عندما يقرر مجلس جامعة ستانفورد الحاصلة على 19 جائزة نوبل في مختلف العلوم ان الكلف المادية التي تفرضها مؤسسة إلسفير للنشر والتي تضم تحتها موقع إدارة البيانات المعروف سكوبس بإن القيمة العلمية للبحوث التي تنشر في الدوريات المنضوية تحت تصنيف سكوبس لا توازي المبالغ العالية التي تستحصلها دار النشر هذه من البحوث التي تنشرها، وعندما جامعات عريقة مثل جامعة كاليفورنيا وجامعة هارفارد وغيرها من الجامعات العريقة توجه انتقادات مماثلة لدار النشر هذه فإننا يجب ان نتوقف ونستكشف اصل الموضوع في ما يهم بلدنا العراق ويفيد الجامعات العراقية وما يهم بالتالي الاستاذ الجامعي وطلبة الدراسات العليا في هذه الجامعات خصوصا عندما نجد ان هناك تقاطع بين توجه الجامعات المذكورة اعلاه وخصوصا جامعة ستانفورد التي ذهبت الى خطوة ابعد عندما منعت التعامل مع دار النشر هذه في مجال نشر البحوث وفي مجال تقييم البحوث واي مجال آخر وبين التعليمات التي تصدرها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتي تقيد الباحث العراقي واساتذة الجامعات وطلبة الدراسات العليا بضرورة النشر في هذه الدار فيما إذا رغب الاستاذ الجامعي الحصول على تقييم عالي او ترقية علمية او كتاب شكر أو مكافئة مما اصبحت هذه التعليمات ملزمة في الجامعات ويتم تقييم حتى اداء الجامعات على هذا الاساس. في حقيقة الامر هناك مسألة غير واضحة في سياسة بعض القائمين في مجال البحث والتطوير في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في ظاهر هذة السياسة هي البحث عن ما يسمى بالرصانة العلمية في الجامعات العراقية والرصانة العلمية للباحثين العراقيين هو الدافع الاساسي الذي يجعل الوزارة تجبر الباحثين على النشر في دار نشر معينة فيما إذا أرادوا لبحوثهم المنشورة ان تعتمد من قبل الوزارة في الترقيات العلمية وفي رسائل الماجستير والدكتوراه..لكن علينا ان نتوقف عند هذه النقطة بالذات قبل ان نعتمدها او نرفضها منطلقين من دراسة موضوعية للحاله يغلب عليها الطابع العلمي البحت. في البداية نضع سؤالا امام الجهات المختصة في الجامعات العراقية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي يتمحور حول الكلف المالية التي يتحملها الباحث العراقي للنشر او الاستفادة من البحوث العلمية المنشورة ضمن دوريات دار النشر المذكورة أعلاه والكلف المالية التي تتحملها الجامعات والباحثين ووزارة التعليم العالي حول الانظمام الى ما يسمى بالمكتبة الافتراضية في دار النشر هذه ونسأل:
السؤال الأول: هل يوجد احصائية سنوية عن هذه المبالغ التي تحول إلى دار النشر السفير Elsevier بصورة مباشرة او غير مباشرة من قبل الباحثين والجامعات والوزارة؟
السؤال الثاني: هل هناك جهات في الوزارة تحصل على كومشنات من دار النشر عن مجمل المبالغ المحولة إليها من العراق؟
السؤال الثالث: هل الجهات المعنية في هذا الموضوع في الوزارة تبحث فعلا عن الرصانة العلمية؟
السؤال الرابع: هل الرصانة العلمية في العالم محددة فقط في النشر في هذه الدار فقط؟
نترك الأسئلة الثلاث الأولى للوزارة للإجابة عليها بالطريقة التي تقنع فيها الباحث العراقي، لكننا سوف نحاول الإجابة على السؤال الرابع بعد ان نورد الحقائق التالية والتي تؤكد ان قطعا سوف تكون الاجابة بالنفي وهذه الحقائق هي:
الحقيقة الاولى: في 27 من شهر شباط 2012 وضعت إستمارة تشبه التعهد على موقع cost of knowledge.com
ينص هذا التعهد على “عدم نشر البحوث او تقيمها أو المساهمة في هيئات تحرير الدوريات التي تنشرها دار النشر إلسفير “Elsevier” وقد وصل التوقيع على هذا التعهد من قبل الباحثين حول العالم إلى 51266 واحد وخمسون الف ومائتان وسته وستون موقع حتى الساعة العاشرة والنصف بتوقيت كرينتش من يوم الاثنين 27/1/2020 والرقم أصبح 51293 في الساعة التاسعة مساءا من نفس اليوم وهذا يعني ان الرقم يتزايد يوميا.
