لم تكن مصادفة ان يكون العراق ضحية التغير الذي انطلق من جدلية الولادة في حواضن العلة والمرض, بعد ان أسدل الستار على نظام الفكر الأحادي ونظرية القائد الأوحد ليكون العراق الديمقراطي هو النسخة السياسية القادمة من سرف الماكنة العسكرية الغربية وان تمظهرت بلباس امريكي بريطاني, فالأمر لم يكن مقتصرا في إطاحة صنم ونهاية جمهورية خاكية , بل ان تفاصيل السيناريو تتجاوز نقطة التغير غير انه يمكن القول انها جزء من برنامج متنوع الفقرات , متعدد المراسيم, ممتد عبر أكثر من دولة ونظام , من اجل رسم خارطة شرق أوسطية يستطيع من خلالها القطار الأمريكي الغربي ان يحصل من خلالها على أسباب البقاء وصلاحية الوجود المؤثر في الميزان العالمي, لذا فان القدر السياسي قد جعل العراق احد نقاط الارتكاز في حركة الصراع القطبي بين القوى العظمى, فأصبح العراق أرضا وشعبا وموردا ورقة رابحة على طاولة القمار السياسي العالمي, فأخرج العراق من احتلال داخلي وأدخل في متاهة “الرعاية الخارجية”, فكان البناء يجري في أروقة البيت السياسي العراقي ما بعد 2003 في تربة غير صالحة للبناء, وهو ما وضع العراق مستقبلا أسيرا ومأسورا بأزماته المتفاقمه وحوادثه المتلاحقة, بعد ان سقي العراق المشروب الديمقراطي كجرعة واحدة, مما انعكس تدهورا في الواقع الصحي السياسي للجسد العراق, فحقيقة ان العراق الان هو نتاج لمرحلة تأسيسة خاطئة , خضعت في فلسفتها الى نظرية الحزب والهوية والقومية, دون الاكتراث أو السعي إلى إصدار هوية وطنية تكون الإطار العام والضامن الواقعي لمرحلة التغير, فالعراق اليوم هو عراق المتقاسمين وليس عراق القسم والعهد والامانة الوطنية, فاغلب القوى السياسية التي تدور حول عروش السلطة تنطلق من منافذ حسابية ضيقة تنتهي في تسقيط الاخر والوصول الى الكرسي, دون الالتفات الى بناء عراق متعافى وطنيا ومستقل سياسيا , ولهذا نستطيع القول ان اغلب المتصارعين فيه انسلخوا من الجذر الوطني وباتوا دكاكين لاجندات سياسية خارجية, بعد ان وفرت لهم الإمدادات الخارجية فرص البقاء من خلال إخضاع العراق إلى جملة من الأزمات وفي مقدمتها النزاعات الطائفية وجعل المجتمع العراقي منقسم ما بين معسكرات أيدلوجية , في ظل إستراتيجية الفوضى المقصودة من اجل تقطيع الخارطة العراقية ومقاطعتها مع البيئة الخارجية الدولية.
ما يجري اليوم في العراق انهيار في البنى التحتية المؤسساتية اللازمة لقيام ابسط مقومات بناء الدولة, مع الاستهداف والمراهنة على الوقت في استهلاك العراق زمنيا لجعل طرق العودة بالعراق الى ناصية العافية صعب التحقق , متعسر التنفيذ, فقد ارهق العراق ماديا وسياسيا واجتماعيا , في ظل التوليفة السلطوية السياسية, فحكومة التوافقات السياسية والمحاصصة الوطنية وضعت العراق طافيا فوق الأزمات المستعصية, فضلا عن تجريد العراق من ادمغة الانتاج وتحويله الى بائع للبترول, وهو ما يسوق العراق مستقبلا الى عبودية الاجندات الخارجية, وكما هو معروف في الفقه السياسي ان من لايمتلك نظام اقتصاديا لايستطيع ارساء نظامه السياسي, من جانب اخر , ان ارساء القواعد والاركان الاساسية لابجديات الاشياء في منطلق اي شئ لابد من توافر الثلاية الانشائية,وهي العقل والارادة والمورد, في حين ان العراق عقلا وارادة وموردا متشظيا في دهاليز الصفقة السياسية التي لا تعني بالمفردة الوطنية, وبالتالي فأن التغير الديمقراطي في العراق لابد من ان يعود لقواعده الشكلية العامة , متمثلا ببرلمان يحلق بجناحي السلطة والمعارضة, من اجل اخراج وتخريج حكومة اغلبية سياسية خالية من تصارع الاضداد من اجل افشال الاخر في التركيبة السلطوية كما هو الحال اليوم في العراق , وكما هو مؤشر كيف امست دوائر العراق الرسمية واجهات حزبية تعتمد قطع الطريق امام الاخر وافشاله على حساب المصلحة العامةحتى “وأن غرقت بغداد”.
ما نريد ان نتوقف عنده في نهاية الحديث ان العراق مرهون البقاء والعودة بحكومة اغلبية والا خلاف ذلك ستكون صناديق الاقتراع تأشيرة مرور لانهيارات اكبر في الواقع العراقي, وأذا ما قفز الحاضر السياسي الى انتخابات 2014, فأن عقارب الوقت ربما ستتضع العراق في مقص التقطيع والتناحر .