عندما يعيد المرء قراءة أرقام فساد كبار المسؤولين لا يستغرب ما وصلت اليه الأمور في بلد الخيرات و غياب القيادة العاقلة، حيث تلعب نرجسية الشخص دورا مركزيا في الخراب خاصة و أن العراقيين يجيدون صناعة الصنم بأمتياز، بسبب استراتيجية حكومية تقوم على اساس عدم التخصص في المسؤولية و تقديم الجاهل على المتعلم و الحرامي على الأمين، بما أسس لمراحل متداخلة من الفشل و انعدام الرؤا المستقبلية .
ونحن هنا لا نتحدث عن حكومة العبادي لأنها في أول الطريق رغم أنها لن تكون خالية من الفساد بوصفه حلقة متواصلة بقيادات مركزية و فرعية محترفة في النهب، رغم ان العراقيين لا يمتلكون هذه الثقافة قبل الاحتلال، لذلك يعيش العراق على مفترق طرق الافلاس و الموازنة التقشفية، نتيجة مشاريع وهمية و صفقات فساد تقف وراءها ” حيتان ” فساد تلتهم الأخضر و اليابس في وضح النهار، و من الصعب الكشف عنها بحكم التوافقات و المحاصصات السياسية و الطائفية.
من غير المعقول التداول الرسمي بصفقات فساد و تخريب دون التوصل الى ” رأس الأفعى” ومن المعيب تحويل العراق الى وسيلة ايضاح بالنهب و القتل و الدمار دون محاسبة ، و كأن ما يجري مخطط له لتخريب هيبة العراق على ايدي المسؤولين فيه، و المعيب أكثر أن سهام الاتهام بالفساد توجه للجميع على أعتبار ان الساكت عليه شريك فيه، ما يصعب معه الخروج من عنق زجاجة ” الرقابة الفضائية” بدون ” ثورة”على الفساد و أصحابه ، يكون الشعب و ليس اللجان صاحب الكلمة الفصل فيها، على أعتبار أن المسؤول هنا ربما كان متورطا هناك ، و بالتالي تبقى الحلول مؤجلة و المعالجات يتيمة.
هل من المعقول أن العراق بات خاليا من القدرة على المحاسبة و تشخيص العلة و اختيار حلولها؟ وهل من الانصاف التفرج على العراق و هو ينهار على مراحل؟ ولماذا كل هذه المقامات اذا لم تنتفض لمنع غرق الباخرة قرب الشاطيء؟ أعتقد أن الجواب سيكون عسيرا لأننا منذ 11 سنة نتحدث عن محاربة الفساد ، و لازالت الخطوات قبل خط البداية، بسبب غياب الارادة في الاصلاح و القوائم الطويلة من المتهمين بشكل مباشر أو غيره، خاصة وأن الغالبية تنظر الى المال العراقي من باب الثراء لا التفكير بالبناء.
وضمن هذه العناوين الكبيرة في سوء التصرف بالمال العام و تراخي المسؤولية الوطنية، فانه لم يعد مستغربا نزوح أكثر من ميلوني و نصف عراقي في ظروف ليست غائبة عن الجميع، بسبب المزايدات السياسية و العقد الشخصية، التي تحجب دمعة خجل على اطفال بلا مدارس يفقدون الحياة بسبب البرد ، بينما يتحصن المسؤول خلف مئات الأشخاص بصفوف كثرة حفاظا على سلامته أما الوطن فلا أحد يسال عنه، والا كيف لا تزال المدارس الطينية في العراق و تراجع متميز بالكوادر الطبية و الهندسية و أفواج من العاطلين عن العمل و الأرامل و الأيتام الذين لا تسع عشرة بالمئة منهم دوائر الرعاية الاجتماعية، مقابل آمية تزحف صوب العقول بعد اضطرار طلاب المدارس الى اعانتهم ذويهم على حساب المعرفة، أما هيبة المدن و سيادة الوطن فانها على رف النسيان لصالح تخندقات عرقية و مذهبية تأكل في اخوة العراقيين ليل نهار، اوبالنتيجة لن ينهض العراق طالما يعتقد المسؤول فيه أنه افضل من الشعب !!