18 ديسمبر، 2024 2:08 م

العراق القادم حمامة أم غراب؟

العراق القادم حمامة أم غراب؟

يقول عضو لجنة التعليم النيابية، رياض المسعودي، إن عدد الشهادات المزورة بحدود 40 ألفاً في العراق منذ 2003 وحتى اليوم.

ومنظمة التعليم العالمي، وهي منظمة دولية لها مقر في بغداد، تؤكد أن عدداً من الوزراء والنواب وأصحاب الدرجات الخاصة تم توظيفهم بشهادات مزورة صادرة من جامعات معروفة أو غير معروفة، وتمتّعوا بامتيازات هذه الشهادات، رغم الكشف عن بطلانها.

والشهادة لله، لم يعرف العراقيون مثل هذه المنقصة إلا في أيام الغزو الأمريكي ووريثِه الاحتلال الإيراني، فقط لا غير.

فمنذ أيام الحكم الملكي، 1921، لم يعرف العراقيون وزيرا أو نائبا أو سفيراً ثبُتت إدانته بتزوير شهادته ثم بقي مطلق السراح.

فقد كان مجلس الخدمة العامة اختراعا عبقرياً حفظ للناس حقوقهم في الوظائف والرواتب، بجَعلِه الشهادةَ الدراسية المدقَّقة المصدَّقة المؤكدة، وحدَها، مقياسَه الثابت الوحيد في التوظيف والصرف من الخدمة. ولم يكن الملك أو رئيس الوزراء  يتجاوز أحكامه الثابتة.

وحتى في عهود عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وأخيه عبد الرحمن كانت الشهادة المزورة عارا على حاملها ولا يُمكنه تمريرها على أحدٍ في الحكومة.

والاستثناءُ الوحيد، وفي نطاق ضيق، حدث في زمن صدام حسين الذي فضَّل الولاء على الكفاءة، في عدد من الحالات. وصدام نفسُه، مثلا، حصل في وقت متأخر على درجة جامعية عليا في القانون، كما حصل أخوه سبعاوي وولده عدي على الدكتوراه، مع التذكير بأنهم حصلوا عليها وهم أصحاب قوة وجبروت. 

ومهما اختلفت مقاييسنا ومواقفنا وتحليلاتُنا حول العهد الملكي فلا يختلف كثيرون حول حقيقة أن دولته كانت نصف علمانية، ونصف ديمقراطية، ونصف عصرية، ولكنها كانت تخطو خطواتٍ متأنية، ولكنْ مبصرة، نحو الأفضل، بهدف الحفاظ على روح التآلف والتلاحم في المجتمع، وتكريس سلطة القضاء، واحترام القانون، وتوفير أقصى ما يمكن من خدمات وإمكانات لتحديث الشخصية العراقية، رغم شحة الموارد المالية والإمكانات الفنية المتوفرة، أيامَها.

وقليلون منا يستطيعون أن ينكروا أن العراق، كان في ظل الملكية، مجتمعا معقولا يعيش فيه الجميع، بالتساوي، في أمن وأمان، وفي تجاورٍ حميد وقبولٍ واقعي إلزامي بالآخر إلى حدٍ بعيد،
والسبب هو أن الحكم آنذاك لم يكن مغتصبا من طائفة دون أخرى، أو دين دون آخر، أو حزب دون حزب، ولم يكن وزراؤه ونوابه وقُضاته ومدراءُ مؤسساته وسفراؤه جهلاء ومزوّري شهادات، ومهربين، وأصحاب سوابق.
ولكن الانقلابيين الذين جاؤوا بعده لم يحافظوا على الأسس التي تعب في إرسائها. ولو فعلوا  لكان الوطن العراقي عصيّاً على كل غزوٍ وعلى كل احتلال.

وبعد اغتيال الملك فيصل الثاني وقتل الزعيم عبد الكريم قاسم، واحتراق عبد السلام عارف، وطرد أحمد حسن البكر، وشنق صدام حسين، كان منتظرا أن يكون العراقيون قد وعوا هذه الدروس المدمِّرة، واقتنعوا بأن الأسلم والأكرم للجميع هو التعايش السلمي، وتقاسم السلطة، ومنع رجال الدين من التدخل في السياسة، وضمان الحريات، واحترام الدستور وسلطة القانون.ولكن الذي أثبتته الوقائع الدامية أنهم لم يريدوا ولا يريدون.      
والآن تعالوا نتفاهم. ماذا ينتظر الناس من أجيالٍ تربت على بلاوي الحروب والمؤامرات والانتفاضات والانقلابات العسكرية وحملات الانتقام التي كانت تحدث في أعقاب كل واحدٍ منها، من أيام المد الشيوعي 1959، إلى أيام المد البعثي 1963، فزمن عبد السلام عارف الطائفي، فأيام فدائيي صدام ومخابراته وتقارير البعثيين ضد البعثيين وحفلات الإعدام الجماعي المذاعة على شاشات التلفزيون، ثم حرب الثماني سنوات، فحرب الكويت، فالحصار، فالغزو الأمريكي، فالاحتلال الإيراني، ثم حكم السلاح المليشياوي وانتخابات شراء الصوت الواحد بنصف دجاجة أو خمس دولارات؟.    

ومن المؤكد أن من المولودين في خيم النازحين، أو معسكرات المهجَّرين، أو ساحات التدريب العسكري، أو المسيرات الدينية المتواصلة، بعد عشر سنوات، أو عشرين سنة من الآن، سيخرج رئيس الجمهورية القادم ورئيس الوزراء والوزراء والمدراء والسفراء ورؤساء الجامعات والمدرسون والقضاة والقادة العسكريون والأمنيون.

أما المتشائمون فيتوقعون أن يولد، على أيدي هؤلاء، وطنٌ، مثلُهم، فاسدٌ حاقد جاحد يأخذ أهله إلى أسفل سافلين.

وأما المتفائلون فيرون أن من المحتمل أن يَخرج الحيُّ من الميت، فيعودَ الوطن، على أيدي هؤلاء، صالحا طبخته النقمة والمعانات والعذابات المرة والخرافة وأخلاقُها ومعتقداتها، فيقلب الأسود أبيض، والأحمر أخصر، ويملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جورا، وينقل أهله من عصر ختان المرأة وقتل المرتد وإرضاع الكبير إلى عصر المركبات الفضائية السيارة التي تمتهن السياحة بين الكواكب والنجوم.

ربما!!.