23 ديسمبر، 2024 6:12 ص

العراق بلد الفقراء .. هذا ما تقوله وزارة التخطيط

العراق بلد الفقراء .. هذا ما تقوله وزارة التخطيط

منذ كنا صغارا والعراق يعيش ب( أكذوبة ) عنوانها إننا أغنى دولة في العالم ، ومما كان يدل على إنها أكذوبة بالفعل إن الفقر حالة يمكن معايشتها ومشاهدتها كل يوم فيظهر من يقول إنكم كنتم جياع وأشبعناكم أو إنكم كنتم حفاة وألبسناكم ( النعال ) أو إنكم كنتم جالسون خوفا في بيوتكم فأخرجناكم إلى الشوارع تمشون ، ولم يكن الكشف عن حقيقة ما يشاع صعبا بعد أن تعلمنا شيئا من الاقتصاد ، فالثروات التي يتبجح بها البعض يقصدون بها النفط واحتياطياته ، وفي لغة الأرقام إن خزين النفط العراقي سواء كان ثالثا أو رابعا بين الدول لو تم بيعه جميعا بتاريخ معين لكانت إيراداته بضعة تريليونات من الدولارات التي لا تعادل سوى جزءا من إيرادات بعض الدول المتفوقة اقتصاديا بالفعل ، كما إن المؤشرات المتعلقة بمعدل دخل الفرد العراقي سنويا لا تدل على الغنى المفرط الذي كانوا يتحدثون عنه على سبيل الغرور ، والأكذوبة التي تحدثوا عنها كان من الممكن أن تتحول إلى حقيقة لو توفرت قيادة قادرة على إدارة الثروات بالشكل الصحيح ، فالعراق فيه العديد من الثروات والموارد ومنها المساحة والمياه والموقع والبيئة والمعادن والسياحة والبشر ولكنها أهملت جميعا وتم التركيز على الثروات النفطية فحسب ، وهذه الثروة المحدودة من النفط لم يتم التصرف بإيراداتها بطريقة كفوءة تضاعف الثروات إذ تم إهدار معظمها في الحروب والفساد أو خدمة مصلحة الأجنبي على حساب العراقيين ، فتحولت ارض السواد إلى مستورد ل( الخس ) وبلد أل 30 مليون نخلة إلى مستورد للتمور وبلد الثروات الحيوانية إلى بلد يستورد اللحم الهندي وبلد السياحة إلى ممنوع من تحليق طائراته في سماء أوروبا لمخالفة طياريه ابسط الشروط وبلد الكفاءات إلى طارد لها بامتياز .

وبسبب سوء الإدارة وعدم توجيه الموارد للاستثمار الصحيح فقد انكشفت عورتنا من أول اختبار شبه حقيقي عندما انخفضت أسعار النفط في الأسواق العالمية ، فتحويل اقتصادنا إلى النمط ألريعي والأحادي المعتمد على صادرات النفط رغم توفر الخيرات والثروات الأخرى قد جعل الأيادي المسئولة تمتد إلى المتقاعدين لتستقطع من رواتبهم الهزيلة لكي تغطي ثغرات الفشل في إدارة الاقتصاد ، وهو فشل بمعنى الكلمة لان البلد اعتمد على النفط وهو يصدره بشكله الخام وليس كمنتجات بل إننا نستورد المشتقات النفطية لغرض الاستهلاك ، كما إن من يتولى أعمال النفط هي الشركات في جولات التراخيص التي ندفع لها المليارات في وقت ترتفع به نسب ومعدلات البطالة بين الشباب ، كما إن التصدير يتم بحرق الغاز المصاحب لنستورد بدلا عنه الغاز السائل لتشغيل محطات الكهرباء والاستعمالات المنزلية ، ومما يثير الأسف فعلا إن الجهات المعنية باتت تمنح شهادات الفشل في إدارة الاقتصاد لتثلج صدور الأعداء ، فقد أعلنت وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي عن ارتفاع الفقر في العراق بنسبة 3,5% عمّا كانت عليه في عام 2013 ، وعزت أسباب ذلك إلى انخفاض أسعار النفط وسيطرة تنظيم داعش الإرهابي على بعض المحافظات العراقية ، وقال المتحدّث باسم الوزارة في تصريح صحفي إن نسبة الفقر في البلاد ازدادت بنسبة 3,5% عمّا كانت عليه في العام 2013 ، لتصل حالياً إلى 22,5% ، وتابع المتحدث أن سيطرة داعش على بعض المحافظات وانخفاض الأسعار العالمية للنفط أدت إلى هذا الارتفاع ، ونوه إلى أن المعدلات كانت قبل عام 2013 بنحو 23% لكنها انخفضت بعد تطبيق إستراتيجية الدولة لمكافحة الفقر إلى 19%، ثم عاودت الصعود خلال العام الحالي .

