18 ديسمبر، 2024 10:03 م

العذراء الجامحة

العذراء الجامحة

الحلقة رقم – 1
حينما بزغت الشمس وحطت عصا ترحالها فوق المنطقة الزراعية الوعرة كانت سميرة قد ابتعدت مسافة عن البيت تقدر بحوالي الخمسة كيلومترات . إمتطت جوداها كأنها راعي بقر ماهر أمام قطيع الأغنام الذي كان يلحق بها بطاعة عمياء . إعتادت أن تخرج لرعي الأغنام كل صباح.أما شقيقتها الصغرى – وفاق- فقد كانت تركض هنا وهناك تقفز بمرح لا يوصف لا تعرف معنى التعب. إعتادت الشقيقتان الخروج معاً كل يوم منذ وفاة والدهما قبل فترة من الزمن . كانت سميرة قد أتقنت أشياء كثيرة خلال تلك السنوات المرة التي أعقبت وفاة والدهما. تعلمت كيفية السيطرة على البندقية وكيف تصوبها نحو الهدف- سواء كان هذا الهدف متحركا أم ساكنا . تعلمت كل فنون المناورة أثناء إمتطاءها الجواد الذي كان والدها يستخدمه في تنقلاته اليومية داخل تلك الأرض الوعرة المترامية الأطراف. اقتصرت أرضهم على الأشجار الباسقة المثمرة وغير المثمرة . الطبيعة القاسية التي عاشت فيها سميرة منحتها نوعا من القساوة البرية وعدم السيطرة على أعصابها في مواقف كثيرة خصوصا بعد اختفاء شقيقها الوحيد – أمجد- قبل أيام في ظروف غامضة. كان أمجد قد خرج بدراجته النارية صوب المدينة النائية لكنه لم يعد منذ ذلك اليوم . بكت والدتهما كثيراً وبكت كلا الشقيقتان ساعات طويلة على فراقه المفاجئ . خرجت الشقيقتان مرات عديدة للبحث عنه في أماكن كثيرة في تلك الأرض الوعرة بيد أن كل جهدهما قد ذهبت أدراج الرياح. إرتدت أمهما السواد منذ لحظة الفراق وأصبحت الأحزان والدموع سلاحهما الوحيد. بعد وفاة زوجها كانت تأمل أن يعوضها ولدها عن كافة المعاناة والأحزان. كانت ترى فيه الرجل الوحيد الذي سيتحمل أعباء الحياة عن تلك الأسرة الصغيرة ولكن يبدو أن القدر كان لهم جميعا بالمرصاد. عندما اقتربت الساعة من الواحدة ظهراً جلست سميرة قرب النهر الصغير الذي كان يخترق تلك الأرض وتركت الأغنام ترعى على حالها. تركت لهم حرية التنقل هنا وهناك أو الاقتراب من النهر.
أما-وفاق- فقد انشغلت في جمع الحطب كي توقد نارا لتصنع لها ولشقيقتها قدحين من الشاي. الساعة الواحدة ظهرا هي الفترة الزمنية الوحيدة التي تجلس خلالها الشقيقتان لتناول الطعام والتمتع بقسط من الراحة. كانت الشجرة الوارفة الظلال هي السقف الحقيقي اليومي لتلك الشقيقتان حينما تجلسان لتناول طعام الغذاء.على الرغم من كثرة الطيور المرحة التي تتقافز على الأغصان فرحة بهذا التجمع العائلي اليومي إلا أن سميرة كانت قد فقدت الإحساس بالسعادة . كانت على الدوام قاسية التعابير عكرة المزاج . حينما كانت ” وفاق” تبتعد قليلا عن المكان الذي تجلس فيه الشقيقة الكبيرة ، كانت الأخيرة تناديها وتطلب منها عدم التوغل في تلك الأرض الوعرة. حينما كانت سميرة تعد الطعام الذي تجلبه من البيت كانت الطيور الصغيرة المختلفة تتجمع غير عابئة لها. أحيانا كانت بعض الطيور تقترب من الإناء الذي تضع فيه الطعام وكأنها إعتادت واطمأنت لتلك المخلوقة البشرية الصامتة دائما صمت الأموات. إعتادت سميرة أن ترسم ابتسامة باهتة على شفتيها كلما تكررت هذه الحالة..