18 ديسمبر، 2024 9:34 م

العدل اساس الملك العدالة الاجتماعية العرجاء في العراق

العدل اساس الملك العدالة الاجتماعية العرجاء في العراق

العدل اساس الملك ـــ إنه أساس للحكم في الدولة واستقرارها، ولهذا السبب يعتبر القضاء جزءاً لا يتجزّأ من السلطات العامة، التي هي ــــ بكل تأكيد ــــ أذرع للحكم، ولا غناء لأي منهما عن الآخر وعكسها: الظلم اساس الهلك , العدل فريضة إلهية، وفريضة إنسانية، وتخلف العدل يهدم أركان التعاقد القائم بين الحاكم والمحكوم، ويلغي شرعية السلام المفترض بين الطبقات الاجتماعية، لأن هذا السلام رهن بتكافل هذه الطبقات في تحقيق الضرورات الواجبة لسائر أعضاء الجسد الاجتماعي، كما يؤكد المفكر الراحل محمد عمارة، وفي المقابل يعزز إقامة العدل من انتماء الرعية إلى راعيها وحاكمها، ودعمه ونصرته، ومن هنا ندرك أن العدل أفضل ما تُساس به المجتمعات، وهو الضامن لاستقرار الحكم والحكام لا القمع والترهيب والعسف, قيمة العدل أوسع وأشمل من ذلك، هو سبيل المجتمعات إلى الاستقرار والنهوض وجمع الكلمة، والطريق إلى قيام الدول وتثبيت أركانها، والقاعدة الذهبية التي اتفق عليها البشر جميعا: «العدل أساس المُلك». ومن أجل أهمية العدل للمجتمعات والدول، أدرجه الإمام الماوردي في كتابه «أدب الدنيا والدين»، ضمن القواعد اللازمة لصلاح الدنيا واستقرار المجتمعات ونهوضها، فقال: «القاعدة الثالثة: «عَدْلٌ شَامِلٌ يَدْعُو إلَى الْأُلْفَةِ، وَيَبْعَثُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَتَتَعَمَّرُ بِهِ الْبِلَادُ، وَتَنْمُو بِهِ الْأَمْوَالُ، وَيَكْثُرُ مَعَهُ النَّسْلُ، وَيَأْمَنُ بِهِ السُّلْطَانُ». فمتى وجد العدل سادت الألفة بين الناس وبينهم وبين حكامهم، ومن ثم انصرفت الهمم للبناء والإعمار والإنتاج، إذ إن العمل مبناه على الأمن، والأمن مبعثه العدل، وقد نقل ابن عبد ربه في كتاب «العقد الفريد» عن عمرو بن العاص قوله: «لا سلطان إلا بالرجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل». إقامة العدل القانوني والسياسي والإداري والاجتماعي، بما يستلزمه من توزيع عادل للثروات والفرص والامتيازات، والتعامل على مبدأ تقديم الكفاءات، من شأنه أن يوفر مناخا صحيا للتطوير والعمل والإنتاج، حين يشعر المرء أنه لن يُظلم ولن يُبخس حقه، ويكون دافعا للمواطن لأن يُبقي ضميره حياً، وينطلق في عمله لصالح بلاده بدافع ذاتي، بخلاف من يعيش تحت وطأة الظلم، تعكس تعاملاته وسلوكياته آفات الازدواجية والأنانية وقلة الضمير، ولذا يؤكد الماوردي على أنه ليس أسرع في خراب الأرض ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور, أليس من الجور والظلم ان تبقى سجون العراق ممتلئة بالابرياء ؟ وقانون العفو العام يتعثّر لأسباب سياسية وطائفية؟ أليس من الظلم ان تسلب حقوق الماجدة العراقية بمشروع تعديل قانون الاحوال المدنية؟

ليس من العدل حرمان الشعب من ثروات بلادهم، وتمكين ثلة متنفعة منها، وليس من العدل منح حرية الكلمة والمنابر الإعلامية للموالين للأنظمة وحرمان المعارضين منها، وليس من العدل تأخير أهل الكفاءات وتقديم ذوي المحسوبيات والوسائط، وليس من العدل تطبيق القوانين بحذافيرها على البسطاء والفقراء والضعفاء والمقهورين والمتعبين، بينما يكون أهل القوة والثراء الفاحش بمعزل عنها، على طريقة قانون مدينة ساكسونيا الألمانية، عندما كان يطبق القانون على الفقير بجلد ظهره، بينما يطبق على النبيل بجلد ظله. وليس من العدل الاستئثار الأبدي بالسلطة ومنع تداولها، وحرمان الأمة من حقها في تعيين الحاكم ومراقبته ومحاسبته وتقويمه

ومن شأن إقامة العدل تعزيز الانتماء للوطن، ويترجم ذلك إلى سلوكيات عملية ينتهجها الأفراد، كالحفاظ على المنشآت والمرافق والمصالح العامة، بخلاف الذين يعيشون تحت مظلة الجور، تجدهم غالبا يسلكون مسالك عدوانية تجاه تلك المرافق والمنشآت، لشعورهم بأن الدولة تظلمهم وتنتقص من حقوقهم.