هل هذا الكم من الباحثين الموقعين على هذا التعهد حول العالم تنفصهم الرصانة العلمية؟ متروك الإجابة للوزارة.
الحقيقة الثانية: في فنلندا تم مقاطعة دار النشر إلسفير من قبل أكثر من 2800 عضو في جمعية الباحثين الفلنديين.
الحقيقة الثالثة: في الاول من كانون الثاني سنة 2017 في المانيا لا يوجد بصورة عامة اي معهد للبحث العلمي يتعامل مع دار النشر إلسفير. حيث اعلن مشروع “Projekt DAEL” DEAL والذي يضم اكثر من 60 من كبرى معاهد البحوث في المانيا مقاطعة التعامل مع هذه الدار. وفي شهر تموز من نفس العام انضم 13 معهد اخر في المانيا لهذه المقاطعة. وقد وصل العدد في شهر اب من نفس السنة الى 185 معهد الماني يقاطع دار النشر هذه وفي سنة 2018 انضمت اكثر من 200 جامعة المانية لهذه المقاطعة. في 19 كانون الاول سنة 2018 اعلنت جمعية ماكس بلانك العلمية “Max Planck socity” والتي تضم أكثر من 14000 عالم يشتغلون في اكثر من 84 معهد وينشر ما يقارب 12000 بحث في السنة إنها سوف لم تجدد عقدها مع دار النشر إلسفير الذي ينتهي في 31 كانون الاول 2018. فهل هذه المعاهد والجامعات الالمانية تنقصها الرصانة العلمية يا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
الحقيقة الرابعة: في هنغاريا قرر البرنامج الوطني للخدمة المعلوماتية الالكترونية في شهر آذار 2018 عدم تجديد عقده مع دار النشر إلسفير.
الحقيقة الخامسة: في النرويج وفي شهر آذار سنة 2019 قررت الحكومة النرويجية نيابة عن 44 من المعاهد والجامعات والكليات والمستشفيات مقاطعة دار النشر إلسفير.
الحقيقة السادسة: في كوريا الجنوبية وفي 2017 قررت اكثر من 77 مكتبة في الجامعات الكورية الجنوبية مقاطعة دار النشر إلسفير.
الحقيقة السابعة: في الشهر الخامس من سنة 2018 قررت الجامعات والمعاهد السويدية مقاطعة دار النشر إلسفير.
الحقيقة الثامنة: في تايوان حوالي 75% من الجامعات واكثر من 11 من كبرى المعاهد العلمية التايوانية قررت الانضمام إلى مقاطعة دار النشر إلسفير. وفي السابع من كانون الثاني 2016 قرر الاتحاد التايواني “CONCERT” والذي يضم اكثر من 140 معهد و جامعة علمية مقاطعة إلسفير.
الحقيقة التاسعة: في الولايات المتحدة وبالإضافة للجامعات المذكورة أعلاه انضمت جامعة فلوريدا للمقاطعة حيث الغت عقدا بقيمة 2 مليون دولار مع دار النشر هذه.
