18 ديسمبر، 2024 4:00 م

العراقيون والمصريون وموقعهم على خريطة المتغيرات

العراقيون والمصريون وموقعهم على خريطة المتغيرات

مازلت انظر من نافذة غير تفاؤلية حيال التطورات وتغيير الزوايا في المنطقة وتحديدا علاقة المشرق العربي مع كل من تركيا وايران .
ولايزال اعتقادي في محله بان هذه التطورات في العلاقات بين بعض الدول هي نتاج الانحسار الاميركي وحالة الضعف التي تطغى على البيت الابيض في ظل الادارة الديمقراطية بالاضافة الى التصارع بين بقية القوى الدولية.
هذه التطورات تعطي انطباعا بان عناصر قوة جديدة ذاتية وبديلة برزت في هذه المنطقة..لكن القراءة الاستراتيجية لهذا المتغير تبين ان حقيقة ما حصل هو نتيجة لمتغير في معادلة القوة العالمية ولاسيما اختلال دور القطبية الاميركية الاحادية والذي ينعكس بصورة جلية على الازمات ليس في هذه المنطقة فحسب ، ايضا في بؤر عديدة في العالم وبالاخص في العالم الثالث .
وفي غضون اسابيع ، وفجأة وبدفعة واحدة ، طرا تحول في الموقف العدائي التركي تجاه سورية ، حيث بدأ الاتراك يتحدثون عن امكانية عقد لقاء قمة بين الرئيسين بشار الاسد ورجب طيب اردوغان بعد لقاءات عند مستويات ادنى بين مسؤولين من كلا البلدين .
على المسار السعودي الايراني ، ازالت السلطات المحلية في العاصمة طهران لافتة باسم رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر الذي اعدم قبل اعوام في السعودية وعلى اثره اندلعت احتجاجات في ايران بلغت ذروتها باقتحام المحتجين مبنى السفارة السعودية في العاصمة طهران وقنصلية المملكة في مدينة مشهد شمال شرق ايران.
وواضح ان التغيرات التنازلية في مركز النفوذ الاميركي على مستوى العالم كانت له ظلاله على الاتحاد الاوروبي الذي يخضع للتاثير الاميركي بحكم حالة التبعية القائمة منذ الحرب العالمية الثانية حيث تأثر مركز القوة الاوروبي هو الاخر بالاختلال الاميركي وازداد ضعفا مع تفاقم تبعات الحرب الجارية بين روسيا واوكرنيا.
فالقوى الكبرى ( اميركا ، الصين ، روسيا ، الاتحاد الاوروبي ) يضعف دورها وتأثيرها بسبب انشغالها بالصراعات .
الاطراف المحلية ومنهم الاتراك الاسلاميون فهم يمرون في ذروة ضعفهم وكذلك السعوديون الذين انهزموا في اغلب ملفاتهم الحيوية ، فيما تعرضت ايران الاسلامية الى هزة قوية بعد الاحتجاجات الاخيرة .
ولهذا فان هذه التحولات في العلاقات والمواقف لا تحمل عناصر الثبات وسوف تتبدل مرة اخرى بحكم عوامل عديدة من بينها، عودة الضغوط الاميركية وايضا اذا ما استعادت الدول المتهادنة والمتصالحة ، زمام القوة الذاتية وصارت قادرة على العودة الى ميدان التنافس على النفوذ والمصالح .
وهناك عامل اخر لايبدو ظاهرا على مسرح المتغيرات الا وهو العامل العراقي المصري .
واعتقد ان مصر والعراق من اكبر الخاسرين على خريطة المتغيرات وذلك بحكم اهمية البلدين لما يشكلانه من عامل توازن على طول مسار التطورات السياسية في المنطقة العربية .
فالتقاربات الجديدة من شانها ان تقلل من الدور المصري المستفيد من التوتر بين ضفتي الخليج . الى جانب حالة التنافر التأريخية بين تركيا ومصر حول منطقة شرق المتوسط .
العراق من جهته ، يمر بحالة ضعف مركب منذ عام 1991 ، واقصد بالمركب هو ضعف دوره وتاثيره الخارجي وضعف تكوينه الداخلي ولم يخرج من هذه المطحنة الثنائية على الرغم من تغيير النظام بعد عام 2003 .
وفي تقديري ان الدول المتهادنة والمتصالحة ستؤثر سلبا بصورة مباشرة وغير مباشرة على دور كل من القاهرة وبغداد ، وهذا التاثير يتأتى من فكرة ( ممرات العبور ) وهي فكره طرحها ريتشارد هاس احد كبار منظري السياسة الخارجية في ادارة جورج بوش الاب ( 1989-1993) والذي صنف بعض البلدان الرئيسية في العالم على انها ممرات لعبور المصالح .
فعلى سبيل المثال تحدث هاس عن باكستان باعتبارها ممرا مقابل الهند التي تعتبر مستقرا في استراتيجيات المصالح .
وبقي ان نعرف هل ستحذو العراق ومصر حذو باكستان في ردها على تحجيم الدور الاقليمي ؟
القادة الباكستانيون وفي مختلف المحاور رفضوا لعب دور الممر ، وانشأوا بنجاح عناصر قوة ذاتية استخدموها في التأثير على الولايات المتحدة وعلى منافسيهم الاقليميين .
فالاستخبارات العسكرية الباكستانية كانت تعلم بخطط اسامة بن لادن لشن هجمات سبتمبر ولم تعلم واشنطن بذلك . وكلما كانت الكفة الاميركية تنحاز الى الهند كان الباكستانيون يشعلون خطوط النار عبر اذرعهم في افغانستان .
وليس واضحا كيف سيكون رد الفعل العراقي المصري ، ولكني اعتقد ان ثمة فرصة كبيرة امام البلدين لمواجهة التهميش والتضعيف الاستراتجي وذلك باللجوء الى بناء شبكة القوةالذاتية على ان تكون نقطة البداية باجراء مصالحة شاملة مع الداخل والبدء برص الصفوف ومنها تنطلق عملية بناء اذرع التأثير الخارجي .