ليس غريباً أن ينشغل العالم بأسره في إنتخابات الرئاسة الأمريكية، ليس من باب الفضول لمعرفة شخصية الجالس الجديد في البيت الابيض، بل التوجهات السياسية والعسكرية وحتى الإقتصادية للحاكم الجديد في الدولة العظمى وكيفية إدارته لملفات الأزمات حول العالم، والأهم العلاقة المستقبلية التي سيقررها ذلك الجديد مع النُخب الحاكمة في أرجاء المعمورة.
في بلدنا “المُتخم ديمقراطياً” لا تُفوّت نُخبه السياسية فرصة الإنقسام على صراع ينقسم بين طائفة “بايدينية” وأخرى “ترامبية” في لعبة ديمقراطية يتم التسابق إليها في أمريكا وتفتقدها تلك النُخب في وطنها المنهوب.
في واقع يعكس حالة ضياع وفوضى وغياب الفهم الإستراتيجي للدولة لصالح الطوائف والأحزاب والزعامات.
لايقتصر فوز بايدن أو ترامب في إنتخابات الرئاسة الأمريكية على المنطقة الجغرافية لبلداننا بل يتعدى ذلك إلى الكيان الصهيوني وتحديداً جناحه اليميني المتطرف الذي لازال ممتناً لترامب حين سجل أهدافاً كبيرة لصالح إسرائيل كان منها نقل السفارة الأمريكية في تل أبيب إلى القدس والإعتراف بالجولان كأرض إسرائيلية، ولاينسى العالم كيف إنسحبت أمريكا في عهد ترامب من الإتفاق النووي مع إيران وإستبدلته بمزيد من العقوبات على طهران.
صحيح إن طهران ترزح تحت العقوبات منذ عام 1979 رغم تعاقب الحزبين الرئيسيين على الحكم في واشنطن، بل قد يكون من الخطأ أن نعتقد إن الديمقراطيين هم “المُنقذ” للإيرانيين رغم أن باراك أوباما رفع عن كاهل الإقتصاد الإيراني القليل من الحمل بالإتفاق النووي، لذلك ليس غريباً أن تبحث أجنحة سياسية في إيران فوزاً ديمقراطياً يعيدها إلى الجلوس على مفاوضات الإتفاق النووي أو إتفاق جديد يجعلها تتنفس من جديد.
في ظل هذا الصراع الذي بالتأكيد ستصل شرارته إلى الجغرافية العراقية التي إنقسم المتصارعين إلى صراع عبثي في الإنحياز لطرف دون آخر لأسباب مصلحية أو نفعية أو مصالح غبية لاتحمل من علم السياسة شيئاً.
النُخب الحاكمة في العراق تدرك سوداوية فترة حكم ترامب وصعوبة التعامل معه، فالرجل لم يعترف بمنظومة سياسية حاكمة في العراق أو شيء إسمه “السيادة” حسب تعبيرهم بدليل أنه إغتال وعلى الأرض العراقية قرب مطار بغداد الدولي أبرز القادة للفصائل المسلحة من العراقيين والإيرانيين هما قاسم سليماني و أبو مهدي المهندس.
وربما تتذكر النُخب العراقية الحاكمة حكايات ترامب معهم حين زار الرجل ومعه سيدة أمريكا الأولى في عام 2018 وفي زمن حكومة عادل عبد المهدي قاعدة عين الأسد في الأنبار غربي العراق لتفقد الجنود الأمريكيين القابعين في القاعدة لتهنئتهم بأعياد الميلاد وكأنه لايعترف بسيادة هذا البلد أو هو صاحب هذه الأرض.
زيارة ترامب السرية إلى العراق وعدم لقائه في حينها رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي كانت صفعة للحكومة العراقية عندما إعتبرتها إنتهاكاً للسيادة العراقية.
المخدوعون من العراقيين الذين يؤيدون هذا الطرف أو ذاك ينسون أو يتناسون أن بلدهم تعرض لحصار إقتصادي قاتل وصل العظم حين قُتل الأطفال الخُدّج بحاضناتهم في عهد جمهوري ثم أكمل حصارهم عهد ديمقراطي وزاد عليه بضربات جوية خاطفة وتبعه جمهوري آخر ليُجهز على آخر ما تبقّى من الدولة العراقية بإحتلال صارخ انهى بلد إسمه العراق وقتل وشرد الملايين وسلّم البلاد وثرواتها لمجموعة أفاقين ولصوص عاثوا فساداً في البلاد والعباد في حروب طائفية وقتل وتشريد.
يعتقد بعض العراقيين بوجود “المُنقذ” الذي سيُخلصهم من تكالب الدول عليهم وسرقة ثرواتهم وبلادهم، فمن الطبيعي في بلد أصبح كملعب لتصفية الحسابات أن يهتم مواطنوه بنتيجة هذه الإنتخابات الأمريكية، لكن متى كانت القوة في الإعتماد على الغير وإنتظار ردود أفعال الآخرين؟ ومتى كانت إرادة الشعوب تصنعها قرارات من هم خارج الحدود؟.