هذه بعض من الحقائق الدامغة والتي تعني في ما تعنيه إن الجامعات العالمية لا تبحث عن رصانتها العلمية من خلال دار نشر تحتكر العلم والمعرفة وتصنف على إنها العدو للعلم والعلماء فهي شركة ربحية بإمتياز مقرها في أمستردام/هولندا وهي جزء من مجموعة ريلكس وكانت تعرف حتى سنة 2015 بإسم ريد السفير، تحقق إيرادات سنوية تصل إلى أكثر من 4 مليار دولار حيث يكون صافي ارباحها السنوية أكثر من 700 مليون دولار امريكي ويشتغل فيها ما يقارب 7000 موظف يصدر عن دار النشر هذه مجموعة من الدوريات تصل إلى 2500 دورية وتنشر ما يقارب 470 الف بحث ويحتوي ارشيفها على ما يقارب 16 مليون بحث و ما يقارب 30 الف كتاب الكتروني مما يجعلها نموذجا للاحتكار التجاري في مجال توفير المصادر المعتمدة للبحث العلمي. كما انها تفرض رسوما عالية للحصول على البحوث او الكتب المتخصصة المنشورة من قبلها علما بإن هذا الكم من البحوث والارشيف الالكتروني لا يمثل سوى 16% ما ينشر عالميا من كتب وبحوث علمية خارج احتكار هذه الشركة.
الملفت للنظر إن تعليمات الترقيات العلمية الصادرة في العدد 4471 من جريدة الوقائع العراقية الصادرة في 27/11/2017 والتي اصبحت نافذة المفعول في 1/1/2018 في المادة 24 ثالثا والمادة 25 إلى اشارت إلى أربع قواعد بيانات معتمدة في الترقيات العلمية للبحوث المنشورة في الدوريات التي تخصها وهي
قاعدة بيانات سكوبس والمالك لها دار النشر موضوع مقالتنا هذه.
ثومسون رويتر تخلت عن قاعدة بياناتها إلى شبكة العلوم او المعرفة “web of science” في سنة 2016 قبل صدور التعليمات إي إن القائمين على التعليم العالي في العراق لا يعرفون ذلك وهذه مشكلة كبيرة ولا يوجد الآن قاعدة بيانات تحت إسم ثومسون رويتر.
قاعدة البيانات science لا توجد قاعدة بيانات تحت هذا الاسم إنما موجود هو قاعدة بيانات “science direct” وهذه ايضا مملوكة لدار النشر موضوع مقالتنا هذه.
قاعدة البيانات Nature هذه القاعدة لا تعتمد الكم ولا تغطي كافة التخصصات فمثلا عدد البحوث العراقية المدرجة ضمن قاعدة البيانات هذه للفترة من 1/11/2018 الى 31/10/2019 أي سنة كاملة هي 20 بحثا فقط موزعة على التخصصات 5 علوم الفيزياء و 9 في الكيمياء و 5 في علم الحياة و بحثا واحدا في علوم الارض.
ماذا نستنتج من ذلك ان مشرع هذه التعليمات أما كان لا يعلم إنه يقيد الاستاذ الجامعي بالنشر في دار نشر واحدة وهي لا يوجد لمثل هكذا تعليمات في جميع دول العالم تصدرها وزارة أو إنه كان قاصد هذا التوجيه ليس حبا بالرصانة العلمية وبكاء عليها ولكن لسبب آخر نجهله وقد يكون هذا السبب مغلف بشبهات فساد يستفاد منها بعض الاشخاص من خلال ما يسمى كومشنات تدفع من قبل دار النشر هذه في مكان ما داخل الأروقة المظلمة وبين هذا وذلك فإن الاستاذ الجامعي في العراق ضائع بين مطرقة الفساد ومستوعبات سكوبس وتحول الإستاذ الجامعي والجامعات العراقية إلى مجرد عبيد لهذه الدار التي تسمى إلسفير.
ملاحظة جميع الارقام التي ذكرت في هذه المقالة موثقة بمصادرها ونحتفظ بها.