7 فبراير، 2025 7:15 ص

العراق الضائع بين الإنتداب الإيراني والمشروع الأمريكي

العراق الضائع بين الإنتداب الإيراني والمشروع الأمريكي

في العاشر من مارس 2023 تم الإعلان عن إتفاق دبلوماسي للمصالحة السعودية – الإيرانية برعاية صينية وصدمة أمريكية.

لاقت تلك الخطوة ترحيباً عربياً وإقليمياً ودولياً، لكن النصيب الأكبر من الفرح كان للعراقيين على إعتبار إن الإتفاق تضمن في بعض بنوده مبدأ إحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية رغم إن الإلتزام الفعلي بهذا الإتفاق يعني إنقلاباً إستراتيجياً في سياسة إيران التي تقوم على مبدأ تصدير الثورة، لذلك ظل التشكيك قائماً بإلتزام طهران بهذا الإتفاق، حينها صرّح الناطق بأسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيري “سنرى إذا كان الإيرانيون سيحترمون من جانبهم هذا الإتفاق، فهذا ليس نظاماً يفي بكلامه عادة”.

ظلت سياسة الشيطنة الإيرانية تتوغل بنعومة في الدول التي تعيش تحت الإنتداب الإيراني وفي مقدمتها لبنان وسوريا والعراق واليمن.

بالنسبة للمشهد العراقي فقد ظل التدخل الإيراني في شؤونه الداخلية مستمراً ليس في السياسة فقط بل في كل المجالات، لم يتوقف بهجرة العمالة البسيطة، بل وصل الحال إلى إنتقال المصانع والمعامل الإيرانية إلى أرضه بحسب موقع “جيهان صنعت نيوز” وهو ما يشير إلى الرضوخ لإيران ليس سياسياً بل إقتصادياً ولو على حساب الإقتصاد العراقي المتدهور في بلد يعج بالشباب العاطل الذي يبحث عن فرصة عمل.

ظلت طهران تعتقد بأنها ستربح الجولة إذا ما وضعت العراق بأرضه وإقتصاده في فوهة المدفع ولتبقى متحصّنة من خلفه، ذلك التحصّن الذي بدأت تنكشف عورته خصوصاً مع قدوم رئيس أمريكي جديد يعرفه أهل الحكم من الإيرانيين والعراقيين في تجربة حكمه الأولى.

دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الجديد بولايته الثانية الذي يبدو أنه قرر أن يُخرج العراق من براثن إيران إقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، مما جعل المشهد السياسي العراقي يمر بحالة من التوتر والتأزم إنعكس ذلك في وجوه السياسيين العراقيين، والتخوّف من قادم الأيام على مستقبلهم السياسي.

يمكن الجزم أن خطوات ترامب قد بدأت تتضح معالمها على الإقتصاد العراقي الذي يعيش على بيع النفط من خلال النيّة إلى خفض سعر برميل النفط عالمياً وتصاعد التحذيرات من أن الحكومة العراقية لن تستطيع في الأشهر القادمة توفير رواتب للموظفين والمتقاعدين والشرائح الأخرى، على إعتبار إن إنخفاض سعر البرميل دولاراً واحداً يعني خسارة الموازنة مليار دولار، وهو مايجعل سيناريوهات العقوبات على العراق متعددة الأشكال بدءاً من الإقتصاد ومروراً بالسياسة، يضاف إلى ذلك ما يُشاع في دهاليز السياسة بأن السفارة الأمريكية لازالت خالية من سفيرها بعد مغادرة إلينا رومانوسكي وترك منصبها، وهو ما يُعزز فرضية القلق العراقي من ضعف التمثيل الدبلوماسي على مستوى القائم بالأعمال الحالي مع الولايات المتحدة الذي يُفسر بأنه برود في العلاقات بين البلدين، تزامن ذلك مع إعلان ترامب وقف كل المساعدات للمنظمات العالمية وبضمنها الحكومة العراقية، وهو ما جعل مستوى القلق يتصاعد لدى ساسة العراق.

كشف القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ووزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري عن شرط أمريكي لتحسين العلاقات مع بغداد، وأضاف زيباري في تغريدة على منصة x “إكس” إلغاء مذكرة إعتقال الرئيس السابق والرئيس المنتخب الحالي دونالد ترامب الصادرة من القضاء العراقي ومحكمة تحقيق الرصافة ببغداد في 7 يناير/كانون الثاني 2021 بعد إستهداف قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس بات مطلباً أمريكياً مُلحاً لعلاقة أفضل بين حكومة العراق وأمريكا الجديدة، وتساءل بالقول “هل ستتراجع الحكومة والقضاء عن القرار أم لا؟”.

سيناريوهات ترامب الإقتصادية التي تتضمن منع تجديد إستثناءات إستيراد الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء العراقية، وعقوبات على شركة سومو العراقية لإتهامها بتصدير النفط الإيراني، ومصارف عراقية لإشتراكها بتهريب الدولار إلى إيران كُشف من بينها مصرف الرافدين إضافة إلى ضربات متوقعة لأماكن تواجد الفصائل المسلحة وشخوصها قد تنفذها إسرائيل بديلاً عن أمريكا زاد من حالة الغموض في ماينوي ترامب فعله.

وكحل تعتقده الحكومة العراقية أنه سينقذها من الأزمة، يتلخص بتخفيض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار خصوصاً إن العراق سيصبح عاجز إقتصادياً عن الإلتزام فيما إذا إنخفض سعر البرميل إلى مادون 70 دولاراً، وهو مايعني بإنفجار شعبي وتظاهرات يراهن عليها الخارج كأحد السيناريوهات المتوقعة لتغيير المنظومة السياسية جراء وقوفها بالصف مع إيران.

كل ذلك المأزق الذي يعصف بالعراق ولازالت إيران تفرض عليه شروطاً إستفزازية للجانب الأمريكي، حيث لازال الموقف العراقي ضبابياً من مسألة نزع سلاح الفصائل خصوصاً بعد دعوات إيرانية للمحافظة عليه وزيادة أعداده.

يقول أحد السياسيين إن الإدارة الأمريكية الجديدة تعتبر العراق ضمن سياسة الإحتواء الإيرانية وإن إستقرار الوضع العراقي يعني إنهاء تلك الهيمنة بالكامل ويتطلب ذلك القضاء على مراكز القرار فيها.

مع إقتراب نهاية المُهلة التي أُعطيت للحكومة العراقية لنزع سلاح الفصائل والتي يبدو أنها تراهن على تلك “المُهلة” وعلى عامل المراوغة في النأي عن تلك الضربات، لكن فات هؤلاء إن العامل الدولي والإقليمي وفي مقدمتهم ترامب بات لايمنح الوقت الكافي لإلتقاط الأنفاس، أليس ترامب من قال “إن على حماس أن تُسلّم الرهائن الإسرائيليين قبل إستلامي للسلطة وإلا سأحرق الشرق الأوسط” وفعلاً تمت الصفقة.

إذاً لماذا تغامرون بحياة ومصير شعبكم، أليس من الأسلم أن يكون العراق أولاً ولاغيره، ليتهم يتعلمون الدرس.

أحدث المقالات

أحدث المقالات