18 ديسمبر، 2024 6:40 م

العدوان ليس جريمة في عرف الإنكليز !

العدوان ليس جريمة في عرف الإنكليز !

أصدرت محكمة الاستئناف في لندن مؤخراً قراراً برفض طلب الإذن بالمراجعة القضائية لقرار قاضي محكمة وستمنستر الذي صدر قبل ذلك في الدعوى التي أقامها الفريق الأول الركن عبد الواحد شنان آل رباط (رئيس أركان الجيش العراقي قبل احتلال العراق في العام ٢٠٠٣) ضد توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق واثنين من أعضاء حكومته السابقة لمحاكمتهم عن جريمة غزو العراق، حيث قضى ذلك القرار برفض إصدار مذكرة استدعاء بحق بلير وعضوي حكومته.
وقد أثار قرار محكمة الاستئناف وسابقه قرار محكمة وستمنستر في أذهان المختصين بشؤون القانون والقضاء ملاحظات عدة، أجد من المهم التوقف عند أهمها، وهي التي تتعلق بالأساس الجوهري الذي استندت إليه محكمة الدرجة الأولى وأيدته فيه محكمة الإستئناف.
لقد ذهبت المحكمتان إلى أن فعل (العدوان) لا يشكل جريمة في القانون الإنكليزي، وعززتا وجهة النظر هذه بالإستناد إلى حكم سابق في هذا الإتجاه للجنة القضائية في مجلس اللوردات في قضية( مارغريت جونز)، معتمدتين على مبدأ السوابق القضائية المعروف في النظام القضائي البريطاني.
ولا يحتاج المرء إلى عميق تفكير وتأمل ليجد أن هذا الموقف القانوني ،وما يؤدي إليه من قرارات قضائية، ينبعث من نظرة استعمارية قديمة لا تجد في غزو بلدان أخرى وشن الحروب فعلاً يستحق المساءلة والعقاب، على الرغم من التطور الكبير الذي شهده القانون الجنائي الدولي، الذي تمخض عن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية المختصة بمحاكمة المسؤولين عن جرائم عدة، من بينها جريمة العدوان. وقد كانت هذه المسألة الجوهرية محل مناقشة حين طرحها وكيل المدعي،حيث سبق لمحاكم نورنبرغ – التي شاركت فيها بريطانيا – أن ساءلت مسؤولين نازيين عن جريمة العدوان ذاتها، غير أن المحكمة أصرت على رأيها بحجة عدم وجود علاقة بين الواقعتين (!). ولما كان من المعلوم أن النظام القضائي البريطاني يعتمد على السوابق القضائية – كما سلفت الإشارة-
ويقتضي للرجوع عن مبدأ قضائي سابق قراراً من المحكمة العليا، فقد طلب وكيل المدعي رفع الأمر إليها لإعادة النظر في هذا المبدأ، فرفضت محكمة الاستئناف ذلك، وكان مبرر رفضها غريباً، فقد عللت رفضها بأنها (على يقين) بأن المحكمة العليا لن ترجع عن هذا المبدأ الذي تضمنه الحكم الصادر في العام ٢٠٠٦، وبذلك تكون قد أسست رفضها على الحدس غير المألوف في المنطق القضائي.
إن القانون في بلد ما هو نتاج للثقافة السائدة فيه، والقضاء بالنتيجة لا بد أن تتأثر اتجاهاته في التعامل مع مبادئ القانون بتلك الثقافة، وما هذا القرار إلا انعكاس لثقافة استعلائية تسود دولة مازالت تعيش ماضي امبراطورية لم تكن تغيب عنها الشمس.