19 ديسمبر، 2024 12:10 ص

العراقيون ومنظومة السرطان الإداري!

العراقيون ومنظومة السرطان الإداري!

مشروع إعادة إعمار العراق ليس حلماً بعيد المنال، وهو من المشاريع الممكنة التطبيق لأننا نتحدث عن بلد غني بموارده وإمكانياته البشرية، ولهذا فإن هذا المشروع يمكن تطبيقه بسهولة حينما تتوفر الإدارة النزيهة القادرة على ترتيب أوراق البلاد – الأمنية والإدارية، والاقتصادية- المبعثرة.
في بداية شباط/ فبراير 2018، أكد وزير التخطيط العراقي سلمان الجميلي حاجة العراق إلى” (88.2) مليار دولار لإعادة إعمار المناطق التي تم استرجاعها من تنظيم (داعش)، وإلى (22) مليار دولار بصورة عاجلة، وأن المبلغ سيكون لتوفير مساعدات عاجلة للسكان العائدين إلى مناطقهم الأصلية، وتجهيز بلدات أخرى تمهيداً لعودة سكانها”.
وسبق لرئيس صندوق إعمار العراق، مصطفى الهيتي أن حدد ” تكلفة إعمار المناطق المتضررة بـ( 150) مليار دولار”.
هذه التصريحات كانت في الفترة التي كان معدل أسعار النفط فيها بين (42-45) دولاراً للبرميل، واليوم تجاوز النفط عتبة الـ(74) دولاراً للبرميل، وهذا يعني- وبحسب بعض المختصين- أن هذا الارتفاع في الأسعار سيدعم موازنة العراق، حيث سبق للحكومة العراقية أن قدرت سعر برميل النفط الواحد في موازنة العام الجاري بنحو (46) دولارًا، وارتفاع أسعار النفط سيسهم في تحقيق فائض في موازنة الدولة يقدر بأكثر من (30) مليار دولار.
وبهذا نلحظ أن فرق الموازنة كافي جداً لترتيب الأوضاع العامة للمدن المدمرة، وهذا ما لم يحدث حتى الآن!
وقبل أربعة أيام أعلن البنك المركزي العراقي إعداده مطابقة للإيرادات الأجنبية للعراق للسنوات 2005- 2017، أكد فيها أن “مبلغ إجمالي مقبوضات وزارة المالية من العملة الأجنبية خلال السنوات 2005-2017 قد بلغ (706.23) مليار دولار أميركي، وبلغ مقدار ما أنفق منها (703.11) مليار دولار، أي ما نسبته (99.5%) من حجم الإيراد الكلي، والمتبقي – كما في نهاية عام 2017- نُقل إلى رصيد افتتاحي لحساب وزارة المالية في بداية العام الحالي 2018، وهذه المبالغ توزعت على وزارة المالية، والاستيراد، وتسديد مستحقات مقاولين عقود الخدمة النفطية، والمدفوعات العسكرية”.
ومع هذا الإنفاق الحكومي المذهل ألا يحق للمواطن العراقي أن يعرف: أين هي آثار أكثر من (700) ألف مليار دولار على الواقع العراقي، في بيئة تعاني من خراب شبه تام في منظومة الخدمات العامة، والطاقة الكهربائية، والمياه الصالحة للشرب، والخدمات الصحية، وغير ذلك من الواجبات الإلزامية على الدولة؟
وفي منتصف آب/ أغسطس 2015، أكد وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي، “أن موازنات العراق منذ العام 2003 وحتى العام 2015 بلغت (850) مليار دولار، وأن الفساد أفقد البلاد (450) مليار دولار”!
وفي نهاية تموز/ يوليو 2016، قال النائب عادل نوري عضو في لجنة النزاهة النيابية، إن ” نحو (1000) مليار دولار هُدرت بسبب الفساد في العراق بعد العام 2003″!
والعجيب أننا – ومع هذه الأرقام الدقيقة والثابتة والكاشفة لحجم الفساد والخراب في عموم الدولة العراقية- وحينما نحاول الاستفسار من أيّ مسؤول عراقي: أين ذهبت هذه الأموال؟
سيكون رده الرسمي والقانوني – بحسب وجهة نظره- هذه المبالغ صُرفت بوصولات رسمية على دوائر الدولة المختلفة، ونحن سنقبل بهذا الرد، لكن بالمقابل أليس من حقنا أن نتساءل: أين آثار هذه الأموال على أرض الواقع- وإن كانت قد صُرفت في دوائر الدولة، كما يقول البنك والحكومات المتعاقبة- فلماذا خرج الآلاف من أبناء مدن الجنوب الآمنة وبغداد، وهم غاضبون بسبب عدم قدرة الحكومة على توفير ابسط الخدمات؟
الحقيقة الصادمة، أن غالبية السياسيين حينما يصعدون إلى مناصبهم يركلون السلم وراءهم، وكأنهم وصلوا إلى مكان الغنيمة، وحينها تبدأ مرحلة الثراء الشخصي والعائلي، وأظن أن هذه حقيقة لا يمكن نكرانها لأنها من الواقع السياسي العراقي!
العراقيون يجب أن يحاربوا روح الفساد وجذوره، ويكافحوا كافة أسبابه المباشرة وغير المباشرة، وبكل الوسائل القانونية والسلمية المتاحة لإيقاف نمو منظومة السرطان الإداري الآكلة لخيرات البلاد والمواطنين، وحينها يمكن – وخلال خمس سنوات- أن يجعلوا العراق شبيهاً بأروع دول المنطقة، وبخلاف ذلك سيبقى الحال كما هو ولو كانت موازنات العراق أكثر من ألف مليار شهرياً!
متى نعي أن الخلل في الحالة العراقية يتمثل في إدارة البلاد، وليس في الإمكانيات المادية والبشرية؟