23 ديسمبر، 2024 6:43 ص

العراقات….. بين الحلم الكردي …والجحود السني …وصمت المرجعية !!!

العراقات….. بين الحلم الكردي …والجحود السني …وصمت المرجعية !!!

“لبنان لن تقسم مالم يقسم العراق “كميل شمعون.
تلك اجابة الرئيس اللبناني الاسبق ” كميل شمعون 1952 ـ 1958 ” والوزير اللبناني المفوض لدى بريطانيا العظمى سنة ” 1944 ” لاحد الصحفيين عام 1980 عندما سأله وبلده خارج للتو من  الحرب الاهلية.
اجابة لرجل خبر السياسة ودهاليزها ، ومن يبحث عن مسيرة هذا الرجل يتوقف كثيراً عند تلك الاجابة فـ كميل شمعون المولود( 1900 ـ  1987 )شارك منذ  الثلاثينيات بتشكيل سبع حكومات لبنانية وتقلد مناصب وزارية كثيرة ، وابرز ما يميز مسيرته ،عمله كوزير لبناني مفوض لدى المملكة المتحدة البريطانية سنة” 1944 “لمدة سنتان ونصف.
هذا يعني قربه من صُناع القرار الدولي  في منطقته الشرق الاوسط.
يبدو ان شمعون عرف كيف ترسم القرارات الدولية، “فما لم تحرث الارض لا ترمى البذور! “،هكذا هي الاستراتيجية الاستعمارية منذ الحرب العالمية الاولى ” 1914 “وليومنا هذا ، فهم “يدخلون فاتحين لا غزاة !”.
شمعون.. يعرف ان فك عرى اللحمة المجتمعية العراقية تمثل الحلقة الاخيرة لتنفيذ النظرية الاسرائيلية” انتقام الجغرافيا” التي تعني تقسيم المقسم (عرقياً وطائفياً ومذهبياً).
المجتمع العراقي الذي يعد من اقوى المجتمعات الشرق اوسطية ترابطاً مكوناتياً ، اذا تبلغ نسبة الزواجات المختلطة بين مكوناته “26 % “، فضلا عن وجود عشائر عربية كبيرة تنقسم في انتماءاتها المذهبية بين سنة وشيعة واهمها عشائر ( شمر ـ والجبور ـ والعزة ـ والدليم ـ والعبيد ـ والجنابات …والخ ) فتجد ابناء العم احدهم شيعي والاخر سني ، وهم متعايشين منذ عشرات السنين بشكل طبيعي.
طبعا مجتمع ملتحم ومتكتل بهذه التركيبة يحتاج الى طبخه على نار هادئة لتفتيته! .
البعث “محراث” الطائفية !
في اربعينات القرن المنصرم تم غرس بذرة الطائفية (حزب البعث العربي الاشتراكي) في تحدي صارخ وتجاهل واضح لمكون اساس في الدولة العراقية ” الشعب الكردي” ،فحصرية الانتماء العربي دون الكردي تتجلى من خلال الاسم!.
قدوم البعث بالقطار الامريكي وسيطرته على  السلطة  في العراق سنة 1968 ، مثل ذلك الخطوة الاولى نحو تفتيت الشعب العراقي ، فمنذ ذلك الحين بدت هوية  الوطن تضيق مقابل الهويات الفرعية والمناطقية ،وشهد العراق ثقافة الاستهتار بالمكونات المجتمعية ،برغم اصالتها، وتم فتح شعب خاصة بمنظومة الدولة الامنية، تمارس اشاعة التفرقة العنصرية والمذهبية ،وصل بها الحد الى وضع شفرات خاصة تميز بطاقة الاحوال المدنية لأبناء الشعب العراقي ، ثم لتزداد الدائرة ضيقاً ،لتصل دائرة الحزب نفسه، لتبرز طبقة قيادية مناطقية تستحل مواقع الحزب والدولة، استهترت بجميع القيم الانسانية والدينية على مدى اربعة عقود.
مخرجات البعث
الحُلم الكردي
نتيجة لمسيرة العراق  الدموية والاقصائية  على يد طبقة البعث التي قادت البلاد ، تعرض ابناء شعبنا في اقليم كردستان للقتل والتهجير والاقصاء والتهميش ،فقدموا الالاف من الضحايا من الشباب والشيوخ والاطفال والنساء قتلوا على يد جلادي البعث ومنظومته الامنية السّرية، مقرونه بحملة اشاعات شعواء منظمة تصور الشعب الكردي على انه شعب متخلف وساذج .
