18 ديسمبر، 2024 10:10 م

العراق – ايران – افغانستان

العراق – ايران – افغانستان

كانت هناك فقرة في الاجتماع الحزبي (مناقشة احداث الاسبوع) وتوجه السؤال لي فأجبت : لا يوجد خبر هام ، فتبسم نصف الحضور وبادرني المسؤول : كيف لا يوجد شيء ومزار الشريف سقطت ؟ تبسمت مثلهم وقلت هذا لا يعد خبرا مهما لشخص توقع لكم سقوط افغانستان قبل فترة ليست بالقصيرة ، سئلت: وماذا بعد ؟ قلت ستهضم امريكا كابول وتتجه الى بغداد .. اجاب احد المجتمعين : لتأتي امريكا سنحاربها ( فالحنطات والشعيرات موجودات) ومعنوياتنا عالية .. اجبته ان الحنطات ليست سلاحا متطورا والمعنويات العالية الناتجة عن تقديس الياباني لبلده لم تخدم من كان في هيروشيما وناكا زاكي .

لا شك بأن وسائل الاعلام المختلفة اكتشفت اكتشافين خطيرين طارئين على علم السياسة ، وهي ان الولايات المتحدة تهمها مصلحتها وتنكث العهد مع اصدقائها .. وأن انسحابها من العراق سيؤدي الى تكرار التجربة الافغانية في العراق وتسيطر الفصائل الموالية للجمهورية الاسلامية على البلد بنفس الطريقة .

الاكتشاف الاول لا يستحق المناقشة كثيرا فالسياسة مصالح وهذه بديهية وليس اكتشاف ، وهي عمرها لم تكن صداقات وعداوات دائمة (( فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )) ، فإن لم تكن المصالح اقتصادية فلتكن عقيدية ، وإن لم تكن فلتكن طموحات امبراطورية ، وأن الكلام على ان لا نثق بأمريكا كلام بديهي لا قيمة له ، فلا ينبغي للإيراني ان يثق بدولة العراق عندما تحتله او تتدخل في شؤونه ، وهكذا الأمر ان حصل العكس .. وليس امريكا فقط . انه الغزو والاحتلال وتأسيس النفوذ والتدخل هو نفسه حتى ولوجاء من اشرف الجهات ، وتحت اقدس المبررات .

لنسأل انفسنا هل ان امريكا لم تحقق اي من اهدافها في افغانستان ؟؟ الم تمنع الارهاب من تهديدها لعقدين ونيف من الزمن ؟؟ نعم حققت ولكن الانهيار الكارثي للجيش الافغاني جعل الامر يظهر ليس كما هو عليه ، بل ظهر لنا ان الامر هزيمة منكرة مخجلة لأمريكا بينما هو هزيمة ليس للجيش الافغاني فقط بل لكل جيش يبنيه الاستعمار في اي بلد يعمل فالدولة تحت الاحتلال لا بد ان ينخرها الفرهود ومن لدن اي مستعمر وأعوانه الفاسدين بالضرورة لأن بناء دولة مواطنة مدنية وجيش (وطني) لن يكن في صالح المستعمر ، بل نذهب الى ابعد من ذلك لنقول ان ليس من مصلحة دولة اي دولة جارة ان يكون جارها قويا وجيشه وطنيا بلا عشائر واديان ومذاهب ألا في حالات خاصة تتعلق بالقومية او الاهداف المشتركة ، ولذلك تجدني احزن عندما اعرف ان تركيا – ايران- (اسرائيل) تسلسل جيوشها على العالم (18،14،13) بينما سوريا والعراق (51،47) ويخف حزني عندما اعلم ان مصر صارت (9) مع الأخذ بنظر الاعتبار ان تركيا وأيران (وإسرائيل) مجالهم الحيوي هو العراق مهما تغيرت انظمة الحكم فيها ، ولا يمكن اقامة علاقات متوازنة وحسن جوار مع الاولى والثانية الا بتفعيل عناصر القدرة العراقية الكامنة والتي ان تفعلت سيخر الفاسدون وسيتقاعد السلاح المنفلت ، ولذلك نجد ان كل هؤلاء ساهموا في ذبح ثورة تشرين يعاونهم في ذلك خوف الخائفين الى حد الرعب والذين باتوا يظهرون عضلاتهم ويهددون او يلوحوا بالتهديد لعلم الطرف الآخر انها حملة وتزول ويعود الرعب والانبطاح بشكل اكبر بعد الانتخابات . وهذا مالم يدركه المستعمر في افغانستان عندما قال ان طالبان ستصل كابول بعد تسعين يوما ،ناسين ان ارادة القتال لدى الجندي تحت ظروف فرهود قاتل عملية مستحيلة لأن ارادة القتال تتضمن فيما تتضمنه الاستعداد للموت ، والمجنون فقط هو من يواجه الموت لأجل دولة فاسدة وجيش افسد فيحصل الانهيار والذي هو يجري عادة بمتوالية هندسية وليس بمتوالية عددية .. فضلا عن اننا لابد ان نحلل ان الاخلاق المدنية العالية التي جاءت بها طالبان لم تكن محض صدفة بل ان البصمات الامريكية واضحة فيها .

ننتقل الى الاكتشاف الخطير الثاني وهو ان التجربة ستتكرر في العراق وكأن الموضوع قصة كقصة (السعلوة) تكررها علينا امهاتنا لكي ننام قبل اشتداد الظلمة عندما كنا صغارا .. امريكا بقت في افغانستان 21 عاما وقتلت بن لادن ومنعت تهديد طالبان لها خلال تلك المدة ، وقلت في مقال لي قبل اشهر ان انسحابها سيكون لتهيئ لصراعها المقبل مع التهديد الاكبر الذي هو الصين تأتي بعدها التهديدات الاخرى ومنها ايران التي تسيق روسيا بحجم التهديد ونوعه ، وهي رغم انها اخطأت كثيرا إلا ان اخطائها علمتها ان المصد الحقيقي لتهديدات ايران لمصالحها يكمن في عراق قوي متوازن قادر على النأي بنفسه عن الصراعات الدولية والاقليمية ، وهذا ما لم يترسخ لحد الآن عمليا ، وستعمل الولايات المتحدة على عدم تركه بالطريقة التي تركت فيها افغانستان الا اذا ارادت ترك مصالحها في الشرق الاوسط برمته ، وأن تركته ستترك مسمار جحا وتضع خطة العودة . ولعل عودتنا اليها وليس عودتها الينا ستحصل يوما ، ورغم التشويش الاعلامي فأن حقيقة دورها في ايقاف داعش على ابواب بغداد وطيرانها الذي دمر داعش ودمر معها الموصل والانبار لا زال ماثل امامنا .

الفصائل المسلحة فكرت بالسيناريو البشتوني (طالبان) حتما ولكنها غير متحمسة له كون الهدف ليس مغريا لها (استلام السلطة) لأنها شريك اساسي ومؤثر فيها، وهي مصونة غير مسؤولة كسلطة واقعية غير رسمية تحرك الأمور بسلاسة من خلف الكواليس ، وهذا افضل لها من ان تكون سلطة رسمية ينظم القانون عملها ، كما انها تعلم ان (حصر السلاح بيد الدولة) انشودة ليس اكثر ، وهي تعي جيدا ان الدولة تهابها وهي لا تهاب الدولة .