17 نوفمبر، 2024 6:55 م
Search
Close this search box.

العراق بين المدنية والعلمانية في ظل إيران والسعودية‎

العراق بين المدنية والعلمانية في ظل إيران والسعودية‎

في ظل التداعيات الأمنية والأزمة التي شهدها العراق مؤخرا في أواخر شهر رمضان إقبالا على عيد الفطر المبارك، ومنها أحداث الكرادة الدامية التي راح ضحيتها 350 شهيدا وأكثر من 150 جريحا، فضلا عن المفقودين الذين لازال يتم البحث عنهم في المجمعات وفي المستشفيات، إضافة لهجوم بلد وتعرض مرقد السيد محمد سبع الدجيل لأحزمة ناسفة وقذائف هاون، وراح ضحية ذلك الهجوم 35 شهيدا و 60 جريحا، فضلا عن المعارك التي تخوضها القوات العراقية من الجيش والشرطة وبمشاركة الحشد الشعبي، بتحرير مدينة الفلوجة التي تعتبر مأوى ووكر الإرهاب منذ العام 2003.
ولكن لم تنتهي مآسي العراق اليومية وإستهداف مدنه وأهله وشبابه والمدنيين من قبل الإرهابيين، مادامت هناك خلافات قائمة بين السياسيين، من دون الوصول إلى حلول جذرية وإتفاق بينهم، فإن الخلافات تعكس نتيجتها على المواطنين والأبرياء.
تفجيرات الكرادة:
شهدت العاصمة العراقية في صباح يوم الأحد الماضي الثالث من شهر يوليو / تموز لهجمات إرهابية أستهدفت مراكز للتسوق ومقهى للشباب في حي الكرادة، وتنبى تنظيم داعش الإرهابي القيام به إنتقاما لتحرير الفلوجة وتدمير الرتل العسكري الداعشي الذي كان متوجها إلى الموصل، وراح ضحية ذلك التفجير الإرهابي 350 شهيدا و 200 جريحا، فضلا عن المفقودين الذين لازال يتم البحث عنهم تحت الأنقاض وفي المستشفيات، وكان أغلب الشهداء محترقين لا يمكن التعرف على ملامحهم البشرية والبعض منهم أستشهدوا جراء الإختناق بالغازات السامة، وتعددت الشكوك من قبل شهود عيان، فمنهم من يعتقد بإنها قضية سياسية مدبرة، ومنهم من يفسرها بإنها ردا من الدواعش عقب خسارتهم الفلوجة وإفلاتها من أيديهم وإستعادتها لسيطرة الحكومة العراقية، ولازالت أسباب التفجير تشكل لغزا محيرا مع إستفهامات عديدة، حسب ما نقله شهود عيان من موقع الحادث، وبدءت المطالبات بفتح تحقيق دولي للحادثة، لكونها عدت وصنفت بالكارثة الإنسانية، بعد التداول لها من قبل كثير من وسائل الإعلام العالمية.
السيد السيستاني والسيد مقتدى الصدر:
يعد سماحة السيد السيستاني المرجع الديني الأعلى في العالم للطائفة الشيعية، وذات الأغلبية بالتقليد في الأحكام الشرعية من قبل عديد من المسلمين في العالم، وزعيم المرجعية الدينية في النجف الأشرف مركز العلوم الدينية للطائفة الشيعية، وهو ذو الكلمة السائدة لأغلب مسلمين الشيعة في العالم، ويشتهر السيد السيستاني بالفتوى الكبيرة التي دعت لتشكيل الحشد الشعبي بتحشيد المؤمنين بالألتحاق مع القوات الأمنية بالجهاد الكفائي، حينما بات وضع العراق في خطر من قبل تنظيم داعش الإرهاب في يونيو/حزيران 2014 حينما أقترب من بغداد، بينما يعد السيد مقتدى الصدر الوريث الوحيد في الساحة الدينية والسياسية لوالده المرجع الشيعي الراحل آية الله السيد محمد الصدر، وهو يقود مليشيا مسلحة بمسميات متعددة منها جيش المهدي ولواء الموعود التي أنشأة لمقاومة القوات الأميركية في العراق إضافة إلى سرايا السلام التي شكلت بعد فتوى الجهاد الكفائي عندما سقطت كبرى مدن العراق بيد الدواعش، فضلا عن زعامته للكتلة السياسية المشاركة في الحكومة العراقية المسماة بالأحرار التي تتكون من 40 نائبا في مجلس النواب و4 وزراء خدميين، وهو صاحب شعبية كبيرة وسائدة بين العراقيين، وخاصة في الجزء الجنوبي من العراق، بالتحديد في محافظتي العمارة والناصرية اللتان تعتبران معقل التيار الصدري.
