في ظل المشهد العراقي الجديد المليء بالمفاجئات الانتخابية والتي اسفرت عن تقدم قوائم انتخابية اسلامية جديدة متحالفة مع قوى مدنية غيرت من مفاهيم اللعبة السياسية التي كانت تختزل الايديولوجية العقائدية والحزبية امام تراجع قوائم لأحزاب كبيرة ساهمت في دورها في اختزال المشهد السياسي لعدة دورات ولها ثقلها وجماهيرها حيث من المفارقات والمفاجئات المثيرة للجدل ان قائمة النصر التي يتصدرها رئيس الوزراء “العبادي” لم تتصدر قائمته المركز الأول في اغلب محافظات العراق بإستثناء محافظة نينوى التي تصدر قائمتها وزير الدفاع الأسبق “خالد العبيدي” لصالح إئتلاف النصر،فمن الغريب ان احزاب السلطة الكبيرة الحاكمة والمسيطرة على القانون والمال والنفوذ والمؤسسات والإعلام لا يؤثر “وهج السلطة” على صندوق الاقتراع بقوة. هذه تجربة فريدة جداً وصادمة لدى الكثير من قيادات الاحزاب البارزة واهمها شخصية العبادي التي تراجعت قائمته في العديد من المدن المحررة إبان ذروة أمجاده كقائدا عام للقوات المسلحة وأهمها مدينة كركوك التي تمت استعادتها القوات الامنية من سيطرة الأكراد.
ماذا يعني خسارة “زعماء الشيعة والسنة السياسيون” وتراجع مكاسبهم في عقر دارهم !
ماذا تعني النتائج الكبيرة التي حققتها قائمة ذات رأس إسلامي شيعي (العبادي) في محافظة سنية كالموصل!
ماذا يعني خسارة المالكي لأكثر من ثلثي مقاعده!
ماذا يعني صعود الشيوعيين على قائمة يدعمها رجل دين شيعي!
ماذا تعني فتوى المرجعية “المجرب لايجرب ” وتاثيراتها على الناخب العراقي !
وما مدى تأثيرات المقاطعين للانتخابات على النتائج الاخيرة !
ان عوامل الإرهاصات والتجارب الخطيرة للعراقيين من جراء الانتخابات ووعود الأحزاب الكاذبة ووجوه السياسيين المتكررة طيلة فترة الدورات السابقة وظاهرة التجييش الطائفي والصراعات السياسية التي رافقت اجواء العملية السياسية المضطربة والتي أدت بالنهاية الى ضياع مقدرات العراق بسبب سوء ادارة السلطة والفساد المستشري والصراعات السياسية على السلطة مما جعل العراق يقع فريسة المغرضين والإرهابيين في خطر داعش وما تعرض له الشعب من تهجير واضطهاد وتدمير وسوء خدمات أدت تلك العوامل إلى زعزعة الثقة بين الناخب العراقي والمنتخب السياسي ادت الى عزوف اغلب المواطنين عن المشاركة في الانتخابات استنادا على خلفية قناعاتهم الشخصية ان لا امل من التغيير مادامت مخرجات العملية الانتخابية تتيح حسب قانونها سانت ليغو الى عودة تلك الوجوه المتكررة للمشهد السياسي بكل دورة انتخابية بواسطة ذلك القانون او لمجموعة قناعات متعددة اخرى اهمها ان العملية السياسية في العراق صناعة خارجية والدور الخارجي والإقليمي هو اللاعب الرئيسي في عملية توزيع ادوار العملية السياسية سواء بالانتخابات او التوافقات السياسية بمباركة امريكا ودول الجوار
اما على مستوى التغيير السياسي الداخلي في الأحزاب الإسلامية فقد حصل تقارب كبير بينها وبين بعض الأحزاب العلمانية والمدنية على المستوى السياسي وليس الأيديولوجي لقناعة تلك الاحزاب الاسلامية بضرورة الخروج من دائرة الاسلمة السياسية وسياسة التوافقات الطائفية والحزبية السياسية الضيقة واقامة تحالفات جديدة مع التيارات المدنية تحت شعار الإصلاح والوطنية ووفق رؤية موضوعية لبناء مؤسسات الدولة تعتمد على شخصيات تكنوقراط مستقلين بعيدا عن التاثيرات الحزبية والفئوية.
ان مستوى التراجع الملحوظ في نتائج الانتخابات الاخيرة لقادة الأحزاب السياسية على المستوى العام شهدت تراجعا منطقيا لتخييب امل الناخبين على كل المستويات طيلة فترة السنوات السابقة. فالمالكي الذي يعتبره الموصليون عدوهم الطائفي الأوحد يصوتون اليوم الى غريمه العبادي بقوة والذي ينظر اليه الشارع العراقي بأنه رجل السلم والاعتدال والوسطية لكنه رغم سياسته الاعتدالية ونجاحاته التي حققها في عصره في محاربة الإرهاب واستعادة مدن العراق الا انه لم يتمكن من مجابهة دواعش الفساد والسياسة ويراه البعض الاخر رجل مغلوب على امره وابتعد عن الخط الوطني بتحالفه مع قوائم واحزاب متورطة بقضايا الفساد السياسي والإداري اما على مستوى تراجع تحالف المالكي فالأمر مقبول جدا نتيجة الجدل السياسي والشعبي على خلفية هذه الشخصية التي حكمت العراق طيلة دورتين متتاليتين أسفرت نتائجها على عدم مقبولية هذه الشخصية لدى الكثير من الاوساط السياسية والشعبية نتيجة ما آلت إليه الأمور المأساوية ابان فترة بقاءه في السلطة.
ان التغيير الحاصل اليوم نتاج في تبدل مزاج الناخبين بالمجمل من “اليمين الشيعي” الى العقلانية الشيعية ومن اليمين السني الى العقلانية السنية ونزوعهم الى التغيير
ولم يكن لهذا “التغيير” ان يحصل لولا قناعتين مهمتين جداً، وهي قناعة المشاركين في الانتخابات وقناعة المقاطعين لها، فكلاهما ساهم مع الآخر في بلورة نتائج حصيلة الانتخابات . والتي ساهمت ايضا فتوى المرجعية في الحد من انتخاب الوجوه المجربة واتاحة الفرصة للاخرين من الشخصيات الوطنية المستقلة . وامام عزوف الكثير من الشعب العراقي ومقاطعتهم الانتخابات وامام نزعة جماهير التيار الصدري الحماسية في الانتخابات التي يعتبرونها بارقة الأمل الديمقراطية للتغيير والإصلاح وبعد معاناة طويلة من الصراعات السياسية والتظاهرات السلمية الغاضبة .
امام السيد مقتدى الصدر الآن فرصة عظيمة (وهو المتصدر في اغلب محافظات الوسط والجنوب ومعها بغداد) ان يرسم خارطة التحالف الجديد ما بعد النتائج الانتخابية ويقوم بتطبيق التزاماته في بناء “دولة مابعد الطائفية” والمحاصصة السياسية. من خلال “المجال المرن” الذي صنعه الرجل للعلمانية. العلمانية بمعناها الاجتماعي والسياسي المدني البحت وليس بمفهومها الأيديولوجي العقائدي. لبناء دولة المواطنة الحقيقية
وأمام العراق فرصة عظيمة اليوم ان يمارسوا حراكهم على المستوى الإجتماعي والسياسي كوسيلة ضغط مستمرة لاحداث عملية تغيير أكبر في المستقبل القريب.