الأزمة الاخيرة ودخول الجنود الأتراك الى شمال العراق كشفت بعداً جديداً في واقعه السياسي على المستوى الداخلي والخارجي ، فما ان دخل الجنود الأتراك حتى تصارع سياسيوا في التصريحات ، وكلاً استغل الموقف من جبهته هو ، دون النظر الى مصلحة العراق العليا ، وظرورة تكاتف الجهود من اجل توحيد الخطاب وإيقاف هذا التدخل السافر في الشؤون الداخلية للبلاد ، لهذا نرى تصريحات الأتراك التي جاءت موحدة تماماً امام قادة العراق ، ولا اعرف كم قائد لدينا ، ليعبروا عن رفضهم سحب جنودهم والذين انتشروا قرب مدينة بعشيقة قرب مدينة الموصل ، ورغم المهلة التي حددها السيد وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري ، والذي جوبه برفض السفير التركي لقاءه ، وأجاب انه ينتظر تعليماته من السفارة الامريكية وهي من تعطي لنا الإذن بمقابلة من ؟!
القوات التركية المنتشرة قرب الموصل بتعداد يصل الى ٣٠٠ جندي تدعمهم ٢٠ دبابة جاءت لتبقى ، وليس بداعي التدريب او التبديل مع قوات تركية مرابطة هناك ، وان هذه القوات تلقت تعليماتها المباشرة من قائد القوات الامريكية في العراق ، والذي يجب ان نسلّم انه القوة الوحيدة على الارض التي لها سلطة القرار ، وهذا ما يثبت توقف المعارك ضد داعش ، وبقاء القوات الامنية والمتطوعين من الحشد الشعبي في حالة استنزاف خطيرة بانتظار الموت بالسيارات المفخخة او الهاونات او القناص ، ويؤكد الرواية التي تتحدث عن رفض الأمريكان دخول اي حشد شعبي الى مدن الانبار او الموصل (المدن السنية ) ، مما يعطي للمتابع ان المعركة بأسرها هي حرب مكونات وليست من اجل القضاء على ارهاب تفشى واستفحل واستطاع من مسك الارض ، وتوسيع دائرة انتشاره ، حتى باتت العاصمة بداد مهددة بهذا التهديد ، والمتابع المنصف يجد ان هناك ضغوطاً تُمارس على القيادات الامنية من اجل منع الدخول والتوغل الى أراضي الانبار والموصل من الحشد الشعبي ، وضرورة ان يكون السنة العرب هم من يحررون مناطقهم بأنفسهم ، وهذا الشي جيد ونحن نثني على من يقول بهذا الرأي ، ونتمنى ان يعود ابناء الجنود الى مدنهم سالمين بدل ان يكونوا وقود نار طائفية شعلتها منابر الحقد والفتنة ، وكانت سبباً مباشراً في استباحة الارض من إرهابيي داعش ، ولكن في نفس الوقت نتساءل هل سيكون القضاء نهائياً على داعش في الموصل والانبار ، ام سيتم تهريبهم او هروبهم ، والسؤال المهم الذي يطرح نفسه من هو داعش ، وممن يتكون هذا التنظيم الارهابي ؟!
الأتراك وبعد التدخل الروسي في سوريا ، وقلب الطاولة على مخططات توسع النفوذ التركي في المنطقة وجدوا انفسهم قد خسروا جميع أوراق سيطرتهم ، خصوصاً بعد تدمير القوافل الكبيرة من صهاريج النفط المهربة من داعش باتجاه تركيا والتي كانت تعود للحكومة التركية وبإشراف مباشر من اين اردوغان ، مما خلق جوا انتقامياً باتجاه الروس ، وكانت ردة الفعل الاولى هي ضرب الطائرة الروسية وإسقاطها ، وقتل احد الطيارين ، مما ولد حالة الارتباك في الجبهة التركية ، في سعيها الداعي لإيقاف الغارات الروسية على تجمعات داعش في الاراضي السورية .
الامر المهم هو التماهي الواضح للحكومة العراقية امام هذا الانتشار التركي ، وتعدد التصريحات والخطابات ، وبالتالي هذا التخبط يؤكد رواية ان هذه القوات موجودة بعلم الحكومة العراقية سواءً كانت حكومة السيد العبادي او حكومة المالكي ، والتي تؤكد التقارير ان هذا الانتشار كان بموافقة حكومة الاخير ، وعلم السفارة الامريكية وتعليماتها المباشرة ، وهذا ما يؤكده التغاظي المقصود من الحكومة التركية وعدم التعاطي بدبلوماسية عالية وتنسيق مباشر مع حكومة بغداد ، الامر الذي يجعلنا امام استغراب من المواقف المتذبذبة وغير الحاسمة من هذا الاجتياح الذي يدخل في خلط الأوراق ، ومحاولة جر المنطقة الى المواجهة المبكرة بين حلفاء واشنطن وروسيا .
يبقى على الجانب الامريكي الالتزام بتعهداته ، والاعتراف ان هذا التدخل هو بعلم السفارة الامريكية ، والذي جاء التاكيد على لسان وزير الخارجية التركي ، وضرورة الإعلان عّم موقفها الرسمي دون محاولة التغطية على دورها في جر العراق الى محورها وجعله خط مواجهة مع محور الممانعة المتمثل بروسيا وإيران ، كما يجب على الحكومة العراقية ان تقرا الواقع جيداً وتضع مصلحة الامن القومي للبلاد في سلّم أولوياتها ، دون النظر الى مصالح البيت الأبيض الذي لا يعرف سوى مصلحته ومصالحه بلاده ، سواء بالعراق او بغيره ، لان الحكومة الامريكية وهذي سياستها المتبعة منذ تأسيسها ، ابقاء الدول التي تخرج من سيطرتها تشتعل ، والشواهد كثيرة في هذا الصدد ، وضرورة ان يكون العراق راس الحربة في المواجهة المباشرة مع داعش دون النظر الى مصلحة الدول الإقليمية او الدولية ، والسعي وبكل قوة من اجل إنهاء تواجد جرذان داعش وطردهم خارج البلاد .