اندلعت التظاهرات العراقية، في الاول من تشرين الاول لعام 2019، في العاصمة بغداد وبقية مدن جنوب ووسط العراق؛ نتيجة لتردي الاوضاع المعيشية وانعدام او قلة فرص العمل، وتردي الخدمات بصورة عامة؛ والتي هي( التظاهرات) سرعان ما تحولت الى انتفاضة شعبية. هذه التظاهرات، أو الصحيح، الانتفاضة الشعبية؛ اتسعت، سواء بمشاركة عدد كبير من المدن بالجنوب وبالوسط، بالإضافة، او بزيادة وتطور مطالبها؛ من توفير الخدمات وفرص العمل وتحسين المستوى المعاشي، الى اسقاط حكومة عادل عبد المهدي، مرورا بتغيير وجوه العملية السياسية، الى تعديل الدستور؛ وانتخابات مبكرة، ومحاسبة قتلة المتظاهرين. في النهاية وبالضغط القوي والهائل والذي عم الشارع العراقي، وخوفا من تطور الاوضاع الى مستوى ووضع لا يمكن السيطرة عليه؛ اجبرت قوى العملية السياسية، حكومة السيد عادل عبد المهدي على الاستقالة. ترافق معها؛ وعود بمحاسبة قتلة المتظاهرين، وتعديل الدستور، وانتخابات مبكرة. بعد مخاض عسير، تمت الموافقة او المصادقة على السيد الكاظمي، من البرلمان بضغط امريكي ووضوء اخضر ايراني؛ ليشرف على تسيير المرحلة الانتقالية والتهيئة لأجراء انتخابات مبكرة، وتعديل فقرات من الدستور، ومحاسبة قتلة المتظاهرين، حسب لائحة المطالب التي ارتفع صوت المتظاهرين بها. وبالفعل تم اختيار السادس من حزيران، لهذا العام كموعد نهائي، لأجراء الانتخابات المبكرة، ومن ثم وفي وقت لاحق وعلى ما يظهر؛ بضغط من اقطاب العملية السياسية؛ تم تغيير الموعد الى تشرين الاول من هذا العام.. أما تغيير فقرات الدستور، بما يقود او يؤدي الى القضاء على المحاصصة الطائفية والتي اسس لها الدستور، او فقرات بعينها منه، والتي رعتها، أو حرصت على عدم تغييرها؛ قوى سياسية معروفة.( الحزبان الكردستانيان.. وربما اخرون) فقد تشكلت لجنة من البرلمان لتغيير هذه الفقرات وبعد اجتماعات تجاوزت ال 24اجتماعا، لم تتمكن من تغيير حتى لو مادة واحدة لفقرة واحدة منه. يقول خبراء القانون في الذي يخص دستور العراق الحالي؛ يعتبر من اكثر الدساتير في العالم جمودا، فهو دستور جامد وغير مرن، اي ان احداث اي تغيير فيه؛ من الصعوبة بمكان ان لن نقل وهو الحقيقة ان تغيير اي فقرة فيه، من الفقرات التي وكما اسلفنا القول فيها؛ تؤسس للمحاصصة الطائفية والعرقية والاثنية، امرا مستحيلا؛ فقد أُعِد بطريقة محكمة جدا، بحيث لا يمكن ان يتم تغير اي فقرة فيه، من تلك الفقرات، لا بالتوافق، وهنا هو بيت القصيد. التوافق في هذه الحالة، وبصورة كاملة، لا يحصل ابدا؛ لأنه ببساطة ووضوح؛ ضد المصالح الجيو سياسية، الأنية والمستقبلية، للقوى السياسية الكردستانية، سابقة الاشارة، وربما ايضا لغيرها. وفي هذا السياق، من الضرورة ان نشير؛ الى ان عملية تغير فقرات بذاتها من الدستور العراقي، لم تكن وليدة اليوم بل انها؛ وفي عام 2005، جرى تشكيل لجنة؛ لإعادة أو تغيير بعض هذه الفقرات وهي عينها، الفقرات سابقة الاشارة، لكن اللجنة لم تتمكن من تغيرها، وظل الوضع على ما هو عليه الى الآن. أن تغيير اي فقرة من فقرات الدستور، لا يمكن ان يمرر تحت قبة البرلمان او حتى باستفتاء شعبي، اذا رفضته ثلاث محافظات وبمعنى اخر ان ثلاث محافظات لها حق النقض، والمقصود الحصري، هي المحافظات الكردستانية في شمال العراق. ان الانتخابات المبكرة سواء تم اجراءها في تشرين الاول من هذا العام او تم بشكل او باخر؛ اجراءها في العام القادم اي في عام 2022وهو عام انتهاء الدورة البرلمانية الحالية، في ربيع العام المذكور؛ نعتقد ان ما سوف ينتج عنها، لن يغير تغيرا جديا وحاسما، (والمقصود بالتغيير الجدي والحاسم؛ هو اعادة الهيكلة. أما تقليص مساحة المحاصصة