تنظر إلى تلك الطيور الجميلة وتتأمل صنع الخالق العظيم لهذه المخلوقات البرية البريئة. كانت تناجي نفسها أحيانا في حوار وجداني لايسمعه احد سوى الخالق العظيم “..كم أتمنى لو كنت طيراً صغيراً مثل هذا أو ذاك. الطيور لأتعرف الحقد والضغينة..لاتعرف الانتقام والصراعات والتناحرات البشرية. الطيور بريئة ، سعيدة على الدوام .همها الوحيد الحصول على لقمة صغيرة ثم تنطلق في الفضاء الواسع تقفز هنا وهناك سعيدة لاتهتم لمعاناة البشر ولاتهتم لجمع الأموال أو النزاع على مكسب دنيوي زائل… يالقدرة الخالق العظيم وجبروته”. تتدفق الدموع من مقلتيها كلما شاهدت العصافير هنا وهناك ، هذه الطيور تذكرها بشقيقها عندما كان في الثالثة من عمره. كان يركض في حديقة الدار خلف العصافير يظن أنه يستطيع اللحاق بهن. كان يضحك بأعلى صوته حينما تتقافز تلك الطيور الصغيرة أمامه مستهزئة بجموحه الطفولي. بين فترة وأخرى كانت سميرة تزيل بعضا من قطرات الدموع التي تسقط مدراراً على خديها ..يالقساوة الزمن ويالقساوة الإنسان. أحيانا كانت تنسى حتى وجود شقيقتها معها. كانت” وفاق” تنظر إليها بين الحين والآخر ولكنها لأتوجه لها أي حديث لأنها تعرف أن شقيقتها غارقة في غيبوبة وجدانية مع ذاتها . كانت تحترم صمتها ودموعها الهادرة كل يوم ولكنها لا تدري ماذا تفعل سوى أنها تذهب بعيدا متظاهرة بجمع الحطب ولكنها هي الأخرى تجلس بعيدا خلف إحدى الأشجار وتسترسل في عويل يمزق نياط الأفئدة. فجأة توقفت ” وفاق” عن جمع الحطب ، رفعت رأسها صوب الجهة البعيدة من الأرض القاسية. أرسلت نظراتها نحو الأفق البعيد. ألقت الحطب الذي كانت قد جمعته وعادت تركض بأقصى سرعتها ناحية شقيقتها. كانت تسابق الريح، كأنها شاهدت شبحا مخيفا أو عاصفة هوجاء في الأفق اللامتناهي . دون سابق إنذار راحت تصرخ بأعلى صوتها وكأن مساً من الجنون قد تلبسها . ” .. سميرة ……. سميرة ……أستعدي للمواجهة. أستعدي لإطلاق النار أنهم قادمون ولايمكن الفرار. قادمون من ذلك الطريق الترابي خلف الأشجار. سيقتلوننا ويحيلون أجسادنا إلى دمار ” . ذعرت سميرة حينما سمعت صراخ شقيقتها وتقدمها السريع نحوها . قالت لها ” .. اهدئي، التقطي أنفاسك واخبريني عما يُخيفكِ ،ماذا حدث؟”. كان صدر- وفاق- يرتفع ويهبط في حركة سريعة كأنها مريض شارف على الهلاك. حينما استعادت أنفاسها قليلا ، قالت بذعر حقيقي ” .. هناك شاهدت هالة من التراب من ذلك الطريق الترابي خلف تلك الأشجار. من يكونوا؟ بالتأكيد أنهم أصحاب تلك المزارع البعيدة الذين يريدون أن يستولوا على أرضنا بالقوة بعد أن عجزوا عن ذلك أثناء وجود والدي وأمجد . سنموت هنا . سيدفنوننا تحت هذه الشجرة . لا.لا.لا سيحرقون أجسادنا .. لا..لا.. سيغتصبوننا ويسرقون قطيعنا . سيحرقون كل الأشجار. سيعم الخراب والدمار. ماذا سنفعل ؟ أرجوك عانقيني قبل الموت. ماذا سيكون وضع والدتنا حينما تعلم بمصيرنا ؟ ستصاب بالجنون أو تقتل نفسها فورا ” . راحت تبكي بشكل هستيري كأنها فقدت عقلها إلى الأبد. ارتعدت فرائص سميرة ، لم تعد تدري ماذا تفعل إزاء هذا الوضع المتأزم, كانت خائفة على شقيقتها الصغيرة أكثر من خوفها على نفسها وعلى ضياع الأرض وعلى قطيع الأغنام. دون وعي بدأت سميرة تستعد للحرب كأنها جندي هرم أمام معركة خاسرة قبل أن تبدأ . لكن ماذا تفعل ؟ هل تستسلم للقدر دون قتال ؟ هذا محال . علمها والدها قبل وفاته أن تواجه الأزمات ولا تهرب أبدا مهما كانت الحرب التي تنوي خوضها . أما الموت أو الحياة بشرف. هذا ما تقوله كل مبادئ البشر في كل مكان وزمان . الهروب معناه الموت. الانهزام معناه الجبن. الاندحار بلا قتال معناه الموت آلاف المرات، والجبان يموت كل يوم. التقطت بندقيتها وبحركة بهلوانية سريعة قفزت على ظهر الجواد وأشارت لشقيقتها كي تقفز خلفها . كانت تسابق الريح صوب الهدف الترابي القادم من أعماق الأرض. كان الجواد يركض كالمجنون ومنخريه تنفثان لهيبا لأنفاس محترقة كأنه يشعر بالخطر الأكيد. امتزجت أنفاس الشقيقتان مع أنفاس الجواد في تحدي خاسر. كانت وفاق تلتصق بظهر شقيقتها كأنها تحتمي من الموت على مدى العصور. كانت تلتمس دفئا أخيرا قبل الموت، قبل أن يتصلب جسدها حينما تسقط هاوية من على ظهر الجواد بطلقات أولئك القادمون من فضاء الحقد واللانسانية . تحسست مسدسها الذي كانت تربطه في حزامها على الدوام، قررت في داخلها أن تنتحر قبل أن يصل أحد إلى كنزها الأنثوي وشرفها الذي تفضل عليه الموت آلاف المرات. فجأة توقفت سميرة وراحت تطلق نيران بندقيتها نحو الهالة الترابية القادمة من بعيد. طلقات متتالية تشق عباب الصمت وتحيل الأرض الطيبة إلى مسرح من الرعب المدويّ. كانت تعيد ملئ البندقية كلما توقفت عن صراخها الناري. مرت لحظات وإذا بالهالة الترابية تتراجع إلى الوراء بسبب الرياح التي بدأت تحركها إلى جهات مختلفة. انقشعت الهالة الترابية وظهر من بعيد شبحا بشريا وقد رفع يداه إلى الأعلى علامة الاستسلام وإلى جانبه دراجة نارية سوداء اللون من الطراز القديم ولكنها بحالة جيدة. صرخت سميرة بأعلى صوتها ” .. لاتتحرك وإلاّ فانك ستموت في الحال . سأطلق النار على قلبك أذا تقدمت خطوة واحدة ” . لم ينبس الرجل ببنت شفه وظل واقفا إلى جانب الدراجة وكأنه أخرس منذ أن جاء إلى هذا العالم القاسي. دون سابق إنذار صرخت سميرة بغضب كقائد غاضب في معركة حامية الوطيس. ” .. أنزع كافة ملابسك عدا الشورت الداخلي الذي يستر عورتك.” تطلع إليها الرجل باندهاش غير مصدق ما كان يسمع . إرتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة وقبل أن يتفوه بحرف واحد بدأت سميرة تطلق نيران بندقيتها فوق راسه وبين قدميه. ذعر الرجل لهذا الهجوم المباغت وراح ينزع ملابسه بسرعة البرق لا يصدق ما كان يجري له.عندما أتم نزع ملابسه بذعر مطلق، صرخت سميرة بشقيقتها ” .. خذي قطعة الحبل هذه وقيدي يداه خلف ظهره بأحكام، يبدو ان هذا اليوم سيكون طويلا وشاقا لنا جميعا .” و بيدين مرتعشتين راحت وفاق تقيد يدا الرجل العاري – الذي استسلم لقدره بلا مقاومة – قفزت سميرة من ظهر الحصان متقدمة ناحية الرجل وهي لاتزال تصوب بندقيتها اليه. قالت بهدوء يشوبه حذر تام – ” ..