19 ديسمبر، 2024 12:38 ص

العراق : أزمة فرد أم أزمة حكم ؟

العراق : أزمة فرد أم أزمة حكم ؟

مقدمة
        الأزمة التي نمر فيها اليوم، هي نتيجة عجز السلطة القائمة واعتمادها على مبدأ المحاصصة الطائفية والاثنية، وهذا المبدأ لم ينجح في معالجة جل المشاكل التي باتت سمة واضحة في مشهدنا السياسي، ويوم بعد يوم تتسع وتتعمق المشاكل لتتحول إلى أزمة نظام حكم. الأسباب التي أدت إلى ذلك، هي، وباختصار “غياب الرؤى والاستراتيجيات القريبة والبعيدة، والخلل الكبير في تطبيق مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب، وما يترتب على ذلك من استبعاد للعناصر الكفوءة والمخلصة والوطنية، اضافة الى تفشي الفساد والبيروقراطية والترهل في أجهزة الدولة ومؤسساتها وأجهزتها الإدارية” كذلك “غياب إرادة العمل المشترك، وتقلص فضاءات التعاون والعمل الجماعي، وتنامي مظاهر الفردية، وتداخل الصلاحيات ……” وخلال ذلك هناك بالتأكيد “تقزيم الديمقراطية والتعامل الانتقائي مع الدستور”.
أزمة فرد أم أزم حكم ؟
         بعد آن فشل مشروع سحب الثقة من رئيس الوزراء، جاءتنا تظاهرات الغربية تطالب هذه الأيام “برحيل” المالكي، بالاضافة إلى الشعارات “جذاب نوري المالكي، العميل، الإيراني” . كذلك التظاهرات المؤيدة لرئيس الوزراء رفعت شعاراً تصفه بـــ”مختار العصر”. ما سر هذا التركيز على شخص المالكي لا المؤسسة ؟
        في مقاله بعد أزمة سحب الثقة من رئيس الوزراء، يوضح لنا الباحث فالح عبد الجبار سر التركيز على الشخص لا على المؤسسة، يقول جبار “في عقول الزعماء والقادة، الجدد والقدامى، كما في مخيلة العموم، تتمحور المشكلة في أشخاص، في شخص المالكي، مثلما تمحورت قبله في شخص إبراهيم الجعفري. ما الذي يمكن إن يتغير إن حل سين أو صاد محل عين أو كاف. ما سر هذا التركيز على الشخص لا المؤسسة؟ الجواب جد بسيط، ومقلق في آن، فهو اعتبار الدولة مجسدة في فرد، وهو نوع من التماهي خبرناه في الماضي مع المثقفين العرب ناهيك عن العامة يوم كان الاعتراض على الرئيس المخلوع صدام حسين، يعد اعتراضا، بل اعتداء على الدولة العراقية ذاتها”.(1)
       “لا الدولة العراقية ستفنى برحيل المالكي، ولا اختلال نظامها سيزول بمجيء غيره. معضلة الدولة هي غياب المؤسسات، وغياب الضوابط والقيود التي تلجم أي نفور، أيا كان سببه. فالديمقراطية لا تقوم بوجود زعيم ليبرالي، بل تقوم رغما عن رئيس مستبد”ويمضي جبار قائلاً “الحمية المتقدة لإخراج المالكي، والحمية الأكبر عند مريديه، لإبقائه، تفتقر، على جهتي التصارع، إلى أي دليل ينبئ بوجود وعي بالاختلال المؤسساتي”.(2)
       الــ”نحن” ضد نهج المالكي، وننتقد مواقفه وتصرفاته مع شركائه، وتعامله على الاستحواذ والإقصاء، إلى هنا متفقين تماماً. لكن يجب أن نعترف بان شركاءه لو كانوا في مكان المالكي لفعلوا ما يفعله المالكي الان وأكثر. بديل المالكي هم مالكيون أيضاً في الثقافة السياسية والنهج الذي تعلموه في الخمسينيات والستينيات. أقصد الثقافة الإيديولوجية التي كانت سائدة. أي أنهم نتاج ماض أيديولوجي لا يعترف بالآخر ولا يؤمن باللون المختلف، قادة وحكام تربوا على أولوية “الحزب، العقيدة، الفكر” على “الوطن والمواطنة”، قادة وحكام مثل هؤلاء نستطيع أن نسميهم “بالطراز القديم” وهم عائق أمام مفاهيم جديدة “الدولة المدنية، الديمقراطية، الحداثة، الحقوق، الحرية، العدالة الاجتماعية، المساواة”، وان كانت هذه المفاهيم تأخذ المكان الأوسع في بيانات “الطراز القديم” فهي غطاء نفعي وبرغماتي هدفه الوصول إلى المكاسب والمغانم والكعكة . “هو” و”هم” ليس لديهم التزام ديني أو مذهبي بل مواقف انتهازية لا أكثر للحصول على شعبية ليكونوا قادرين على الوصول إلى السلطة. جميع فريق “الطراز القديم” يعمل ويعيش في مستوى من “الفكر السياسي” البائس الذي لا يتلائم مع المرحلة . الجميع يسير على الصراط المستقيم ، صراط التطاحن والتنافس ( سراً) للخلاص من بعضهما البعض والانفراد بالسلطة
     من ينتقد المالكي “على عيني وراسي”، ولكن من الخطأ أن نجسد الدولة في فرد، والتركيز على الشخص لا على المؤسسة .الكثير من منتقدين “دولة القانون” يستثنون ( العراقية، التيار الصدري، التحالف الكردستاني ) . أي استثناءات هذه ؟!!
       والقائمة العراقية لديها نائب رئيس الوزراء ورئاسة البرلمان وأربعة وزراء، والتيار الصدري لديه خمسة وزراء، والكردستاني لديه رئاسة الجمهورية وخمسة وزراء .ما معناه هو أن الجميع يشبه الجميع، المالكي يصف المتظاهرين بالفقاعات وهم يصفوه “بالكاذب” و “الحقير”و”الإيراني”، جماهير المالكي يقولون عنه “مختار العصر”، وجماهير المعسكر الثاني يطبلون للقائمة العراقية . ألازمة هي أزمة حكم، أزمة نظام طائفي، أزمة عقل سياسي يعمل على مبدأ “لو ألعب لو أخرب الملعب”، نحن لسنا بحاجة إلى بديل عن المالكي، ولسنا بحاجة للمالكي.
نحن بحاجة إلى سلطة لا تعتمد على قاعدة المحاصصة الطائفية في معالجة المشاكل والأزمات ، ولإيجاد رؤى واستراتيجيات، وإلى شخصيات “تكنوقراط”، ومحاربة الفساد والبيروقراطية والترهل في أجهزة الدولة ومؤسساتها وأجهزتها الإدارية. نحن بحاجة إلى الإيمان بالعمال المشترك، واتساع فضاءات العمل الجماعي، ومحاربة المظاهر الفردية .
سؤال :
1 – ما معنى أن يهتف المعسكر الاول مرة بـــ “كل الزين أحمد” يقصدون أحمد أبو ريشة،وأحمد العلواني . ومرة يهتفون “جذاب نوري المالكي؟
2- ما معنى ان يرفع المعسكر الثاني شعار”مختار العصر”، ويرفعوا صور قادة المعسكر الاخر ويكتبون تحتها “أرهابي” أو يضربوها بــ”أكس أحمر”؟
1- ( المالكي والآخرون ) مقاله للباحث فالح عبد الجبار، نشرت في جريدة الحياة .
2-  نفس المصدر.