بقدر ما، وليس الغاءها وتخليص العراق منها.. فهذا امر وارد، ان جرت الانتخابات بنزاهة..) في المشهد السياسي العراقي، وبتوصيف اكثر دقة؛ لن تختفي الطائفية السياسية التي انتجت ولاتزال تنتج المحاصصة، في قواعد اللعبة السياسية في العراق؛ الا بتغيير هذه الفقرات التي تُلِزم عند تشكيل الحكومة ومهما كان، ما سوف تحصل عليه الكتلة او التحالف او الحزب من مقاعد في البرلمان، اي الاغلبية البسيطة، النصف زاد واحد، والذي يفتح لها الطريق لتشكيل الحكومة منفردة الا بتمثيل جميع ما اصطلح على تسميته (بالمكونات). وهنا تصطدم بترشيح رئيس الجمهورية من قبل البرلمان، والذي يحتاج الى ثلثي اعضاء البرلمان. في هذه الحالة تبدأ؛ المساومات والمقايضات؛ اضافة الى ان تمثيل (المكونات) تفرضه فرضا فقرات معينة في الدستور وهي التي اشرنا لها. في السنوات الاخيرة وحتى اثناء انتفاضة تشرين والى الآن، جرى الحديث، عن تحويل النظام في العراق من نظام برلماني الى نظام رئاسي او الى نظام شبه رئاسي اي نظام هجين؛ الرئيس ينتخب انتخابا مباشرا من قبل الشعب بينما رئيس الوزراء من قبل البرلمان المنتخب اصلا من قبل الشعب؛ لكن هذه الطروحات قوبلت بالرفض حتى قبل ان يتم طرحها بصورة رسمية، فقط كان التلويح بها او الاشارة لها؛ كاختيار ناجع ينهي الطائفية السياسية وبالتالي وبالنتيجة القضاء على المحاصصة التي ترسخت وتجذرت، من خلال العمليات القيصرية في تشكيل الحكومات السابقة. كانت الحجة في هذا الرفض؛ هو انها تؤسس لنظام دكتاتوري او بصورة اوضح الى دكتاتورية الطائفة، وهي، عند الفحص العميق والمتأني؛ حجة واهية جدا، ولا تمت بصلة الى الواقع على الارض، للأسباب التالية: – ان الترشح لمنصب الرئيس سوف لن يخضع أو لن يكون حكرا على طائفة بعينها او عرق بذاته بل سيكون الترشح متاحا للجميع وللشعب الاختيار..- بتراكم الممارسة؛ سوف تنتج كسيرورة؛ ثقافة ديمقراطية، تصنع الموقف والرأي وحسن الاختيار..- البرلمان في الحالتين، في النظام الرئاسي وفي النظام الهجين؛ سوف يتم انتخاب اعضاءه من قبل الشعب، ليكون لهم دور في الرقابة والتشريع وما يتصل بهما، كما ان رئيس الوزراء في النظام الهجين، له صلاحيات تنفيذية محدودة، يحدد حدود حركتها وسقوفها هذا النظام الهجين. عليه فان هذه الحجة لا رصيد واقعي لها، بل انها حجة الغاية منها هو بقاء الوضع على ما هو عليه، اي بقاء الامتيازات والمحاصصة والمغانم وما له علاقة بهذه الثلاث، مع التنازل عن بعضها بقدر وبنوع وحجم مقبول لأطراف (العملية السياسية)، ولا يأتي على شجرة الفساد وجذورها من الفاسدين والمفسدين. نعود الى الانتخابات المبكرة، التي من قناعتنا؛ لن تغير ما سبق وبيناه، من واقع (العملية السياسية) اي شيء، ربما بعض التنازلات والتلميعات اللتان لا تغيران، البنية والهيكلية الاساسيان، مع انها اي هذه التنازلات ان حدثت، مهمة للبناء عليها مستقبلا، كوسادة، لاحقا، ولو بعد حين؛ للتغيير الجذري. اذا نظرنا بعين الفحص الدقيق للمشهد السياسي؛ من (العملية السياسية) الى قواعد اللعبة السياسية بمرجعيتيها؛ الاقليمية والدولية، في الساحة العراقية؛ نلاحظ ان القوى والاحزاب والكتل السياسية هي نفسها، وان حاولت تغير مسمياتها او تأسيس احزاب وحركات وكتل؛ جميعها تم توليدها نقول توليدها، لأن ولادتها كانت ولم تزل بإرادة سياسية مقصودة؛ من رحم عين الاحزاب والكتل والتحالفات. أما الحديث عن كتل واحزاب وحركات خارج العملية السياسية، فهذا حديث يخالف الواقع الموضوعي بدرجة كبيرة جدا، ان لم نقل؛ لا وجود له في الواقع الذي يصنع التغيير او الاصلاح أو كما يسميه البعض؛ البيريسترويكا( أعادة الهيكلة) وهو وصف اقل ما يقال