حسنا فلنرى ماذا عندك ؟” شرعت الشقيقتان تتفحصان الدراجة النارية – التي كان التراب والطين قد غطاها تماما . دون وعي صرخت وفاق ” ..ياالهي ! هذه دراجة أمجد ؟” . شعرت سميرة ان صاعقة هوجاء قد حطت على رأسها ، كأن يداً فولاذية تعصر قلبها عصراً وتحيله إلى رماد متناثر في الفضاء. في النهاية حاولت السيطرة على ذاتها ، ثم بدأت تزيل الغبار الكثيف عن كل جزء من أجزائها. سحبت الحقيبة الصغيرة التي كانت قابعة في الجزء الخلفي من الدراجة. صرخت مذعورة وكأن رجة كهربائية عصفت بكل جزء من أجزاء جسدها المرتعش –” ..لا أصدق ما أرى !! هذه ملابس” امجد “. هذا هو القميص الذي ارتداه عند خروجه من البيت في ذلك اليوم. هذا هو البنطال الذي كان يرتديه حينما يخرج بدراجته كل مرة. هذا ..وهذا..وهذا.. هذه كافة حاجياته .” . تقدمت نحو الرجل العاري وكأن شرار ناري يتقدّ من مقلتيها. وجهت البندقية إلى صدره وراحت تصرخ بجنون ” ..أنت قتلت أمجد . هذه دماءه. هذه دراجته. سأقتلك على الفور ولن يشفع لك شفيع. سأمزق جسدك الى قطع صغيرة والقيها إلى الطيور. أيها المجرم ، لقد حطمتنا جميعا. كادت أمي إن تلفظ أنفاسها من شدة الحزن بعد اختفاء اخي الصغير. أنت لاتستحق الحياة .”. جعلت البندقية تلامس قلبه ثم سحبت عتلة الاطلاق.. أغمض الرجل عيناه كي لايرى لحظة الإعدام. أراد إن يموت مغمض العينين. أحس بأنه جندي متخاذل في معركة كبيرة عند الجبال البعيدة. فَضّل الموت على القتال في معركة غير متكافئة وغير شريفة. وقبل ان تطلق النار صرخت “وفاق” ” ..لاتطلقي النار. انه اسير والاسرى لايقتلون في ساحات المعركة. من يدري قد نستفيد منه حيا اكثر مما هو ميتا ” . التفت الرجل ناحية وفاق وقد ظهرت في عينيه دموع قليلة .. لم ينطق بحرف واحد. أحس ان هناك لاتزال فئة من البشر في هذا العالم تلجأ الى استخدام العقل قبل استخدامها السلاح. حينما إستفاقت سميرة من صدمتها أبعدت البندقية قائلة ” ..وفاق ، خذي هذه البندقية، ساعرف كيف أجعله ينطق. سأنتقم لشقيقنا. سأجعله يتمنى الموت الاف المرات” . في اللحظة التي اخذت فيها وفاق البندقية من يد شقيقتها سميرة ركضت الاخيرة ناحية الحقيبة التي كان فيها بنطال امجد، انتزعت الحزام الجلدي من السروال وتقدمت نحو الرجل بخطوات فولاذية والشرر يتطاير من مقلتيها. دون رحمة بدات تجلد ظهر الرجل وبطنه وو جهه وكل جزء من اجزاء جسده المنهك العاري. لم يتحرك من مكانه كأنه جبل شامخ في مهب الريح ، كان يسخرمن هذه الثورة العارمة الصادرة من مخلوق بشري لايصلح في نظره ألا ان يكون داخل مطبخ يعد الطعام لزوج قادم من عمله بعد يوم شاق. الشئ الوحيد الذي كان يفعله مع وقع كل ضربة مدوية هو إغلاق عيناه كي يتحاشى فقدانهما. شعرت سميرة بالارهاق الذي كان يزحف صوب جسدها مع كل ضربة تطبعها على جسد ذلك الرجل المسكين. سقط الحزام الجلدي من يدها كما سقط أخيها في يوم مجهول. دون وعي جلست على الأرض وراحت تبكي بصوت مرتفع. تصرخ على حظها العاثر.” لماذا قتلت امجد؟ كان أخا رائعاً. كان كل شيء بالنسبة لنا جميعا، لأمي، لي، لشقيقتي، إلى إي صنف من البشر تنتمي أنت؟ آلا يوجد معنى وتفسيرا لمفهوم الرحمة في قاموسك البربري؟”. كانت وفاق تقف قرب الدراجة النارية تنظر إلى أختها الكبيرة. الأخت التي لاتعرف معنى البكاء والعويل في حياتها . وقفت مذهولة تحدقّ برعب وشفقة في نفس الوقت على هذه المخلوقة الأنثوية البائسة التي بدت وكأنها عجوز هرمة لاتقوى على الحركة. هل يُعقل أن تبكي سميرة الآن أمام هذا الرجل الغريب – الذي مزق جسد شقيقها ؟ كانت تسترجع كل لحظة من حياة سميرة المليئة بالمغامرات البطولية . كانت تحسدها على تلك القوة الجسدية والعقلية والروحية. قوة القلب وصلابة التحدي في كل مكان وزمان. كانت سميرة قد بلغت الثلاثين في هذا العام، لم تتزوج، لن تفكر بالزواج أبدا- هذا ما كانت تسمعه من شقيقتها كلما أصبح موضوع الزواج مشروعا للجدال والحوار- كانت تعتبر نفسها المسؤولة الوحيدة عن كل هذه الإطراف المترامية من هذه الأرض الوعرة. كانت تدرك أن والدها المريض سيغادر هذه الأرض في أيّ لحظة وسيتركها وحيدة مع والدتها وشقيقتها ذات الخمسة عشر عاما وشقيقها امجد الذي لم ينهي دراسته المتوسطة . إذن, ستكون هي المسؤولة عن هذه الأغنام المتزايدة عاما بعد أخر. لكن هل ستقف ضد الطبيعة والحياة وحتمية الزواج لكل فتاة يوماً ما ؟ تعلمت كل فنون إطلاق النار وكل الحركات البهلوانية لركوب الحصان. كانت قاسية بقسوة هذه الأرض وهذه الأعشاب البرية الممتدة على طول الأرض وعرضها. ولكن لماذا تذرف هذه الدموع السخية الآن؟ إن هذا لشئ عجيب! لم تذرف دمعة واحدة حينما غادر والدنا هذه الأرض نحو العالم الاخر ! كانت تفسر ذلك بالقدر الإلهي الذي لايمكن الاعتراض عليه مطلقاً . القدر الذي يصيب كل مخلوق على هذه الأرض. إذن لماذا تبكي الآن على قانون الهي؟؟ كانت وفاق ترتعد لهذا المشهد المأساوي الغريب الذي يحدث أمامها. دون وعي صرخت وكأنها تحولت فجأة إلى قائد حربي بعد فقدان القائد الحقيقي في معركة خاسرة عند المرتفعات البعيدة. لأول مرة تصدر أمرا في حياتها, إلى من هذا الآمر الصادر ؟ إلى سميرة الفتاة التي لاتعرف الرحمة في حياتها . عندما شاهدتها تبكي بدموع ساخنة أحست أن قدرتها على القيادة أصبحت لاشيء أصبحت ضعيفة وستدمر كافة القطعات التي في عهدتها. فجأة صرخت وبقوة ” ..أسمعي ياسميرة سآخذ الدراجة إلى أمي الآن. سأجلبها إلى هنا بعد لحظات. سأخبرها بأننا عثرنا على قاتل أمجد. أريدها أن تحضر مهرجان إعدام هذا القاتل. ستشعر بسعادة حينما نعلق هذا المجرم في تلك الشجرة التي نتناول طعامنا تحتها ظهيرة كل يوم. أربطي هذا القاتل في الحصان واسحبيه ناحية الشجرة. سأعود بعد دقائق مع أمي “. حاولت سميرة أن تمنعها من الذهاب. لأول مرة في حياتها تصدر أمرا دون أن تمتثل إليه شقيقتها. انطلقت كالريح العاصف في يوم مخيف تصل فيه القلوب إلى الحناجر.امتطت تلك الدراجة التي لطالما ركبتها مع أمجد وهما يجوبان هذه الأرض الوعرة. تعلمت قيادة الدراجة النارية منذ اليوم الأول لشرائها. تفوقت أحيانا على شقيقها في مناسبات كثيرة. كانت فتاة تحب المغامرة بشكل لايوصف.
يتبع….