23 ديسمبر، 2024 1:11 ص

العدالة والحذاء .. الدستور والحذاء

العدالة والحذاء .. الدستور والحذاء

العدالة لاتهبط حيث يسكن الفقراء
العدالة لا تنتعل الاحذية التي ننتعلها نحن
” أمبرتو آكابال”
العــــــــــدالة الانتقالية
منهجية تستهدف انتهاكات حقوق الإنسان الماضية بمعالجة ملفات الماضي المتعلقة بالإنتهاكات، بواسطة العدالة الانتقالية التي لا تقوم على الثأر والانتقام، مع تعويض وجبر الضرر بالنسبة لضحايا الانتهاكات السابقة.

بعد زوال نظام “صدام حسين” الديكتاتوري استبشرنا خيرا بفتح صفحة جديد في تاريخ العراق المعاصر وإعادة الاعتبار للهوية الوطنية لبلد يتكون من أعراق وملل ونحل مختلفة ومتنوعة ومتناحرة ولم تخضع لقانون او عقد وطني بل تخضع لمن يتربع على كرسي الحكم . ويعد العراق من بلدان الانقلابات العسكرية بامتياز وبعد الاحتلال استبدلت الانقلابات بالمؤامرات السياسية بسبب اختفاء الجيش العراقي عن المشهد السياسي وتم حله اسوة بكل المؤسسات الامنية الاخرى من قبل الأمريكان . ومع ذلك بدأت صفحة جديد كان فيها أمل كبير لتحقيق عدالة انتقالية بالحدود الدنيا والاستفادة من الخسارات والانكسارات والاحداث الدموية التي مر بها المجتمع العراقي من حروب ومجاعات وحصار واقتتال داخلي .. لكن ما حصل هو العكس مسلسل جديد من الجرائم ومئات الآلاف من الضحايا والمغيبن قسرا والمقابر الجماعية على يد الاحتلال الامريكي والارهاب والحكومات المتعاقبة بعد 2003م دون معرفة الجهة التي قامت بتلك الجرائم وتفرق دم الضحايا بين قبائل الحكم والسياسة وبعد ان تسلمت الأحزاب التي تدعي الاسلام واليسار والليبرالية والعلمانية كقناع تخفي وجهها الانتهازي به .

وبدات مرحلة جديد من الظلم مع حفيد جبرائيل “ابراهيم الجعفري ” وحكومته الملائكية ، فبدلا من التركيز على تطبيق العدالة الانتقالية

رتب ووظائف وهمية

للخروج من تبعات الماضي الدموي البشع ، بدأت هذه الأحزاب بتوزيع الغنائم فيما بينها وتركت ذوي الضحايا يلعقون الجراح ويذرفون الدموع ، ووزعوا الرتب العسكرية والوظائف العليا على أعضاء احزابهم بدون اي ضوابط او وجه حق وبدا كل من ينتمي الى تلك الأحزاب يتمتع بأكثر من راتب شهري فهو سجين سياسي وضابط او برلماني او وزير ولديه خدمة جهادية ووصايا ملائكية يتقاضى عنها جميعا مخصصات وامتيازات اما الارامل وضحايا الاٍرهاب وقصار القامة وذوي الاحتياجات الخاصة والمفقودين محظوظ من يحصل على خمسين الف دينار عراقي ( 30دولار) شهريا يستلمها كل شهرين او ثلاثة شهور .. تصاعدت وتيرة النهب والرتب الفخرية والمناصب الوهمية والشهادات المزورة التي لا احد يعرف كيف أوجدها وابتكرها حكام العراق الجديد . وبعهد مختار العصر “نوري كامل ” بدا المرضي عنهم والاقرباء يعيشون في جزر “الهنولولو” وبقيت الشعب يتخبط في تيه العوز وفقدان الخدمات وانتشار الرشوة والمحسوبية والمليشيات والجريمة المنظمة .

مع تشكيل مجلس الحكم الصوري من قبل “بول بريمر” الحاكم المدني او المندوب السامي في العراق تناوب على رئاسة العراق خلال عام 12 رئيس صوري في مسرحية طائفية وديمقراطية فنتازية يقبض كل من قضى شهر عسل في الرئاسة راتب تقاعدي من 60 – 120 مليون دينارعراقي حسب خدمته الجهادية ومنسوب طائفيته وحسب حجم الكتلة التي ينتمي اليها وارتباطاته الدولية ف”اياد علاوي “يعترف بتعامله مع 16 جهاز مخابرات . ولدى البعض أفواج حمايات ومقرات يحتفظوا بها في بغداد وهم لم يزوروا بغداد منذ سنين او مرة في السنة.

المنصب والــــــــــــحذاء .

لقد صرح اكثر من مسؤول عراقي ان المنصب والوزارة لاتعنيه وصرح “اياد علاوي” اول رئيس وزراء عينه الامريكان بعد سقوط بغداد ان المنصب و”الحذاء ” ومن حقه هذا لان من يعمل مع اجهزة المخابرات العالمية يقبض مئات الأضعاف من راتب المنصب ، طبعا ليس لسواد عينه ولا لطوله الممشوق وعجيزته الجميلة فهو ليس كيم كرديشان ولا هيفاء وهبي ولا شاكيرا ..

على شاكلة “أياد علاوي” و”ابراهيم الجعفري” و”نوري المالكي” والانفصالي “مسعود برزاني” وكل من جاء بعد 2003م اصبح العراق مشرع الابواب للتدخلات الدولية وكل مخابرات العالم والمرتزقة وبسببهم تسير حياة العراقيين البسطاء من سيّء الى سوأ وتوالت المصائب والفجائع .