وكرد فعل على ما يشهده البلد من أزمات يفصح عنها أصحاب الاختصاص والقرار في الدولة ، ومنها إن إيرادات النفط غير كافية لتغطية نفقات الحرب على الإرهاب ورواتب الموظفين والمتطلبات الأساسية لتسيير أمور الحياة وتوقف الخطة الاستثمارية ، فقد أعلن مجلس الوزراء ( الاثنين ) عن تشكيل فريق استشاري كبير لتقديم تدابير اقتصادية بسبب تراجع الإيرادات النفطية ، وقال المجلس في بيان صحفي بأنه تقرر تكليف فريق عمل من كبار المستشارين الاقتصاديين لتقديم ورقة تدابير اقتصادية مدروسة لمعالجة آثار هذا التراجع على الموازنة الاتحادية لعام ٢٠١٦ وعلى الاقتصاد العراقي ، وأضاف البيان أن المجلس وجه باتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة المخاطر المتوقعة بسبب انخفاض الإيرادات النفطية بشكل كبير على الرغم من زيادة الإنتاج والصادرات النفطية ، وأوضح أنه تمت مناقشة إنشاء شركة نفط ذي قار وشركة نفط البصرة ، وطلب المجلس من وزارة النفط تقديم مقترحات كاملة في الجلسة المقبلة للمجلس لغرض إقراره ، ويعني تشكيل هذا الفريق الاستشاري بان أجهزة الدولة التي يعمل فيها أكثر من 4 ملايين موظف بمختلف الدرجات والاختصاصات والذين سنضطر للاقتراض من جهات داخلية وخارجية لصرف رواتبهم دون توقف ، غير قادرة على حل المشكلات بحيث تتم الاستعانة مرة بخلية الأزمة ومرة بالفريق الاستشاري ، وكان من المفروض أن تتولى مؤسسات الدولة الحيلولة دون الوصول إلى هكذا نتائج من حيث العسرة المالية وعدم قدرة الإيرادات على مقابلة النفقات باعتبارنا دولة مؤسسات ، وليس العيب الاستعانة بالخبرات المحلية لتجاوز الاختناقات ولكن الخطورة تكمن بان نستعين بالوقت بدل الضائع بالبدائل لحل المشكلات التي من الممكن أن تصيب نيرانها الشعب وأبرزهم الفقراء .

ونعلم جميعا إن الأزمة المالية إن تمكنا من عبورها في سنة 2015 أو 2016 فان آثارها ونتائجها ستظهر في السنوات اللاحقة ، لان اغلب الحلول تركز على النفط وتعول على عودة الأسعار إلى سابق عهدها أو على أمل أنها ستتحسن أفضل من وضعها الحالي ، وهي حلول ترقيعية وتخديرية وسوف توقع بلدنا بمآسي ( لا سامح الله ) فالتعويل على النفط وزيادة الإنتاج خطأ جسيم مثلما إن التعويل على الضرائب والرسوم وتقليل الرواتب خطر جسيم أيضا كما إن الاعتماد على القروض الخارجية يشكل خطرا كبيرا بالفعل ، فالصحيح هو من خلال ترك أمور البلد للكفاءات وأصحاب الاختصاص وولوج الحلول غير النفطية ومن خلال معالجات حقيقية ترقى إلى مستوى الموضوعية ونكران الذات ، فمشكلات الاقتصاد وإدارة الدولة الحالية هي مشكلات سياسية بامتياز لان اغلب مفاصل الإدارة تتم إدارتها من خلال ( اجترار ) الحلول المتاحة وليس من خلال البحث عن البدائل التي يجب استحضارها من خلال التفكير والعمل والإبداع ، وعندما نتحدث عن الإبداع فليس القصد هو التعجيز وإنما نعني التوجه إلى كيفية توظيف ثروات البلد لتحقيق الناتج المحلي الاقتصادي وزيادة الدخل وتحسين ميزان المدفوعات من دون الاعتماد الكلي على سلعة واحدة وهي النفط ، كما إن جزءا من الإبداع يعني أن يكون الأداء الحكومي بأقل نسبة من الفساد تمهيدا للقضاء عليه ، وإذا لم نتدارك أمور بلدنا في الوقت المناسب فان اغلبنا سيتحول إلى فقراء فمعدلات الفقر حاليا خطيرة جدا عند مقارنة عدد الفقراء إلى حجم الثروات والإيرادات ، فأرقام وزارة التخطيط تعني وجود في تركز الثروات وعدم توزيعها بالشكل الصحيح وحرمان ربع أبناء شعبنا من المتطلبات الأساسية للحياة ، فهل نحن أغنى دولة في العالم أم دولة فقراء ؟! .