تعيش المنظومة السياسية في العراق حالة من الإسترخاء واللامبالاة يدفعها شعور ببقائها الأبدي، غير مُبالية بالتحولات الكبرى التي بدأت تُعيد رسم الخارطة السياسية، وكأنها خارج اللعبة.
ذلك الغرور السياسي الذي يُبنى على وهم زائف وعدم الإعتراف بأن عنصر المفاجأة جزء من طبيعة العمل السياسي.
بات في حُكم المؤكد إن المنطقة برمتها ستكون مع أربع سنوات حافلة بالمتغيرات، بدأت بعملية الطوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/2023، وتستمر مع جلوس ترامب في البيت الأبيض، ويسود الإعتقاد في الأوساط السياسية أن الملف الأهم لترامب سيكون عراقياً، بعد أن أدرك الجمهوريون الخطأ الذي وقع به الديمقراطيين حين سلّموا العراق على طبق من ذهب لإيران، لذلك وكما يقولون إن الكتاب يُقرأ من عنوانه فقد إختار ترامب تشكيلة وزارية من شخصيات تُعرف بدعمها المطلق لإسرائيل وعدائها المُعلن لإيران.
أول الغيث للعراقيين هو مغادرة السفيرة الأمريكية في بغداد إلينا رومانوسكي لتحل محلها تريسي آن جاكوبسون التي تعهدت أمام الكونغرس الأمريكي بمحاربة إيران وقطع أذرعها في العراق بمواجهة علنية ومباشرة، في تحول جذري يمثل تغييراً في سياسة البيت الأبيض، عكس السياسة الناعمة التي كانت تنتهجها رومانوسكي.
أوضح تقرير نشره معهد “منتدى الشرق الأوسط الأمريكي” بعنوان “إذا غادر ترامب العراق، فسيكون ذلك هدية لإيران والصين، لأنه أمام الولاية الثانية لترامب فرصة إعادة تعديل السياسة التي إنتهجها جو بايدن والتي من بينها محاولة إسترضاء إيران، لتحل محلها سياسة الضغط الأقصى التي تجمع بين السياسة والإقتصاد”.
صورة الواقع السياسي العراقي تشبه سفينة تُبحر في بحر متلاطم الأمواج وعلى ظهرها أكثر من ربّان يريد القيادة، محصلتها غرق هذه السفينة بعد أن ضاعت بوصلتها.
في الوقت الذي يسعى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى تجنيب العراق ويلات الحرب ويبعده عن الصراع الإقليمي، بعد أن إكتسب تأييداً عربياً من خلال الجامعة العربية، يحاول تجديد ذلك التأييد من خلال الإتحاد الأوربي وكسب تأييد دولي لمنع قصف الأراضي العراقية من خلال زيارته إسبانيا، لكن بالمقابل تصاعدت أصوات من الفصائل العراقية من بينها حركة النجباء تحذر الحكومة من التواطئ مع العدو الإسرائيلي! وتؤكد إنها ستضحي بالنظام السياسي في العراق إذا تم تخييرها.
كل الإحتمالات تؤكد إن الإدارة الأمريكية الجديدة ستنضم إلى حليفتها إسرائيل في ضرب العراق وقد يكون موعد الضربة قريباً من تاريخ تنصيب ترامب في البيت الأبيض، خصوصاً مع الدلائل والوقائع التي أثبتت إن العراق يمتلك صواريخ تصل إلى مديات أكثر من 150كلم، متحدياً الشروط والإلتزام الدولي الذي ألزمه بوجوب أن لايمتلك صواريخ تبعد أكثر من ذلك المدى، تعتبرها الولايات المتحدة مخالفة للقانون الدولي قد تعيده للبند السابع.
الضربة الإسرائيلية القريبة للعراق والتي بدأت تُحشّد لها الفصائل من خلال التحشيد والتسليح، وإخلاء المواقع المهمة، وإختفاء قادتها.
يبدو أن سيناريو فصل الساحات وتشتيتها قد تم إقراره إسرائيلياً بعد أن أوصلت الفصائل رسالتها بإستمرار قصف الأهداف الإسرائيلية رغم إعلان الهدنة في لبنان، حيث منعت السفارة الأمريكية في بغداد من إرسال المساعدات جواً إلى لبنان دون المرور بنقطة تفتيش مقامة في الأردن، على إعتبار إن تلك المساعدات قد تتضمن مواداً ممنوعة تصل إلى حزب الله اللبناني من العراق، حسب صحيفة ذا كرايدل الأمريكية.
العراق الذي أصبح بين كماشة الفصائل المسلحة التي بدأت تُجهّز حشودها للمواجهة العسكرية، من خلال التدريب وإستقبال شحنات المسيّرات والصواريخ التي تأتي من إيران، وبين الضغط الأمريكي الذي بدأت عقوباته الإقتصادية وحتى العسكرية تلوح في الأفق، إضافة إلى ما يترتب عليه من تغييرات في النظام السياسي قد ترسم لهذا البلد بدايات أو نهايات لايمكن التنبؤ بها.