راهن المتشائمون على ” صمت القبور” في العراق و توهم القابعون في المنطقة الخضراء أنهم عن المسائلة لمحجوبون، فوقع الطرفان في خطأ سوء التقدير، حيث قال العراقي كلمة الصبر الأخيرة برفض الفساد و المحاصصة ليعلن العودة الى سلطة القانون وآخوة العراقيين، ما يؤسس لمرحلة جديدة من التعاطي السياسي و القضائي الخالية من العروش العاجية، ضمن دولة مدنية خالية من نفوذ الأحزاب الدينية، التي أثقلت كاهل العراقيين بطروحات التفرقة على اساس اختلاف في المذاهب، بينما يحتاج العراقيون الى المزيد من اللحمة مع تعدد أشكال التدخل الخارجي.
لقد أفشل العراقيون مخطط ترهيب النفوس و تعويم الحلول بافتعال اعداء وهميين و أزمات سياسية منقولة حرفيا من تجارب حكومات ديكتاتورية ، وذلك عبر احتجاجات سلمية تحت راية الدولة العراقية، ما زرع المخاوف في نفوس الكثير من السياسيين بوصفه جرس انذار داخل شارع انتخابي توهموا انقياده الأعمى، لذلك يحاولون جر الاحتجاجات الى غير مسارها السلمي لتسهيل قمعها، مراهنين مرة أخرى على تقديرات في غير محلها بعد أن ضاق العراقيون ذرعا بالمهاترات السياسية، ودولة المكونات على اسس غير متعارف عليها عراقيا.
المتظاهرون لا يطالبون بالمستحيل كي تضيق بوجههم عقول السياسيين، انهم يريدون الاصلاح و محاربة الفساد من رجال يعلنون ليل نهار التزامهم بشرع الله، بينما يطالهم السحت من كل جانب، وهو ما عبر عنه موقف مرجعية النجف الداعي بصوت مسموع الى الاصلاح الحقيقي و احالة الفاسدين الى القضاء، ما يعني أن رياح التغيير قد هبت ولن يوقفها زحف المدرعات أو غيرها فالأمس القريب كان شاهدا على أحداث لم تكن في الحسبان من ليبيا الى مصر مرورا بتونس و اليمن، والعراق لن يكون في منأى عن ذلك، لأن مطالب الشعوب متشابهة.
الأن وقد تجلت الأمور بين غضب الشارع على سياسييه وخوفهم من الملاحقات القضائية لم يعد أمام رئيس الوزراء من طريق ثالث غير العودة الى الدولة المدنية و نزع العباءة الدينية في الحكم، والمضي بالاصلاحات بعيدا عن فكرة الاقصاء للشركاء أو قبول سحب تفويض الشارع لخطواته، و الفرق كبير بين رضا المواطنين و غضبهم، ما يتطلب جرأة في التصرف و أن لا تأخذ العبادي في الحق لومة لائم ، مؤيد كان أم معارض، فالقضية تتعلق بمستقبل شعب و خيرات بلد و هيبة مؤسسات حكومية تسرب الوهن الى مفاصلها بسبب السحت الحرام، في مفارقة عراقية غير مسبوقة تحولت فيها الرشوة الى وجاهة اجتماعية، بينما كانت حتى الأمس القريب عار و مهانة!!
دعوة لرئيس الوزراء أن يصنع التاريخ باقصر الطرق و أن يكون عراقي الهوى في مواصلة قرار الاصلاح حتى النهاية ليكون شاهدا على مرحلة مفصلية من تاريخ العراق تساق فيها رؤوس الفساد الى القضاء و تنحر فيها دعوات الفتنة و التطرف،
لينهض العراق من جديد، وليس هناك من مهمة يتشرف بها صاحبها أكثر من المحافظة على وحدة الشعب و سيادة البلاد، فهل يتحمل العبادي المسؤولية أمام الله و الشعب .. هذا ما يتفائل به المحبون للعراق الواحد المستقر، أما غيرهم فلن يكون لهم مكانا في مستقبل العراق و ذاكرة شعبه، وأول الغيث يبدأ بسخط الشارع عليهم اليوم!!