تعارف بعض الناس على التخطيط للمقالب القوّية والهزيلة وبثّ الكِذْبات المتنوّعة في الأوّل من نيسان/ أبريل من كلّ عام تماشيا مع العرف السائد في غالبيّة دول العالم فيما يُعرف بكِذْبة نيسان، أو (سَمَكَةُ أَبريل)!
وكان المجتمع العراقيّ في مراحل سابقة مِن بين المجتمعات الكارهة للكذب والتحايل والغشّ والخداع والتزوير والتلاعب اللفظيّ، ولكنّ هذه الأخلاق (السوداء) بدأت تدبّ في حياة العراقيّين شيئا فشيئا، ووصلت لمراحل سامّة صارت معها كِذبة نيسان مجرّد مزحة خفيفة!
وقد عَرف المجتمع العراقيّ كِذْبة نيسان قبل العام 2003 وكانت في الغالب عبارة عن مقالب (ثقيلة وقاسية) بين المعارف والأصدقاء سعيا منهم لكسر طوق الروتين والهموم المُركّبة التي تلفّ حياتهم!
وقد امتازت تلك الكِذبات بثقل الدم بل والصدمة الكبيرة كونها تحمل أخبارا مُخيفة وصادمة، ومنها قولهم: إنّ والدك توفّي بعد أن صدمته سيارة قبل قليل، أو إنّ بيتكم احترق، أو إنّ والدتك في الطوارئ وغيرها من المقالب المزعجة وكأنّ الواقع المُرعب المُعاش انعكس على عموم الفكر المجتمعيّ حينها، وصارت (الكِذْبات البيضاء السخيفة) جزءًا من حياة الناس ومنها كِذبة نيسان!
واستمرّت الكِذْبات المجتمعيّة بعد العام 2003 بنمط مختلف، وغالبه العامّ ينصبّ على الجانب السياسيّ!
وقد سمعنا في الأوّل من نيسان/ أبريل 2023 خبرا صادما نشرته وكالة محلّيّة على مواقع التواصل مفاده أنّ رجلا ربط زوجته على صاروخ كاتيوشا بعد شجارهما على الميراث، وأنّ القوّات الأمنيّة تدخلت في اللحظة الأخيرة وأنقذت الزوجة!
وانتشر الخبر انتشار النار في الهشيم، وبعد ساعات تبيّن أنّها مُجرّد كِذْبة لا أساس لها على أرض الواقع!
وبعيدا عن هذه الكِذْبة وغيرها، فإنّ العراقيّين عاشوا منذ العام 2003 في كِذبات (نيسانيّة حقيقيّة) لم تتوقّف حتّى اللحظة، ولقد ساهمت الكِذبات السياسيّة المُتستّرة بالطائفيّة الدينيّة وغيرها في زيادة الخراب المجتمعيّ وهشاشة العلاقات الإنسانيّة!
وهكذا أصبحت مئات الحوادث الغريبة، الحقيقيّة والمزيّفة، جزءًا من الأخبار الكاذبة في الحياة العراقيّة في نيسان وغيره وكأنّ صناعة الكذب دخلت بقوّة في عموم حياة الناس ومواقع التواصل وحتّى بعض القنوات الفضائيّة والصحف!
وبعيدا عن (الكِذْبات النيسانيّة الثقيلة) فقد كانت هنالك (كِذْبات حقيقيّة قاتلة) قلبت حياة العراقيّين، ويمكن القول إنّ كِذْبة وزير الخارجيّة الأمريكيّ الأسبق كولن باول والمتعلّقة بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل كانت الكِذْبة القاتلة الأكبر!
وكذلك تُعدّ الديمقراطيّة الوهميّة من أبشع الكِذْبات التي سقطت على رؤوس العراقيّين، وضيّعت وشائج الترابط بينهم!
ومِن بين أقبح الكِذبات كِذبة أنّ مُدن العراق ستكون أجمل من لندن وباريس، وأنّ العراقيّ سيتمكّن من لفّ العالم بجواز سفره المُميّز!