تلك الاحداث لم تكن  خافية على المجتمع الدولي ،بل ان جميع جرائم البعث وصدام ،وقعت امام مرأى ومسمع المجتمع الدولي!، بيد ان الصمت ظل سيد الموقف ، نتيجة التمسك الامريكي  بصدام ،ودعم دول الخليج ،بذريعة الخوف من تمدد الجمهورية الاسلامية الايرانية.
لم يكن للأكراد آنذاك صديق سوى الجبل ،يتحدثون اليه عن مآسيهم و احلامهم ، فحملوا بنادقهم وتوسدوا صخوره ، حالمين بوطن ينصفهم يتعايشون فيه مع الآخر بسلام .
الاقليم الشيعي
في الجانب الاخر وتحديدا جنوب العراق التي تقطنه الغالبية الشيعية حيث تزيد نسبة السكان على (63 %)، كانت طاحونة الموت لا تتوقف ، حيث قدم الشيعة ملايين القرابين من الضحايا على منحر حريتهم ، حتى تم اسقاط النظام البعثي وصنمه صدام عام (2003 ).
بعد تغيير النظام قدم الشيعة والكرد  مشروع الفدرالية( المتكون من ثلاث محافظات) الذي  يمثل الضمانة لبقاء العراق موحد ، واعطاء الفرصة للأقاليم لإدارة نفسها بنفسها لتخفيف الاحتقان الناتج من سياسة البعث على مدى اربعة عقود.
بيد ان المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف اعترضت على المشروع بقوة، خوفاً على وحدة العراق ، وعدم وجود حاجة للبحث عن ضمانات بعد زوال التهديد والخطر المتمثل بالبعث وصدام. 
الجحود السني !
رفض العرب السنة الاشتراك في  اول انتخابات بعد سقوط صدام التي جرت عام 2005 في خطوة تؤكد عدم اعترافهم بالعملية السياسية الجديدة ،وان هناك حق مغصوب اسمه السلطة  يجب ان يعود لأهله ، برغم ذلك اصرت القوى السياسية الشيعية على اشراكهم بإدارة البلاد ومنحتهم مقاعد برلمانية بحجم تمثيلهم السكاني.
اشتركت القوى السياسية السنية في العملية السياسية بقدمين قدم داخل العراق واخرى خارجه ، حتى سقوط الموصل  حزيران 2014 بيد داعش وتمددها على ثلث مساحة العراق.
استبشرت بعض القوى السياسية والدينية  السنية المرتبطة بالمشاريع الاقليمية  خيرا بانتصارات داعش، وحاولت تسويق تنظيم داعش كفاتحين ومحررين ، لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر، وبدت داعش مسلسل الاعتداءات وانتهاك الاعراض ، فاغتصبت النساء وبيعت في اسواق النخاسة.
ما دعى المرجع الاعلى الامام السستاني اعلان الجهاد الكفائي للدفاع عن الارض والعرض ، فتحول العراق قطعة عسكرية مليونية وجيش جرار ملبيا نداء المرجعية!.
استنتاج
المرجعية الدينية في النجف الاشرف التي اصرت على بقاء العراق موحداً هي اليوم اشبه ما يكون في موقف الاحراج تجاه اتباعها ،بسبب استمرار الحلم الكردي بالانفصال على الرغم من زوال اسبابه ، ووجود ضمانة الدستور الذي حدد شكل الحكم في العراق الجديد، ومن جانب آخر استمرار جحود غالبية   العرب السنة ، ورفضهم لجميع اشكال التعايش السلمي ، وجعل مناطقهم حواضن للإرهاب تصدر عربات الموت والخنازير المفخخة للقتل وتدمير كل ما يتعلق بالحياة.
هذه المعطيات تفجر علامة استفهام كبيرة وسط الرأي العام الشيعي ، مفادها ان الضحية لا يمكن ان تعود ضحية اخرى للجلاد!.
اذن استمرار حلم الانفصال الكردي ، اضافة الى الجحود العربي السني ، عوامل قد  تؤدي الى صمت المرجعية ، الذي يعني اننا لن نشهد عراق موحد!.