السيستاني والصدر مع أزمة العراق:
على الرغم من الثقل الكبير في الساحة العراقية للسيدان السيستاني والصدر، ولكنهما لا يستطيعوا حل الأزمة السياسية الراهنة في العراق، وذلك بسبب إن الحلول سوف تتضارب وتتصادم مع مصالح دول الجوار ومنهم إيران والسعودية، حيث ترتبط إيران مع العراق بروابط إجتماعية ودينية كبيرة، ومن تلك الروابط المرجعية الدينية والمذهب والمقدسات، حيث إن إيران تسير بمنهج ولاية الفقية التي لا تؤمن بها مرجعية النجف الأشرف، وقد حاولت إيران مساعي كثيرة وكبيرة لنشر تلك الولاية لإبعاد حدود تتجاوز منطقة إيران، ولكنها باتت تلك محاولات فاشلة، وذلك لرصانة وقوة المرجعية النجفية التي تشكلت قبل مرجعية قم بكثير، وتعمل مرجعية قم وبالخصوص ولي الفقية على عدم مخالفة السيد السيستاني والتضارب والتصادم معه بالأراء والقرارات، وتعمل على جعل السيادة له في القرار والإختيار والحكم والتوجيه، في حينها يخشى السيد السيستاني والسيد الصدر بحلول سياسية لوضع العراق قد تتضارب مع مصلحة إيران في المنطقة، وذلك بسبب نفوذ إيران القوي والكبير في العراق، الذي ربما قد يؤدي لإشعال فتنة ونار في الصف الشيعي، قد تحرق الأخضر واليابس إذا كانت حلول تضر بمصلحة إيران السياسية والدبلوماسية، وقد لوحظ ذلك عندما بدءت المرجعية الدينية وخاصة السيد السيستاني، بالإبتعاد عن المواضيع السياسية بعد أن بح صوت المرجعية بمخاطبة السياسيين، وذلك في خطب الجمعة الواردة على لسان ممثلها الشيخ عبدالمهدي الكربلائي في كربلاء المقدسة، وقد يحرص السيد السيستاني على حقن دماء العراقيين، فلا يستطيع أن يؤذن بشيء تكون عاقبته فتنة كبيرة في البلاد، وخاصة بين الصف الشيعي الواحد بسبب الإختلاف بين مرجعية النجف وقم.
وقد نقل عن السيد السيستاني إنه من المؤيدين للدولة المدنية في العراق، ولكن هذا قد يضر بمصلحة إيران مما يشكل عليها خطرا كبيرا، وقد يهدد أرضها ومصالحها بفقدانها حليف قوي ومؤثر، ترتبط بواسطته مع سوريا ولبنان وهو العراق والسياسيين العراقيين المؤيدين لها، فإن الحكم المدني العلماني قد تفشله إيران ولم ينجح ولا يمكن تمريره، وكذلك السعودية التي لا ترغب بحكم إسلامي شيعي مؤيد لإيران وتخشى من ذلك، مما يجعلها تزداد بدعمها وتمويلها للجماعات المتطرفة والإرهابية لزعزعة الأمن والأستقرار في البلاد، فلا يمكن للسيدان السيستاني والصدر فرض حلول للأزمة العراقية مالم تكن بتوافق سياسي دبلوماسي يرضي كلا من الطرفين إيران والسعودية أولا، وبعد تجربة الإسلاميين في الحكم وفشلهم الذريع في قيادة العراق، أصبح العراقيون يرفضون حكم الإسلاميين بعد تجربتهم الفاشلة معهم ولا يرغبون بهم، وهذا ما يجعل السيدان السيستاني والصدر عدم إتخاذ قرار تكون عواقبه وخيمة على الشعب العراقي، وقد حدث ذلك عند إقتحام السيد الصدر للمنطقة الخضراء، وكانت التدخلات في حينها واضحة وكبيرة تدعوه للخروج وترك المظاهرات والتحشيد ضد الحكومة، مما جعله يتخذ قرار الإعتكاف بعد تلك الأحداث.
