22 ديسمبر، 2024 9:45 ص

العراق .. اسئلةٌ من وَسْطِ النار..!

العراق .. اسئلةٌ من وَسْطِ النار..!

سبق وأن  كتبنا وما كتبنا أنّ الأزمة المشتعلة في العراق هي ليست بخروج محافظتَي الموصل وصلاح الدين وسواها من الأقضية والمناطق الأخرى عن سيطرة الحكومة , كما أنّ المسألةَ لا تنتهي فيما لو استطاعت القوات العراقية من استرداد تلكما المحافظتين وغيرها من ايدي داعش والفصائل المسلحة الأخرى , فالموضوع هو اكبر من ذلك كما بدأَ يدركوه الكثيرون … وقد سبقَ للكاتب الصحفي ” محمد حسنين هيكل ” أنْ استبق النظر – قبلَ شهورٍ طوال – في استقرائه لأوضاع المنطقة العربية بذكره : – أنَّ هنالك عملية او اتفاقية ” سايكس _ بيكو ” جديدة يجري بموجبها اعادة رسم خارطة الوطن العربي واعادة تقسيم اقطاره , تلك الأتفاقية التي جرى التوقيع عليها في أيّار 1916 بين بريطانيا وفرنسا وبمباركة من روسيا القيصريه , وكما معروف فأنّ تلك الأتفاقية قد إتّخذت إسمها نسبةً الى أسمَي الدبلوماسيَين البريطاني والفرنسي اللذان توصّلا ووقّعا عليها , وكان اسم الدبلوماسي البريطاني ” السير مارك سايكس ” والفرنسي ” فرانسوا جورج بيكو ” .. ولعلَّ سائلٌ يسألُ هنا : – اين الدور الفرنسي الحالي لكي تعاد صياغة تلك الأتفاقية وفق تصوّرات ” هيكل ” ؟ فنقولُ له : > بغضّ النظر عن تولّي الولايات المتحدة الدور الرئيسي شبه المطلق في التحكّم بالشؤون الدولية ولا سيما المنطقة العربية , فعدا ذلك , فأنَّ السيد ” لوران فابيوس ” وزير الخارجية الفرنسي الحالي قد إتصل هاتفيا بالسيد مسعود البرزاني قبل ايامٍ قلائل لتهنئته وتأييده على انجازاته الأخيره ” اي سيطرة قوات البيشمركه على كركوك والمناطق المتنازع عيها , فضلاً عن ربط معدات النفط الحكومي العراقي بنفط كردستان .! < وعسى السائل ان يدرك ابعاد ذلك … وبعودةٍ خاطفةٍ اخرى لمعاهدة سايكس – بيكو, فنشير هنا: بأنّ تداخلات الوضع الدولي الراهن وتطوّر الأساليب الدبلوماسية الدولية الحديثة بالأضافةِ الى ما تشهده الساحة العربية من احداثٍ ازاحت عددا من الرؤساء العرب السابقين, فأنها توحي بالشروع الفعلي بتنفيذ تفاصيل هذه الأتفاقية الجديدة – وكأنها تحصيلُ حاصل – ولكن من دون الإعلان عنها كأتفاقية جديدة.!! كما انّ الأدارة الأمريكية ومعها بريطانيا الأفرنج تصوغُ عمليا هذه الأتفاقية نحو مزيدٍ من التشرذم العربي وتجزئةِ التجزئة ايضا . والى ذلك فأنّ ادقّ تصريحٍ توصيفي لما يجري في العراق والمنطقة , هو ما جاء على لسان الصحفي البريطاني العريق والمتخصص بشؤون الشرق الأوسط السيد ” روبرت فيسك ” مراسل صحيفة الأنديبيندنت بقوله : > انّ الشرق الأوسط القديم قد مات < , وقد ادلى ” فيسك ” بتصريحه هذا بعد ايامٍ قلائل على انفصال محافظة الموصل عن الحكومة العراقية , كما يعزز هذه الرؤية ايضا عددٌ من تصريحات السيد مسعود البرزاني التي تدعو الى التعامل مع واقعٍ جديد إنه وَوَسْطَ الغموض المبهم , وعبر الأحجيةِ التي يصعبُ فكَّ رموزها في الوقت الراهن , ومنْ بينِ السِنةِ النار التي تنهش بسيادة العراق وتكوينهِ الديموغرافي والسياسي , فثمة تساؤلاتٍ قد يصعب التعرّف على إجاباتها في هذا الظرف الحالي , ولكنّ هذا لا يمنع من التأمّلِ والتفكّرِ فيها , في محاولةٍ متشبّثه لرسمِ صورةٍ تخطيطيّةٍ ” على الأقل ” لما يجري …
