قبل أكثر من 15 عاما حضرت حفلة سياسية – اجتماعية لتجمع عراقي في مدينة سويدية تضم جالية عراقية كبيرة نسبيا تقدر بالآلاف فيما كان عدد الحضور بأحسن الأحوال لا يتجاوز أكثر من 70 شخصا،ومن خلال فقرات الحفل التقليدية والمعتادة والمتكررة عرفت أسماء وشخصيات هذا التجمع من الرئيس إلى عريف الحفل ، شاعر الحفل ، منضد الكراسي ،وجوه الصفوف الأمامية ، موزع المشروبات إلى أخره من المسئوليات التي يتطلبها نادي لا يتجاوز عدد أعضاءه أكثر من خمسين شخصا كما أخبرني أحدهم ، فاستعراض حالة هذه الأندية والتجمعات يكتشف المرء بسهولة عزلتها عن الجالية العراقية بشكل كبير ، فأغلبها قائم على أسس بعيدة عن ( العراقية الجامعة ) بل تقوم على النقيض عبر القومية والطائفية والتبعية لهذا الحزب أو ذالك وبهذا تعكس صورة تشرذم حالة أمّة دخلت عصر الانحطاط الواضح والمعروف … من يتصور أن حالة العراقي في الخارج في موقفه من الوطنية العراقية ورفض الفساد وحب الزعامة ووضع الطائفة أو الحزب أو القائد فوق الإنسان والوطن والسماء أفضل حالا فهو على وهم كبير …فنحن في نفس المكان وخصوصا عبر ابتعادنا عن تطلعات أولادنا وأكلّنا لطعم امتداداتنا السياسية الفاشلة هناك حيث العبث بالوطن والثروة والأرض وآفاق التقدم والتصالح مع الدنيا بشكل فاجر وجنوني…!
بعد هذا الزمن الطويل وفي مجتمع ديناميكي مثل السويد حيث تبدل فيها الحكام والشوارع وقادة الأحزاب والوزراء والمدراء والمؤسسات وحتى كادر محلات الأكلات السريعة ولأكثر من ثلاث مرات في الحد الأدنى والكل يعرف ذلك وليس بصدد ذكر الأمثلة على هذا فهي بديهية ويعرفها حتى الموتى في هذا البلد البهي الذي يشع بحضارته وقوانينه وسلوك قادته على كل الدنيا كمصدر للإلهام والتجربة في إقامة دول حديثة ومتطورة …حضرت ثانية نفس الفعالية لنفس التجمع ومع احترامي للجميع لم أجد سوى مفارقة بائسة تنم عن واقع حالنا المرير والغريب ألا وهو وجود نفس الرئيس وعريف الحفل والبواب ورجال الصفوف الثلاثة الذين ترى في البعض منهم نظرات الإزراء والكراهية لأنك تحدثت أو مسست يوما ما مقدسهم العفن ، الصفوف الأمامية أصبحت برؤوس أكثر بياضا وبغياب بعض الوجوه حيث ودعت أمانتها للرب ..لم أرى أي وجوه جديدة تواصل مسيرة نادي مفترض له الاستمرارية فلا شباب جدد ولا هيئة جديدة ولا دروس في الديمقراطية والتحضر حتى في أبسط المستويات وفي نادي فقير يعيش على مساعدات دافعي الضرائب هنا ..!
كيف نريد أن نعلم أولادنا نزعة الحرية والتصالح مع البيئة المتغيرة التي يعيشون فيها ..لهذا هجروا هكذا تجمعات ومعها هجروا بؤس تنظيرات الآباء ..؟
كيف نريد من رجالات السلطة في العراق أن يتخلوا عن كراسي دسمة حيث المال والجاه وإدهاش حياة السلطة الرخية ..!؟
في السويد المتحركة والموارة بالمتغيرات اليومية نحن هنا أيضا نغرف من نفس السكون والأفكار الغاربة وكراهية الجديد والحداثة والتناغم مع الشعوب في طريقها نحو المجد والتجدد والمشاركة الإنسانية في صنع مبادئ الحضارة واحترام تفاصيل وقوانين بناء أمّة ووطن له القدرة على البقاء والمساهمة في الإرث الإنساني المشترك ..كل ذلك الغريب والشاذ هو الذي حطم بلدنا وأخرجه من أفق الحياة والتقدم …!
المهم الممارسة وأن نُفيق من وهم الخلود الزائف وما عداها مجرد سفسطات أكلتها الأيام…!
الأهم أن نراجع عقولنا التي صحرتها الوقائع وشغف الناس بالمضي قدما نحو الأفضل..!
كراسي نادي بائس يا ناس إلى هذا الحد مغرية سؤال موجه إلى مجتمع محب للسلطة حتى ولو على ماخور أو عربة زبالة، أو حظيرة ماعز اما تحويلها إلى قمع فهو يعتمد على توفر الإمكانيات وفرص الاقتدار في تلك الأدوات التي تجعل من تحطيم عظام الناس ورزقهم وحقهم بالعيش أمرا ممكنا ، انه الانتقام وافتراس الفرص حتى ولو كانت تافهة ومعها الخوف من الآخر واحتقار عقل الإنسان وقدراته في الخلق والإبداع والتطور …!؟؟
كاتب وسياسي – السويد
[email protected]