المنطقة واللعبة السحرية:
إن ما يجري في المنطقة هو كلعبة سحرية يعجز عن فهمها وتفسيرها، والحل الأنسب لذلك وهو التقسيم، الذي سوف يضمن لإيران أقليما مؤيدا لها وهو الشيعي، ويضمن للسعودية إيضا أقليما مؤيدا لها وهو السني، حيث نقل قبل أسابيع عن إجتماع جرى في لندن ضم عددا من القيادات في حزب الدعوة وشخصيات عراقية سياسية بارزة، منهم خالد العطية ووليد الحلي والشامي، وقد أوضحوا فيه بإنهم لا يجرأون على إعدام الإرهابيين السعوديين الموجودين في السجون العراقية، وقد برروا لذلك إن إعدامهم سيشعل النار في العراق حسب ما هددت به السعودية، وأوضحوا بإنهم يسعون مساعي كبيرة وجادة لعمل علاقات دبلوماسية دولية واسعة وكبيرة، ومن ضمن تلك العلاقات مع السعودية للتخفيف عما يجري في العراق، فقد أوضح أحد البارزين في الإجتماع إن السعودية تطالب بحصة في العراق، وهذا ما يدل بعدم السماح بقيام دولة مدنية علمانية أو إسلامية سنية أو شيعية، في ظل وجود تلك الدولتين وموقعهما من العراق، ويفسر الوضع الجاري في العراق بتلك القاعدة:
اللاعبون: إيران والسعودية
الأرض: العراق وسوريا ولبنان
المتفرجون والداعمون: أميركا وإسرائيل
المتضررون: العراقيون والسوريون واللبنانيون
الغاية: ضمان أمن إسرائيل
حيث إن سبب جميع المشاكل التي يمر بها العراق هو موقعه الأقليمي والجغرافي في المنطقة، حيث إن المعركة في العراق هي جراء النزاعات مابين إيران والسعودية، فكلا منهما يرمي الكرة في العراق وهم يتقاتلون عليها، مع ضمان أمن بلادهما لكلا منهما، أما المستفيدون من تلك المعركة هم أميركا وإسرائيل، فهما كالمتفرج الذي يتفرج، ويركبون مع الموجة الأقوى مع ضمان أمن بلادها لبعدهما عن المنطقة، فإن أميركا قد أستغنت عن السعودية حينما أصبحت الأولى منتجة ومصدره للنفط، وركبت مع إيران حينما رأت إيران ذات قوى ونفوذ متمدد وقوي، بشرط أن لا تكون معها ضد إسرائيل، بينما تبقى إيران لا ترغب بمجاور لها يكون عدوا لها أو رافض لسياستها ورغباتها، كي لا يكون صديقا لعدوها أميركا والسعودية، وتخشى من ذلك كي لا يكون العراق منفذا لدخولها وإسقاط نظامها كما ترغب بذلك السعودية وأميركا وإسرائيل، وقد خاضت هذه التجربة مع صدام، فهي ترغب بحكومة عراقية مؤيدة لها، سواء كانت حكومة العبادي أو المالكي أو الجعفري، فإن رغبتها أن لا يكون مجاورها عدوا لها وصديقا للسعودية وأميركا، فهي قد رفضت حكومة عراقية يترأسها إياد علاوي وأيدت حكومة برئاسة المالكي لدورتين لهذا السبب، وتعتبر أميركا إن وجود إيران يعني تهديدا لأمن إسرائيل وذلك بواسطة حزب الله اللبناني، فيكون المثلث الأقليمي العراق وسوريا ولبنان هو مثلث يهدد أمن إسرائيل، ويكون إفشال هذا المخطط وكسره بواسطة العراق المجاور لإيران، وذلك بجلب حكومة ضد إيران، كي تفشل خطوات ومآرب إيران، وهذا غير ممكن