤتمر التقارب بين عشائر العراق الذي عقد في أربيل والتي دعا فيها إلى المسامحة والمصالحة الحقيقية وتجاوز الخلافات ونبذ الطائفية والاقتتال وضرورة التعايش السلمي وحرمة الدم العراقي ، فقد جاء فيها :(( نكرر على ما دعا إليه مرجعنا العراقي العربي السيد الصرخي الحسني مرارا وتكرارا من ضرورة إجراء مسامحة مصالحة حقيقية صادقة نابعة من القلوب نافذة إلى القلوب ننتزع من خلالها كل الأغلال التي بيننا وندعو جميع الأطراف للدخول في مشروع المسامحة والمصالحة بدون استثناء لأي مكون ولأي جهة …ونحن نيابة عن كل الشيعة والسنة والمسيح والكرد والصابئة والأيزيديين ممن يوافق على ما نقول نمد إليكم يد الإخاء والمحبة والسلام والوئام …يد الرحمة يد العطاء… يد الأمن ، يد تحريم دم السني ، وتحريم دم الشيعي ، وتحريم دم الإيزيدي وتحريم دم المسيحي وتحريم الدم العراقي بصورة عامة نمد إليكم هذا اليد ، يد الصدق
يد الأخلاق الإسلامية الرسالية الإنسانية السمحاء …. فهل ترضون بهذه اليد أو تقطعونها … والله ثم والله ثم والله حتى لو قطعتموها سنمد لكم الأخرى والأخرى والأخرى…))
https://www.youtube.com/watch?v=2tfGWkMMHrA