18 ديسمبر، 2024 7:46 م

العراق بين أقلية متخمة وأغلبية ساحقة معدمة

العراق بين أقلية متخمة وأغلبية ساحقة معدمة

لم ير العراق منذ تأسيس دولته عام 1921 ، انقساما اجتماعيا مشوها مثلما يجده اليوم بعد الاحتلال الامريكي عام 2003 ، فبعد الاحتلال البريطاني له عام 1917 ، طفت على السطح الأقلية الاقطاعية وهي تحمل غنى قاحشا جراء استغلال كادحي الارض من الفلاحين وأفراد أسرهم ، وتحالفت تلك الاقطاعية مع جنرالات الأستانة المتحالفين بدورهم مع المحتل البريطاني ليشكلوا نواة النظام الملكي ، واقترن هذا التشكيل بقانون دعاوى العشائر الذي أصدره الحاكم العسكري البريطاني عام .1918 ، وجعل فيه رئيس العشيرة قاضيا ، والسركال شرطيا ، والخوشي سجانا ، وتألق شيوخ المال الزراعي تألقا سياسيا ليصبحوا اعضاءا بالتعيين في مجلس الأعيان بإرادة ملكية فيصلية ، وقد توسعت سلطة الإقطاع بصدور قانون التسجيل العقاري رقم 50 لعام 1932 ليحول ويسجل الأراضي الأميرية بأسماء الشيوخ والقادة والوزراء ، ليصبح هذا الجمع مالكا للمال والسلطة والجاه مشكلا شريحة اجتماعية يقابلها سوادا اعظما من فقراء الريف وعمال المدن ، وتحول الرأسمال الزراعي إلى رأسمال تجاري وصناعي وانتقلت المشاييخ إلى المدن وصار التباين الطبقي حقيقة قائمة ، وقد حاولت ثورة 14 تموز تهذيب الملكية الزراعية وفقا لقانون الإصلاح الزراعي ، غير أن الأحداث المتتالية جراء النفوذ الاقطاعي حالت دون أهداف الثورة ، ولم تتمكن قرارات التأميم عام 1964 من النيل من غنى الإقطاع والعائلات المالكة للمال ، وظل التباين الطبقي قائما، فئة مالكة وطبقة وسطى عالقة ، وطبقة كادحة مارقة، وجاء الاحتلال الامريكي فتغير المشهد جراء تشكل فئة غنية جاءت مع المحتل أو اثر عجلاته ليقوم بتسليمها مقاليد السلطة تاركا إياها تتغلغل في اروقتها لتحصل على الغنى ، ولكن هذه المرة من أموال الدولة وخزائنها بطرق قانونية وفقا لتشريعاتها أو طرق ملتوية يجري فيها الاختلاس عن طريق المكاتب الاقتصادية أو استخلاص المليارات من المشاريع الوهمية ، أو تعيين الإتباع الحرامية ، وصارت هذه الشريحة متألقة بالمال السياسي متمترسة وراء السلاح الحكومي ، وانفصلت عن جذورها وغادرت مكامنها البائسة لتحتل قصور الرئاسة ، وتسكن الجادرية والحارثية والمنصور ، والقدوة منها سكنت الخضراء ، لا تقيم وزنا لقانون أو إجراء ، وأخذت تتوسع جراء الاستيزار أو مجلس النواب ، لتكون شريحة بغنى فاحش جدا ، لقاء انكماش الطبقة الوسطى بعد أن تأكلت أو أخذت تتراجع إلى الوراء ، مشكلة مع العمال طبقة واسعة جدا من الفقراء ، بلغت نسبتها عنان السماء ، وصار ألبون شائعا لم بعهده العراق سابقا ، وصارت صورة المجتمع الجديد واضحة المعالم ، شريحة اجتماعية مشوهة الانتماء فاحشة في الغنى والثراء ، يقابلها سوادا اعظما من الفقراء ، وتشوه معها الصراع ، فلم تتوضح جدلية ذلك الصراع ولم يعد طبقيا صرفا وانما صراعا طبقيا دينيا لا يحسم فيه الموقف بثورة ، ولا بطفرة لعوامل تحد من شروط الثورة ومنها غياب القيادة ، وعدم اكتمال الإرادة ، وتدخل دول مستفادة ،
هكذا تبدو الصورة عراقا هشا أمواله محصورة بيد شريحة ضالة مأجورة يقابلها شعب معدم يائس وشباب ثار في تشرين ، ولكن شوهت منه الصورة …