أبدا، وتعتبر السعودية إن العراق صديقا وحليفا قويا لإيران، فتسعى مساعي لجعله عدوا لإيران بحكومة علمانية مدنية ليست إسلامية شيعية، كي تنفذ خطتها مع أميركا بإسقاط إيران وحلفاءها في المنطقة كحزب الله ونظام الأسد لضمان أمن أسرائيل، فهي لا ترغب بحكومة عراقية توالي إيران وتصاحبها، والدليل إنها قد رحبت بصورة غير مباشرة بالشعارات التي أطلقت ضد إيران والمالكي في تظاهرات ساحة التحرير، وترغب بحكومة ضد إيران كحكومة صدام التي دفعت له آنذاك ملايين الدولارات في حربه ضدها التي دامت ثمانية سنوات، لأجل إسقاط نظام إيران الإسلامي وفشلت في ذلك، وهذا أيضا غير ممكن أبدا أن يكون في العراق حكومة ضد إيران وهو مجاور لها، ولا يمكن أن يكون في العراق حكومة مدنية علمانية وهو مجاور لإيران، فإن تأثير إيران في العراق قويا وكبيرا وأكثر تأثيرا من السعودية، من الناحية الدينية والإجتماعية، حيث يرتبط العراق مع إيران بالمذهب وبالمقدسات وبالحوزة العلمية وبالمرجعية، فهذه الإرتباطات ترصن العلاقة بين العراقيين والإيرانيين حكومة وشعبا، أما داعش ومن معها من متطرفي الفكر هم من صنيعة إسرائيل، وذلك لضمان أمنها وبتمويل سعودي، وبدعم وتنفيذي أميركي، حيث إن اليوم المعركة في العراق وسوريا ولبنان وهم حلفاء إيران المقربين، وبينما حلفاء الطرف الأخر من المتطرفين والدواعش هم أميركا وإسرائيل والسعودية، وحينما رأت أميركا تقدم إيران في برنامجها النووي، بدءت تقدم لها جملة من التنازلات بشرط حفظ أمن إسرائيل وعدم التعرض لها بما يهدد أمنها وأرضها، وقد رفعت الحصار عليها وسمحت بفتح فيها كثير من السفارات الأوربية، مع الإتفاق فيما بينهم على معاهدات سلام بأمن إسرائيل مقابل بقاء الأسد وحزب الله، وبهذه إيران قد لعبت أميركا فهي أنشأت حزب الله لغرض زوال إسرائيل ومحاربتها وتهديد أمنها وأرضها، ويبقى العراق ساحة النزاعات والقتتال مابين إيران والسعودية وبتفرج أميركا وإسرائيل، ولا تنتهي تلك النزاعات إلا بحرب عالمية مذهبية دموية بقيادة إيران وحلفاءها وبقيادة السعودية وحلفاءها، لتكون كارثة إنسانية لم يشهدها العالم أبدا، وذلك بسبب فشل الحكم المدني والعلماني والإسلامي في العراق مما ذهب به الحال إلى ماهو عليه الآن، حيث إن الحكم المدني العلماني سيفشل بواسطة إيران ولم ينجح، وذلك بواسطة نفوذها القوي والكبير في العراق لضمان الحفاظ على مصالحها في المنطقة، بينما الحكم الإسلامي قد فشل برفض الشعب له، بعد سوء الإدارة من قبل السياسيين الإسلاميين الذين أوصلوا البلد لأسوء الأحوال التي لا يمكن أن يعيشها المواطن العراقي، فلا يكون كحل للوضع الراهن في العراق سوى حكم الأقاليم والتقسيم، الذي تسعى له أميركا من قبل بمشروع بايدن، الذي سيضمن لكل من إيران والسعودية حصة في العراق بمبدأ المساواة السياسية.

أحدث المقالات