ومِن بين الكِذبات المستمرّة كِذْبة بناء الأمن والدولة، ومكافحة الإرهاب، وحقوق الإنسان، والعمران، وحرّيّة التعبير، والعدالة، والمساواة، والعَفْو العامّ، والشراكة والتوافق السياسيّ، والتعافي الاقتصاديّ وضبط الأسواق، ونشر السعادة بينما الحقيقة تؤكّد ضياع الأمان وسحق هيبة الدولة، وزراعة الإرهاب، وتقزيم الكرامة الإنسانيّة، وتنامي الخراب، وتكميم الأفواه، وتفشي الظلم، والتمايز الطائفيّ والعنصريّ، واستمرار الظلم، والفرديّة والتناحر الحزبيّ، والركود الاقتصاديّ وفوضى الأسواق واستشراء التعاسة وغيرها من الصور المتضاربة التي تؤكّد استمرار الكِذْبات في عموم الميادين العراقيّة!
وقد وصلنا لمراحل لا يمكن تصديق ما يحدث فيها، وقد سمعت من مسؤول كبير أنّ مديرا لمديريّة جرائم محافظة (محدّدة) كان يؤجّر سيّارات الشرطة (الرسميّة) بالساعة وبمبالغ ضخمة لعصابات الاختطاف، والشرطة تعتقل المواطنين الأبرياء وتسلّمهم للخاطفين!
وهذا الكلام موثّق بالفيديو لدى مخابرات المحافظة وفقا لكلام مدير مخابرات المدينة!
فهل يُعقل هذا الإجرام؟
وسط هذه الكِذْبات (المزيّفة والحقيقيّة) يكثر الجدل هذه الأيّام حول قانون العفو العامّ عن السجناء العراقيّين، وهم، في الغالب، أبرياء!
وهنالك اليوم مؤشّرات لتناحر داخل تحالف إدارة الدولة الذي شَكّل الحكومة، ربّما، سيدفع (نوّاب السُّنّة) لمقاطعة البرلمان وحكومة محمد شياع السوداني، إن لم يقرّ البرلمان قانون العَفْو العامّ وعودة المهجرين لمناطقهم وبالأخصّ منطقة جرف الصخر والواقعة ضمن ولاية الحشد الشعبيّ، وبالذات بعد وعود بعض زعماء السُّنّة لجماهيرهم بتنفيذ هذه (المنجزات)!
محاولات بعض الزعامات (الشيعيّة) التنصّل من تطبيق اتّفاق تحالف الدولة، وخصوصا بعد تصريح وزير العمل أحمد الأسدي، الأربعاء الماضي، بأنّه ” لا يوجد عَفْو عامّ” قد يجعل العراق أمام مرحلة خطيرة ستقود إلى سيناريوهات معقّدة ربّما أقلّها التقسيم وتشظي الدولة!
فهل سنرى مصداقيّة برلمانيّة لإقرار قانون العَفْو العامّ أم هي مجرّد وعود سياسيّة (كاذبة)؟
إنّ الخطابات الخياليّة والوعود الصوريّة المليئة بمشاريع البناء والحرّيّة والحياة الكريمة والاستقرار وتوفير فرص العمل المُزيّفة قصمت ظهر الدولة وكسرت روابط التعايش والأمل!
لقد أثبتت التجارب السياسيّة أنّ الكذب لا يبني الإنسان، ولا يُعمّر الدولة، ولا يُصلح الأرض، ولا يزرع الثقة، ولا يأتي بخير للوطن والناس!
لنتعلّم أنّ النجاة في الصدق والهلاك في الكذب، ولنمتلك الجرأة لمكاشفة الناس بأنّ العمليّة السياسيّة فشلت في بناء البيت العراقيّ!
فمتى سنتعلّم الصدق والشفافيّة في إدارة الدولة؟
dr_jasemj67@
نقلا عن صحيفة عربي 21