23 ديسمبر، 2024 3:07 م

العراق بلد الـ2.4 مليون قتيل ومثلهم يعيشون كأنهم أموات

العراق بلد الـ2.4 مليون قتيل ومثلهم يعيشون كأنهم أموات

الحرب على العراق أسوأ قرار اتخذ في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية بحسب وصف دونالد ترمب كما نقلت عنه صحيفة (The Hill)، الرجل وبمعادلة حسابية وجد أن أمريكا خسرت أكثر من 800 مليار دولار أنفقتها بلاده هباءً لتمويل تلك الحماقة، دون ضمانات طويلة الأمد تتيح السيطرة بالكامل على حقول النفط العراقية، وهو ما أكده الخبير في السياسة الخارجية الأمريكية جيمس إيكنز” بالقول إن سبب الغزو الأمريكي للعراق هو البترول مبينًا أنه لو كان العراقيون ينتجون الفجل لما كانت أمريكا ستغزو بلادهم؟

إذن ما عده ترمب خطأ ليس كونه أكثر من الاعتراف بخسارة صفقة لم تدر أرباحا كافية، والدليل أن موقع «ميدل إيست» كشف عن سعي ترامب لتعيين جون بولتون مستشارًا للأمن القومي الأمريكي، وهو الذي يطلق عليه (رجل احتلال العراق) عام 2003.

الموقف الأمريكي الرسمي لنتائج غزو العراق على مدى الخمسة عشر عامًا مضت لطالما كان شبه وقح ومتعاليًا في تحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عما تسبب به قرار الحرب العبثي من فوضى ودمار، حتى إن المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، هيذر نوايرت، تهربت من الإجابة عن سؤال يتعلق بغزو العراق خلال مؤتمر صحافي عقد في 20 مارس (آذار) عام 2018، نافية فكرة تقديم اعتذار عن تاريخ سياسة الولايات المتحدة الخارجية، ومعتبرة أن ما حدث جزء من الماضي، ولن يتم العودة إليه مجددًا كما نقل ذلك موقع «أمريكان فري باكون».

أما من اعترف منهم بخطأ قرار الغزو، فتصريحاته وبما لا يقبل الشك ليست بغرض الاعتراف بالندم والبكاء عند أقدام مليوني أرملة عراقية فجعت بفقدان زوجها أو المسح على رؤوس خمسة ملايين يتيم يتوجسون منهم الغفران، بل إنها مواقف جاءت لأسباب عده أهمها تشخيص فشل واشنطن في كسر عقدة فوبيا فيتنام، فهي ووفقًا لنيكولاس بيرنز الذي كان يشغل منصب مساعد سابق لوزير خارجية واشنطن للشؤون السياسية، أكد بأن بلاده لم تحقق أي مكاسب ذات أهمية جراء هذا الغزو، خاصة وإن الخسائر التي قدمتها آنذاك بالتزامن مع حجم الدمار الذي ضرب العراق نتيجة هذا الاحتلال ألحق الأذى بمصداقية الولايات المتحدة داخليًا ودوليًا، والتي كانت تتمتع بها قبل خوض تلك الحرب التي كان أبرز ما تمخض عنها تعزيز مكانة إيران، وعدم التزام طهران بعهود قبيل الغزو، واقترابها من خطوط التماس، وإعلانها عبر كبار مسؤوليها بأنها أحق باحتلال العراق من غيرها، وهو ما أكده السيناتور الأمريكي عن الحزب الجمهوري ليندسي غراهام في مارس عام 2018، حين قال: إن إيران تحقق الانتصار في الشرق الأوسط، بينما تتموضع أمريكا في مواقع دفاعية، وهي نتائج دفعت بالجنرال ديفيد بترايوس قائد قوات الأمريكية الأسبق في العراق الذي نقلت عنه صحيفة ميليتاري كوم إقراره بأن بلاده ارتكبت ما وصفه بأخطاء فظيعة، بعد احتلال العراق عام 2003 وما تلاها، إلا أنه استرسل قائلًا: إن على القوات الأمريكية البقاء في العراق لمعالجة الأمور، وهو تصريح تناغم مع إعلان نائب وزير الخارجية الأمريكي جون سوليفان، الذي أكد فيه أن الولايات المتحدة لن تكرر خطأ الانسحاب المبكر من العراق.

