شهد العراق انهيارا امنيا وسياسيا يوم أمس،فقد أعلنت المحكمة الجنائية العليا حكم الإعدام بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي ومدير مكتبه غيابيا،فيما ضربت التفجيرات الدموية اغلب محافظات العراق في يوم دام كارثي ،ذهب ضحيته كالعادة مئات الضحايا وآلاف الجرحى ،التفجيرات كانت عادلة في استهدافها لمدن ومحافظات الجنوب والوسط والشمال (البصرة والعمارة وبغداد وكركوك والموصل وتكريت وديالى)،ويؤكد هذا الانهيار، الفشل السياسي والأمني لحكومة المالكي وكل الأحزاب المشاركة في العملية السياسية العرجاء، وهم في ورطة أمنية حقيقية نتيجة فشل الأحزاب في اختيار وزراء الدفاع والداخلية والأمن الوطني،،وهذا ما عمق الأزمات المستشرية في جسد الحكومة،لذلك جاءت التفجيرات كنتيجة طبيعية عن هذه الأزمات ،ولكي نضع القارئ في عمق المشهد السياسي العراق لابد أن نستعرض بعضا من الأزمات المزمنة التي تعيشها الأحزاب والكتل والحكومة معا،ففشل انعقاد المؤتمر الوطني وفشل اجتماعات اربيل والنجف في سحب الثقة عن المالكي واستجوابه ،وتصاعد حدة التصريحات والتهديدات بين الأطراف المتصارعة ،والتي وصلت الى إشعال حرب حقيقية بين الجيش والبشمركة في قاطع زمار بعد تحشد القوات العراقية على الحدود العراقية –السورية،وزادها تأزما زيارة مسعود برزاني الى زمار،وتصريحاته وتهديداته المباشرة لبغداد بالمواجهة والرد إذا تعرضت البيشمركة الى استفزازات من الجيش،فيما أرسل اياد علاوي رئيس القائمة العراقية رسالة بثلاثة محاور الى الحكومة والأحزاب المتنفذة في الحكم، يطالب فيها إصدار قرارات جريئة ومهمة لاستتاب الوضع الأمني والسياسي في العراق قبل انفجاره ومنها إطلاق سراح المعتقلين الأبرياء وإنهاء حالات الاجتثاث والإقصاء والتهميش لفئات الشعب، التي تمارسها حكومة المالكي ضد الآخرين ،والقضاء على الفساد المالي والإداري وإعادة التوازن في المناصب الحكومية وعدم التفرد في السلطة،في خضم هذا المشهد السياسي المعتم والفاقد للثقة بين الأطراف كلها ،تنحدر البلاد الى هاوية الحرب الأهلية ،فالمالكي المصمم بالذهاب الى نهاية فترة رئاسته للحكومة دون أن يسمح بتسمية وزراء للدفاع والداخلية والأمن الوطني، وجعلها تحت إشرافه وسلطته الرسمية ،ليتمكن من فرض هيمنته وسلطته على هذه الوزارات والأجهزة الأمنية وتقوية نفوذه تمهيدا لولاية ثالثة، والبرزاني الممهد والمهدد بالانفصال بأية لحظة لإقامة دولة كردستان من خلال الإصرار على إخضاع كركوك وجزء من نينوى وديالى للإقليم واستخراج وتصدير النفط دون موفقة حكومة المالكي، وتسليح البيشمركة بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة والصواريخ المتطورة والطائرات ،والتي تلقى دعما أمريكيا واضحا لهذا ، تحت ظل سكوت مريب لمجلس النواب الذي فشل في مواجهة تعنت المالكي واستماتته ورفضه تسمية الوزارات، أو استجواب البرازاني على الخروقات الأمنية والسياسية لسيادة البلد ،عندما تجاهل حكومة المالكي واتخذ قرارات فردية دون استشارة أو علم المركز، ومنها زيارة داوود اوغلو الى كردستان وكركوك وتصدير النفط وغيرها الكثير،أما الرئيس فهو كما يقول المثل العراقي(متفرج) فقط يقترح ولا احد يلبي اقتراحه ويسمعه والدليل نداءاته المستمرة لحل الأزمات وعقد المؤتمر الوطني للكتل والذي يلاقي دائما الفشل والآن يتداول السياسيون مبادرته لعقد مثل هكذا مؤتمر وجوبه بالرفض وعدم الجدية حاله حال ورقة الإصلاح التي قدمها التحالف الوطني لغرض التسويف وإبعاد شبح سحب الثقة عن المالكي ونجحت به ومررته على الكتل بعد تراجع التيار الصدري الذي عودنا دائما على التنصل من قراراته واتفاقياته مع الكتل الأخرى وهي كثيرة أخرها أزمة سحب الثقة وهو اعترف بهذا وقال بان ضغوطا إيرانية حالت دون الاستمرار في قضية سحب الثقة من المالكي(اجتماعه مع قاسم سليماني والمالكي في طهران)،أما القائمة العراقية فعودة صالح المطلك الى اجتماعات رئاسة الوزراء ولقاءات اسامة النجيفي رئيس البرلمان مع المالكي أذابت الجليد بين الطرفين وجعلت اياد علاوي في موقف لا يحسد عليه، إذا هناك صفقات بين الكتل ،هناك تصعيدات بين الكتل ،هناك عدم ثقة مطلقة بين الكتل ،هناك مصالح شخصية وفئوية وحزبية بين الكتل،أدت الى تصعيد وانهيار الوضع الأمني والسياسي معا ،العراق يشهد حالة انتظار كبير للانهيار ألامني والسياسي ،سوف نهاية الحرب في سورية التي تشهد ثورة حقيقية ،تؤججها وتساندها وتدعمها دول إقليمية ودولية ،فالوضع في العراق مرتبط مصيريا في أحداث سورية وانعكاساتها عليه وعلى المنطقة برمتها،والصراع السياسي هنا هو جزء مكمل للصراع في سورية ،بل ونتيجة له ،لا يحتمل التأجيل مطلقا ،والأيام القليلة القادمة ستشهد على الأرض نتائج هذه الانهيارات،والتوتر الشديد ألامني والسياسي في نينوى والانبار وديالى وصلاح الدين إشارة البدء له،وما اجتثاث القضاة وغيرهم ،إلا بداية لهذا التوتر المنظم والمخطط له بدعم وإشراف جهات خارجية فرضت هيمنتها على القرار السياسي والعسكري العراقي،الانهيار الأكبر قادم في العراق إذا لم تسرع حكومة المالكي لملمة شتات الكتل المتصارعة معها لإنقاذ البلاد، من حرب أهلية طائفية طاحنة لا تبقي ولا تذر قبل أن يسقط النظام السوري ،وعندها لا يمكن التكهن بما سيحصل غير الله …والله يستر ويحفظ العراق……..