:هل للأردن دورٌ ما في الأزمة العراقية الراهنة ؟ فالسؤالُ دوماً حقٌّ مشروع , وثمّ انه ليس اتّهاما لمملكة الأردن بالضلوع المبطّن في الأحداث الجارية او ما خلفها , إنما علائمُ استفهامٍ تستوقف المراقب للتأمّلِ فيها وفي أبعادها , إذ لاحظنا جميعا أنّ دول الجوار العراقي وغيرها اقليميا وحتى دوليا , في حالةِ إستنفارٍ نفسيّ وأمني تجاهَ مضاعفاتٍ محتملة الوقوع للنيران المشتعلة في العراق , وانّ تصريحات مسؤولي هذه الدول ووسائل إعلامها تعكسُ بعضاً او اكثر من هذا الأستنفار والحيطة , بينما نلاحظُ صمتاً اردنياً ملفتاً للنظر تجاه الأحداثِ في العراق , وخصوصا انّ محافظة الأنبار تمتدُ الى حدود الأردن , ومن دونِ ان نربط هذا الصمت السياسي بغيره , فقد سمعنا عبر بعض وسائل الإعلام ” وبعد ايامٍ قليلة من اندلاع المعارك في العراق ” أنّ داعش اعلنت عن افتتاحِ فرعٍ لها في الأردن .! واضافت داعش : بأنَّ هذا الفرع الجديد يتكوّن من 200 عنصر او عضو او مقاتل , وذَكَرتْ ايضا بأنها لاتنوي القيام بعمليات مناهضة للحكومة الأردنية هناك , وأنّ فرعها الجديد هو لأغراضٍ لوجستيه . وهنا , كان ملفتاً للنظرِ ايضا تبنّي الأردن للغة الصمت تجاه التصريح الداعشي .!! وفي هذا الوقت تحديدا , ومن دونِ تغطيةٍ اعلاميةٍ مفترضة , فأنّ الجنرال ” الفريق اول الركن ” – السير نيكولاس هارتن – رئيس هيئة الأركان البريطانية المشتركه ويرافقه وفدٌ من كبار قادة الأركان البريطانيين يتواجدون الآن في الأردن بعد اندلاع الأزمة في العراق , فماذا يا ترى يفعل هذا الجنرال في هذا التوقيتِ بالذات .؟ إنّه مجرّد تساؤلٍ عابر , وما اسهلَ من تبريرِ تسويغه او تسويغِ تبريره انه وعبر التأريخ , فأنَّ العراق كان مسرحاً للتنافس والصراع الأيراني – التركي , وخضع لأحتلالهما في ازمنةٍ متفاوتة , وكان لكلا الطرفين – بالطبع – حساباته واطماعه , واذ ملموسٌ اليوم مدى الإهتمام و الأنهماك الأيراني في هذه الأزمة العراقية , وعلى اكثرِ من صعيد , وتعكسُ تصريحات المسؤولين الأيرانيين ووسائل إعلامهم مديات ذلك , فأنَّ موقف الأتراك لا يزال مبهما ومن الصعوبةِ الإفتراض انه دورٌ محايد حول ما يُحاك للعراق , وهنا يبرز فشل الدبلوماسية العراقية في إقامة اتصالاتٍ مباشرة مع الجانب التركي ومحاولة التعرف على نواياه , فالأتراك لا يتقبّلون هذا النفوذ الأيراني في العراق , ولهم الدور التنفيذي الأساس في تصدير نفط كردستان عبر اراضيهم , كما انّ الأتفاق الخاص بين تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي حول ترحيل مقاتلي ” ب . ك . ك ” وهو رمز او مصطلح لمقاتلي حزب العمال الكردي في تركيا الى شمال العراق منذ عدة شهور فأنه أمرٌ له دلالاته وابعاده الستراتيجية المخفية , وعدا وجود قاعدة ” انجرليك ” الأمريكية في جنوب تركيا , فلعلَّ الدور التركيّ المفترض في ازمة العراق لم يحن توقيته بعد , فالأيام والأسابيع المقبلة حبلى بالأحداث , ولا تزال الدبلوماسية العراقية تفتقد الى الديناميكية المطلوبة والمُلحّه في هذا الظرف , ونجدها منهمكة في تبادل الأتهامات مع الغير ودون ان نشهد تحرّكاً ذاتياً فاعلاً للخارجية العراقية نحو دول الأقليم وغيرها ايضا , فالظرف والوقت ليسا للإعلام …