الولايات المتحدة لا تحصي جثث من تقتلهم

في تصريح عد الأكثر استفزازا للمشاعر، والذي جاء ردًا على سؤال بشأن التقديرات الأمريكية لعدد الضحايا العراقيين نتيجة العمليات العسكرية، قال الجنرال تومي فرانكس، الذي تولى رئاسة القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) عام 2003، قال بصراحة للصحافيين: نحن لا نعد الجثث. وربما لا يلام الرجل على تصريحه؛ فعدد القتلى أكبر بكثير من أن تتمكن القوات الأمريكية المنشغلة بتنفيذ ما أوكل لها من أوامر بقتل كل ما يتحرك على الأرض في إحصاء عدد الجثث المنتشرة بين الأنقاض والشوارع بعد إلقاء أمريكا لـ 105 ألف قنبلة وصاروخ حولت العديد من مدن العراق إلى مجرد أطلال، فحسب صحيفة opednews فإن أكثر من 2.4 مليون عراقي قتلوا منذ 2003، بحسب تقديرات أخذت بأفضل الطرق، فمن بين الدول التي كانت الولايات المتحدة وحلفائها يخوضون فيها حربًا منذ عام 2001، فإن العراق هو الوحيد الذي قام فيه علماء الأوبئة بإجراء دراسات شاملة حول الوفيات على أساس أفضل الممارسات التي طورتها في مناطق الحروب، حيث كشفت نتائج الدراسات الوبائية الشاملة عن وفيات أكثر من خمس إلى 20 مرة من الأرقام المنشورة سابقًا على أساس تقارير صادرة من قبل الصحافيين أو المنظمات غير الحكومية أو حتى الحكومات.

وقد صدر تقريران من هذا النوع عن العراق في مجلة «لانسيت» الطبية المرموقة الأول عام 2004، ثم في عام 2006، وقدرت دراسة عام 2006 أن حوالي 600 ألف عراقي قتلوا في الأشهر الأربعين الأولى من الحرب في العراق، كما وتوصل تقرير (أورب) إلى أن 430 ألف عراقي آخرين قُتلوا في عام 2007 أيضًا.

تقرير آخر صدر عام 2015 لأطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية، أكد ما أوردته دراسة لانسيت عن عدد الجثث في العراق، مستشهدة بالتصميم القوي للدراسة واستقلالية فريق البحث.

كما أجرت شركة استطلاع بريطانية بعنوان (ORB) وهو مختصر (Opinion Research Business) في يونيو (حزيران) 2007 دراسة إضافية، وقدرت أن مليون و33 ألف عراقي قد قُتلوا في ذلك الوقت.

الباحثان نيكولاس جيه ديفيز (Nicolas J S Davies) وميديا بنجامين (Medea Benjamin) وضعا دراسة تقديرية في 15 مارس (آذار) 2018 بشأن توثيق عدد الوفيات في العراق عبر الأخذ بتقديرات (ORB) بمقدار 1.033 مليون قتيل بحلول يونيو (حزيران) 2007، ثم تطبيق تباين لمنهجية السياسة الخارجية من يوليو (تموز) 2007 إلى الوقت الحاضر باستخدام الأرقام المنقحة عن عدد الجثث في العراق، لتتبين الحصيلة النهائية هي 2.4 مليون عراقي قد قتلوا منذ عام 2003 في بلد لا قانون فيه.

ولن يكون الرقم غريبًا أو مبالغًا فيه مع اعتراف عضو الحزب الجمهوري الأمريكي والمرشح الرئاسي السابق رون بول في 6 2018، والذي أكد أن غزو بلاده للعراق تسبب في مقتل أكثر من ربع مليون مدني بشكل مباشر ومليون آخر بشكل غير مباشر، كما أن استخدام الولايات المتحدة لليورانيوم المنضب والفسفور الأبيض تسبب في جعل العراقيين يعانون من الأمراض والعيوب الخلقية لعدة أجيال حسب قوله، وتعددت وسائل القتل والنتيجة واحدة، فبريطانيا حليفة أمريكا بمشروعها آنذاك كان لقواتها نصيب في التفنن بقتل العراقيين، وإضافة أرقام جديدة ضمن إحصائيات الموت، حيث كشفت صحيفة «الجارديان» عن اعترافات لضباط بريطانيين بإجبار المدنيين على اجتياز أنهار في العراق؛ ما أدى لمقتل أعداد منهم غرقًا وبكل دم بارد!

سكان أطراف بغداد يعيشون في كهوف ما قبل التاريخ

ليس فقط من يرقد تحت التراب يعد ميتًا، فهناك مئات الآلاف فوق الأرض في العراق يتمنون الموت ليضعوا حدًا لمأساتهم والتي هي تداعيات لاحتلال وحروب ألقت بضلالها السوداء على البلاد، وجعلت منه الأسوأ عالميًا في كل شيء وفقًا لمؤسسة (جلوبال)، حيث يوجد اليوم نحو 3 ملايين و300 ألف عراقي أي بما يعادل 13% من مجموع السكان يعيشون في عشوائيات تفتقر لأبسط مقومات الحياة، حتى وصِفت الأوضاع في مناطق أطراف بغداد وكأنها كهوف ما قبل التاريخ وفقًا للجنة الخدمات البرلمانية، ليس هذا فحسب، بل هناك مليون ونصف المليون معاق في العراق والعدد في تزايد بمعدل 50 شخصًا بينهم أطفال ونساء يضافون شهريًا إلى قائمة المعاقين بسبب انتشار الألغام والمتفجرات في المدن العراقية شمال وغرب البلاد حسب آخر إحصائية صادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي.

إدارة أمريكا لم ولن تعترف يومًا على المدى القريب على أقل تقدير بأنها ارتكبت أبشع جريمة في تاريخها بحق شعب بأكمله، فهي ما زالت تصر بأنها جلبت الديمقراطية للعراق وإن خضبت بالدماء.