الظلم يورث الذل، الذي هو أشد ما يفسد فطرة الإنسان ويحطم فضائله ويغرس فيه صفات العبيد، وهي كما عبر أحد الأدباء: «استخذاء تحت سوط الجلاد، وتمرد حين يرفع عنها السوط»، فهؤلاء الذين يعانون الازدواجية ولا تثبت لهم قدم على مبدأ، أنى لهم أن يكونوا أدوات بناء في مجتمعاتهم؟ وقد كانت ثورات الربيع العربي التي أطاحت بأنظمة استبدادية، مردها إلى شعور الجماهير العربية بفقدان العدالة الاجتماعية، وكانت المطالبة بها على رأس أوليات الشعوب الغاضبة، التي عانت طويلا من الاستبداد والظلم، ولذلك لا مناص من القول إن استقرار أي نظام سياسي منوط بإقامة العدل.
تعاني العدالة الاجتماعية في العراق من الإهمال والتغييب نتج عنهما قيام شريحة اجتماعية تتمتع بغنى فاحش تاركة الملايين تعاني الفقر والبطالة، مؤكدة في واقع حال العراقيين مقولة ماركس وهو يرى، أن تراكم الثروة في قطب واحد من المجتمع هو في نفس الوقت تراكم الفقر والبؤس في القطب الآخر. والغريب في أمر هذه الفئة أنها جاءت من بين المحرومين وعاشت لسنين طويلة كل ذلك البؤس وفي ثناياهم، ولكنها بالسرعة الفائقة تنكرت لمحيطها السابق وغادرت بعد أن سرقت المال العام مواقعها القديمة لتسكن الفلل والقصور العالية في الجادرية أو الحارثية والمنصور، أو لتجد لها مكانا في مآوي الغرب أو الدول الغنية، حيث تراكمت رؤوس أموالها المسروقة علنا من خزائن الدولة، وهي تعلم أنها تاجرت بأصول الدين وتجاوزت على تلك الأصول أو خالفت ثوابت الشرع والقانون بأعمالها تلك لتشكل خرقا فاضحا لكل مبادئ العدالة الاجتماعية التي تنص في فحواها توزيعا عادلا للثروة وتقسيما منصفا لفرص العمل، إضافة إلى مبدأ جعل الوظيفة العامة لمن هو الأصلح ولمن هو الأكفأ من المتقدمين، وليس كما هو متبع الآن وعلى نطاق واسع ومنذ عقدين احتكارا مقننا للوظائف العامة بدءا من صاحب المكنسة وصولا إلى وظائف ديوان الرئاسة

إن العدالة الاجتماعية تعني توزيع وإعادة توزيع الثروات، بما يقلل من الهوة بين الفقراء والاغنياء واعتماد آليات عدة لتحقيق ذلك، وهو مبدأ يتعارض مع المبدأ السائد حاليا كل حسب ولائه ولكل حسب حصته، فالعدالة الاجتماعية وفقا لمفاهيم العصر، هي الرافع الاقتصادي للدولة المدنية، إذ تأتي في مقدمة الروافع الأربعة، إلا وهي الرافع السياسي متمثلا في دستور تتساوى عنده فرص العراقيين، والرافع القانوني يعني المساواة أمام القضاء، ورافع الهوية الواحدة، حيث تذوب الجزئيات المفرقة للشعوب.

أن من نتائج غياب العدل الاجتماعي في العراق ظهور الفوارق الطبقية بأعلى أشكالها وصورها، وعلى صعيد المحافظات فقد بلغت نسبة الفقر , حسب إعلان وزارة التخطيط رقما خياليا, والذي يحصي ثروة العراق يجد أن غياب العدالة الاجتماعية كان ولا زال وراء معدلات الفقر هذه، وأن فساد القدوة التي تحكم اليوم والتي طالما تبجحت هي نفسها في الماضي بغياب العدالة الاجتماعية للأنظمة القائمة آنذاك، تعمل اليوم على تغييب هذه العدالة من خلال المحاصصة في توزيع المناصب والدرجات الوظيفية اضافة إلى السرقات المستمرة للأموال العامة وآخرها سرقة القرن التي لا زالت مبالغها مجهولة

يُحكى أن الإسكندر قال لحكماء الهند: لِمَ صارت سُنن (قوانين وشرائع) بلادكم قليلة؟ قالوا: لإعطائنا الحق من أنفسنا، ولعدل ملوكنا فينا، فقال لهم: أيهما أفضل، العدل أم الشجاعة؟ قالوا: إذا استُعمل العدل أغنى عن الشجاعة,

إن الأنظمة السلطوية تعتمد على عكاز الأمن لتمارس الظلم والجور والقهر مع مواطنيها تحت مسمى القانون الذي يوضع على مقاس مصالح هذه الأنظمة التي تُفقد شرعية ذلك القانون أخلاقيا وإنسانيا، وتبقى تلك الأنظمة مهزوزة حقوقيا مهما رفعت من شعارات الديموقراطية الراقية التي يظهر زيفها في أبسط الأمور الحياتية المعاشة بأرض الواقع، فقد تحارب وتحاصر وتسجن من يختلف معها ولو في رأي موضوعي أو موقف سياسي، لأنها تعتبر ذلك انتفاضا ضد ما تم سَنُّهُ من قوانين ظالمة، فيحاسب بذلك المواطنون بحجة أنهم لم يحترموا ما نصَّت عليه تلك القوانين التي تجور عليهم وتكبح وعيهم,, لايستقر عرش حاكم إلا إذا أقام العدل في رعيته، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ,