لا ادري لماذ استخدمت تسمية «فرهود» وتداولها الناس في العراق، لوصف احداث السلب والنهب والعنف وانتزاع الملكية التي تعرض لها اليهود العراقيون ببغداد في الاول من حزيران 1941 بعد الفوضى التي اعقبت سقوط حكومة رشيد عالي الكيلاني، قبل ان تتمكن القوات البريطانية من السيطرة على العاصمة؟ إذ ليس في معاجم اللغة العربية مرادفا لها يعني ذلك. وكلمة فرهود (الجمع: فراهيد) تعني: ولد الوعل او ولد الاسد او الحادر الغليظ او ما شابه.
بدأت ملامح الفرهود الاكبر في العراق بعد عام 2003 عندما قامت مجاميع مسلحة بالتنسيق مع موظفين في دوائر التسجيل العقاري بالاستيلاء على عقارات وممتلكات ومنازل واراضي المواطنين.
ولم تقتصرعمليات السلب والنهب والنصب والاحتيال، على المجاميع المسلحة، بل ان مسؤولين في الدولة ومتنفذين في الساحة السياسية ومليشيات سائبة اظهرت خبرة ودراية كبيرة في عمليات الفساد المشرعن بالتجاوز والاستيلاء على عقارات العراقيين، ومنهم المهاجرين والمغتربين، وعلى ممتلكات رموز اللنظام السابق واركانه، شملت العمارات والمرافق الحكومية والبنايات التابعة للدولة، من خلال استغلال بعض القرارات الحكومية لجهة تسجيل ملكيتها، او استخدام وثائق مزورة في عمليات البيع والشراء وتغيير الملكية.
لقد اجبرت عائلات مسيحية على السفر الى خارج العراق وترك وطنها الاصلي، بعد ان تعرض المسيحيون الى سلسلة من الاستهدافات، حيث تم اتهامهم بالعمالة للمحتل الاميركي وفجرت كنائسهم. وكان القتل على الهوية نصيبهم، في عمليات اغتيالات استهدفتهم في وضح النهار، ما زرع الخوف والرعب في نفوسهم.
كما تعرضوا الى تهديدات وابتزازات وعمليات ترهيب للحيلولة دون رفع الشكاوى الى الجهات المختصة لإسترداد ممتلكاتهم، أو لإجبارهم على بيع منازلهم وعقاراتهم وبساتينهم واراضيهم باسعار بخسة، خاصة اللاجئين منهم او المهاجرين بعد حملات الارهاب الذي طالهم والاستهداف المقصود ضدهم في بغداد والموصل. وحسب مصدر رفيع في البطريركية الكلدانية ببغداد لكاتب المقال، ان هناك 40 قضية استيلاء على ملكية مسيحيين رفعها اصحابها الى الكنيسة من اجل متابعتها مع المسؤولين، واكثر من 350 عملية مناقلة بيع مزورة.
ان العديد من عمليات الاستحواذ على املاك المسيحيين حصل من جهات سياسية متنفذة، احيانا بعلم الحكومة، وان الاجراءات القضائية للحد من الفرهود المنظم خجولة لا ترقى الى مستوى الجريمة.
ولم تتخذ اجراءات صارمة بحق المتهمين او المتلاعبين بسندات الملكية. بينما تصدر، بين فينة واخرى، تصريحات من جهات حكومية وتطلق وعودا باتخاذ اجراءات صارمة بحق المتجاوزين، لكنها تبقى حبرا على ورق.
في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 اعلنت هيئة النزاهة استعادة ملكية عقار بمدينة الكاظمية استولى عليه مسؤول في الحكومة وسجله بإسم زوجته: “ان المتابعة المستمرة اسفرت عن اصدار محكمة إستئناف بغداد الكرح الاتتحادية قرارا بإعادة ملكية العقار البالغ مساحته 12.642 متر مربع من زوجة مسؤول كبير في الحكومة السابقة، وإعادة تسجيله بإسم أمانة بغداد بالمساحة نفسها”.
وعلى رغم ان المادة 23 من الدستور العراقي تؤكد على ان الملكية الخاصة مصونة لجميع العراقيين، وان فتاوى صدرت من المراجع الدينية حول تحريم الاستيلاء على اموال وممتلكات المسيحيين، وان مجلس القضاء الاعلى قد سن بعد عام 2003 قانون هيئة دعاوى الملكية رقم 13 لسنة 2010 لضمان حقوق المواطنين الذين انتزعت منهم عقاراتهم بصورة غير شرعية مؤكدا ان “العقارات المشمولة بالقانون تلك التي تم مصادرتها او المحجوزة او انتزعت ملكيتها لاسباب عرقية او دينية او خلافا للاجراءات القانونية.
بيد ان الجهات الحكومية لم تكن قادرة بالفعل على حماية ممتلكاتهم. وقد ادت الفوضى السياسية والوضع الامني غير المستقر في الاعوام الماضية الى اختلاق ذرائع وافتعال حرائق في دوائر الطابو، لجهة إخفاء الوثائق الصحيحة وتزوير المستمسكات الثبوتية الخاصة بملكية الافراد وتحويلها باسماء آخرين، خاصة في المناطق التي يتركز فيها الوجود المسيحي مثل كرادة مريم وبغداد الجديدة والجادرية والمنصور والحارثية وعقد النصارى وكمب سارة. وكانت أمانة بغداد اعلنت عن انشاء 300 منطقة في بغداد لوحدها بشكل غير قانوني من خلال التجاوز على اراضي الحكومة والمواطنين، وقدرت عدد ساكنيها بنحو مليونين ونصف مليون شخص.
كما قدرت قيمة عقارات الدولة التي استحوذ عليها الساسة المتنفذون في محيط المنطقة الخضراء وحدها، بنحو 150 بليون دينار. وقد استحوذ العديد من المسؤولين واعضاء في مجلس النواب على ممتلكات تعود الى ضباط كبار في الجيش العراقي السابق او اقاربهم، عبر تغيير سندات الملكية او الشراء بمبالغ رمزية.