23 ديسمبر، 2024 9:25 ص

العراق بين الدولة والسلطة

العراق بين الدولة والسلطة

أن السلطة السياسية لها سلطتان الأولى هي سلطة الدولة وتكون مؤسساتية والثانية سلطة الحاكم  أي أن شخص الحاكم لا يقوم إلا بممارستها في حين أن الدولة هي المالك الحقيقي لهذه السلطة فتتأسس الدولة على الحق لا على القوة فغاية الدولة الرشيدة هي الحرية و يتلازم فيها القانون و الحق بشكل يضمن احترام الأفراد لأن دولة الحق هي شكل حقوقي يضمن الحريات الفردية و كرامة الإنسان ضد العنف و القوة ويفترض منها إن فعل الدولة خاضع لقواعد ثابتة ولا يجوز أن يكون الحاكم الفرد مسيطر على الدولة أو أن يتم المزج بينهما لأنه سيكون لصالح الاستبداد والتفرد ويكون الشعب والمجتمع خاضع للقائد الضرورة وقد جربنا هذا الشكل من الحكم في العراق وكانت نتيجته كارثية على الجميع ثم جاء التغيير عام 2003 وبدأت الناس تنظر معجبة بالقادة السياسيين الجدد الذي قدموا مع قوات التحالف وما بعدها ووجوههم المنورة المبتسمة ذوي الشخصيات المتواضعة والشهادات العالية والتي أخذت تنادي بالحقوق المستلبة من العراقيين وضرورة العيش بكرامة وتوزيع الثروة بشكل متساوي ويعلنون أن فترة الظلم والقهر وحكم الفرد والعوائل والأقارب انتهت مع رحيل النظام الاستبدادي السابق حتى وصل الأمر إلى أحد المسؤولين انه أعلن أن العراق سيكون أفضل من الأمارات العربية المتحدة ودولة الكويت ولكن حسابات الشعب وأحلامه لم تكن مثل حسابات الحكام الجدد وأحزابهم ذات الشعارات الدينية الذين أغرتهم المكاسب السهلة بدون رقيب فقاموا باقتسام السلطة والثروة والنفوذ وبدأت مظاهر الفساد الإداري والمالي تظهر يصاحبها ترهل الحكومة بزيادة عدد الوزراء والمسؤولين والمستشارين والدرجات الخاصة وتحت عناوين متعددة وبلا دور أو عمل يذكر بل لضمان الولاء ومنحهم امتيازات لم يحلموا بها وأصبح التقرب من زعماء الكتل والأحزاب وكسب رضاهم أسهل طريقة للوصول إلى المناصب وانتشرت الرشاوى والعمولات والأعمال الوهمية وشراء المناصب والشهادات المزورة والاستيلاء على الأملاك العامة وتراجع في الخدمات وتهديم البنية التحية بشكل ممنهج بل وصلت الأمور إلى الاستيلاء على رواتب بمليارات الدنانير من عشرات الألوف الذين  أطلق عليهم عنوان الفضائيين وبلغت الأمور ذروتها بعد السيطرة على كامل المقدرات والسلطات جميعها بيد فرد واحد وبدل أن يكون الحكم وفق نظام دولة مؤسسات دستورية رصينة واعتماد مبدأ فصل السلطات بدأت مرحلة تم فيها إخضاع الجميع لسلطته  واعتمد على حلقة ضيقة من الأقارب والمستشارين الذين ليس لديهم ممارسة في فن أدارة الدولة أو خبرة سوى في التقرب وتقديم الولاء إلى الزعيم المفدى ونيل رضاه وتشويه وإثارة خوفه من الآخرين حتى يبقى تحت سيطرتهم ودمروه وقدموا أكبر إساءة له ولأنفسهم ولوطنهم حيث تحكموا بكل شيء حسب أهوائهم ومصالحهم وأصبح كل صوت ناصح أو مخالف أو معارض تتم محاولة تغيير موقفه بالمغريات والمكاسب وفي حالة عدم استجابته يتم توجيه المحاكم ضده بدعوى تشهير وقذف وكانت البداية الغير موفقة مع الإعلامي المعروف  أياد الزاملي مؤسس موقع كتابات لمحاولة غلقه ثم تم إتباع طريقة جديدة مع الإعلاميين بأن يتم أبعاده أو إسكاته بالقوة القاهرة عن طريق التهديد والوعيد ويتم اتهامه بأنه يمثل أجندة أجنبية أو عميل وتوجد تهمة جاهزة وهي أطلاق صفة بعثي أو إرهابي ثم تطور الأمر إلى مستوى خطير من إسكات الأصوات الشريفة حيث كانت محاولة اغتيال الإعلامي عماد العبادي وسط بغداد وبعدها اغتيال الإعلامي هادي المهدي وأخر المطاف مهاجمة منزل مدير مكتب البغدادية الاعلامي نجم الربيعي بالقنابل ولكن كان هناك من الإعلاميين الشرفاء ممن لم يمكن الوصول إليهم ومحاولة اسكاتهم بالقوة لكونهم خارج العراق ولم يمكن إغراءهم بأموال ومناصب وعقود دسمة مثل السيد عون الخشلوك صاحب قناة البغدادية والتي أشبهها بموقع «ويكيليكس» وجوليان أسانج العراق الإعلامي اللامع أنور الحمداني الذي أصبح برنامجه ستوديو التاسعة منبر لكشف الفساد والإفساد في العراق حيث طالبت القناة بمحاسبة كل من أساء للعراق وتعدى على المال العام وكان ما كان من استغلال كامل إمكانيات السلطة للتأثير على دول أخرى لغلق القناة ولكن ولله الحمد لم يستمر كثيرا حتى عادت القناة بحيويتها وعنفوانها لتبين للجميع أنها عراقية الهوى وليست ضد شخص او حزب أو سلطة لأنها عادت للتركيز على الأخطاء وكشفها ليتم أصلاحها وهذا يكشف للجميع أن قناة البغدادية لا تعادي احد أو كتلة أو حزب بل تعادي الفاسدين في كل المواقع لذلك أتمنى من السيد العبادي والأخوة المسؤولين الجدد وخاصة أن بدايتهم صحيحة وممتازة و لكي تستمر مسيرة الإصلاح  أن يتم الاستماع لهذا الصوت الناصح لوضع الأمور في سياقها الصحيح وبناء دولة حديثة تخدم شعبها وتعتمد على مؤسسات وليس على أفراد وعدم أتباع أراء بعض المستشارين الذين قد يقيمونها بشكل شخصي وبقدر تعلق الأمر بمصالحهم وامتيازاتهم .