عنه؛ وصف اقحامي، لناحية عدم الوجود الواقعي له على الارض. في مقال سابق لنا، قلنا فيه؛ ان السيد الكاظمي يمسك عصا السلطة من الوسط بمعنى انه يحاول ارضاء الجميع، سواء عراقيا او اقليميا او دوليا. ان هذه السياسة وسط هذا الكم الهائل من التحديات المصيرية في فضاءات اقليمية ودولية مشحونة بالمتغيرات، والتحولات، والتي، ربما تكون دراماتيكية. فهناك الملف النووي الايراني، الذي شكل معضلة للإدارة الامريكية الحالية، التي تحاول الخروج بحلول وسط مع الجانب الايراني، يمهد الطريق لعودة الاولى اليه. بكل تأكيد سوف يتم الاتفاق في نهاية المطاف، وتعود امريكا للاتفاق. لكن، هل تتخلى امريكا عن بقية الشروط، منها؛ ان تتوقف ايران عن التحرك الحيوي، في المنطقة العربية؛ العراق واليمن وسوريا ولبنان، لأهمية هذه الدول، كمجال حيوي جغرافي؛ سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا؛ للاستراتيجية الكونية الامريكية في المنطقة العربية والعالم معا، الى ملف الصواريخ، بتركيز اقل الى درجة كبيرة، وهل تقبل ايران بفرض هذه الشروط عليها. الايرانيون ومن غير جدل سفسطائي؛ اذكياء في فن ادارة الازمات والصراعات، وهناك سوابق كثيرة في التعامل الايراني المرن والبراغماتي مع الجانب الامريكي حين يشتد وطيس الصراع بينهما اي يصل الى حافة الهاوية؛ لذا، سوف تقبل ايران كما امريكا، بالحل الوسط، حتى وهذا احتمال وارد جدا، من دون الاعلان عنه اي يجري تحت الطاولة، وبحدود لا تشكل تأثيرا فعالا لخططها المستقبلية اي خطط ايران، بإيجاد منطقة مشتركة تلتقي عندها مصالح الطرفين، الايراني والامريكي. ما يؤكد ما ذهبنا إليه؛ هو زيارة المندوبة الاممية في العراق لإيران لبحث ملف الانتخابات المبكرة في العراق. هذا يعني وفي جوهر ما يعني؛ ان ايران فاعل كلي التأثير والفاعلية في شؤون العراق، وفي صناعة الموقف والأجراء، وامريكا ايضا، ومن الباب الأخر وألاهم؛ لها ذات القناعة الراسخة في الدور الايراني في العراق. وفي سياق ذي صلة؛ هناك امران مهمان، يقتضي من المتابع للصراع الايراني الامريكي، استحضارهما عند قراءة مشهد اللعبة في ميدان الملعب؛ ايران تراهن على الزمن بانتظار ان تتغير البيئة السياسية في المنطقة وفي العالم، لجهة حدوث اختراقات كبرى وعميقة في التوازنات الدولية، بفعل تحركات القوى العظمى في الساحة الاقليمية والدولية؛ بإقامة كتل ومحاور، متوازية ومتقابلة ومتنافسة.. لذا، تحاول الابقاء على أمد الاتفاق النووي، وتعارض وبقوة عملية تمديده. أمريكا من جهتها تراهن ايضا على الزمن في احداث تغيير سياسي في ايران؛ يغير مداخيل ومخرجات الصراع في المنطقة العربية وما هو في جوارها، لذا، تسعى الى تمديد امد الاتفاق النووي. ان ملف العراق، والانتخابات المبكرة فيه، من ناحية، اجراءها ووقتها وما سوف تأتي به.. سوف يكون حاضرا في المفاوضات الايرانية، والامريكية والترويكا الاوربية؛ بتخليق منطقة مشتركة، ومتفق عليها؛ تحفظ مصالح جميع الاطراف كما اشرنا له قبل سطور.. في هذا الوضع يبرز دور العراقيون في اثبات وجودهم، بتقليص مساحة المحاصصة، قدر ما يسمح به الظرف الواقعي الذي فرضه هذا الدستور الجامد الذي يتحرك على قائمتين خشبيتين؛ سواء في حوارات غرف الابواب المغلقة، أو في طبيعة الانتخابات المبكرة او في وقت اجراءها او في نزاهتها أو في القوى التي سوف تشارك في الانتخابات، وتحديدا القوى التي تقف بالضد، نصا وروحا، فكرة وقولا وعملا، من المحاصصة، ولو انها لا تتعدى ربع اصابع اليدين ؛ بفحص برنامجها، ووسائل وادوات تنفيذه الموضوعية والواقعية، عند التصويت لها في صناديق الاقتراع؛ لأحداث تغييرا ولو قليلا يمكن البناء عليه مستقبلا..