ان نظريةً المنصب والحذاء والشعب ” الدايح” هو استهانة بالدستور الذي أتى بهم الى هذه المناصب والشعب الذي جيش للاستفتاء عليه .

الامر المحزن حقا ادعاء البعض ان من لم يذهب للتصويت على الدستور آثم واستغلوا الدين وكل الوسائل لإقراره . ومن كان يعارضه بعد ان حصل على منصب اوغنيمة من خلال المحاصصة بات يتمسك به ويربط وجوده وشرعيته من خلال الدستور الذي وقف بوجهه بقوة .

اما العدالة بكل اشكالها فديست تحت أحذيتهم . كان “صدام حسين ” يؤمن بان القانون “لاستيكة” ومطاط وهذه تعتبر فضيلة قياسا بحكام اليوم الذين يعتبرون القانون ملك لهم وفي ظل غياب المرجعية القانونية والقضائية التي تعتبر صمام امان لحل الخلافات المستعصية التي يلجأ اليها الفرقاء أصبح القضاء اداة بيد السياسين وهذه من أشد المخاطر التي تتربص بالامة العراقية والوطن الذي نعيش على ارضه .

ان الوطن ليس مجرد ارض نعيش عليها بل هو كرامة وعدالة ودستور يرسم الواجبات والحقوق . تختل هذه العلاقة بين الوطن والإنسان بسبب الظلم وغياب العدالة والاستبداد واستلاب الحريات . ان غياب العدالة او الانتقائية في تطبيقها على أفراد ومكونات الشعب ستؤدي الى انعدام الشعور الوطني والشعور بالمسؤولية والعراق يعاني من هذه المتلازمة منذ عقود لكن اقل تأثيرا مما هو عليه اليوم فبات الياس والضياع يدفع العراقيين لخيارات وهويات فرعية والتمسك بها بقوة لانها تمثل نوع من الحماية لهم وغابت الهوية الوطنية وبغياب الهوية الوطنية ظهرت انساق اجتماعية وثقافية وسياسية غير معهودة سابقا ، أنماط متخلفة وقهرية لاتخدم العدالة ولا تفضي باتجاه السلم الأهلي والاجتماعي ولا تقترب من الدولة الحديثة باي شكل من الأشكال التي تسعى لاحترام حقوق الانسان والمساوات والعدالة الاجتماعية.

لاشيء يستقيم بدون العدالة والقضاء الذي يعلو من خلاله تطبيق القانون على الجميع ويعتبر المظلة الوحيدة لحفظ حقوق جميع المكونات ورعايا الدولة ومواطنيها ومصالحهم الشرعية .

كل المتصدين للعملية السياسية يتعاملون بانتقائية مع العدالة والقانون حسب اهوائهم ومصالحهم ومصالح احزابهم ، وتحكم الدولة على طريقة المافيا بطرق مغلقة وغرائبية .. وليس لها علاقة بالعدالة ولا حقوق الانسان ولا الحرية .

المشكلة الاخرى والأشد خطورة هي عسكرة المجتمع وتأسيس مليشيات تابعة للأحزاب كأذرع مسلحة لها من اجل ارهاب وإسكات الأصوات التي تطالب بأبسط الحقوق وحدثت عمليات خطف وقتل على مدى 13 عام من دون ان نعرف الجهة التي تقف وراءها.

ان تواطىء المنظمات الحقوقية او سكوتها عن مايحدث وصمة عار بجبينها اما منظمات المجتمع المدني في داخل العراق فهي ديكورية وبعضها طائفي وانتهازي للاسف وبعضها ممول من ذات الأحزاب الحاكمة وتؤدي إدوار مشبوهة للأحزاب الحاكمة وتنشط كلما اقتربت الانتخابات التي لم تاتي بنتائج مغايرة لان نفس الكتل تهيمن على المشهد منذ سقوط الديكتاتور على يد الاحتلال الامريكي . ومايزيد الطين بلة المعارضة فهي ظاهرة صوتية شعاراتية نسمعها ونشاهدها كل يوم من دون برامج ولا قيادة فاقتصر وجودها على الشاشات التي أرهقت المواطن بضجيجها العالي وتعدد رؤسها وشببها البعض بمزرعة البصل كلهم رؤوس .

شـــــرعية زائـفة

كل من في السلطة الان يتلبس بشرعية وطنية زائفة وشرعية دينية مغتصبة يسقطها عليه وعلى حزبه فلم يعد المنصب تكليف نص عليه الدستور بل الكل يؤمنون بانه تشريف لهم واختيار الهي فبات المنصب والحذاء والدستور والحذاء والشعب والحذاء وهذا مايدور في مجالسهم الضيقة ولا احد يجرأ على فضحهم حتى من لم يوافقهم الرأي خوفا اوتملقا او حرصا على مصالحه المرتبطة بهذه الطغمة

لكن المؤسف العدالة لم تهبط على ارض بلاد الرافدين الغنية بالثروات والموارد المتنوعة وبدانا نشهد البلد والمجتمع يتشظى يوما بعد اخر بسبب

غياب العدالة التي قتلت الشعور بالمواطنة والمسؤولية وبسبب تمويه الخطاب السياسي المنحاز والمخادع طائفيا ويتلاعب في الفاظ والعقول واستمالة الاقليات والمضطهدين والمهمشين وفي حقيقة الامر ان تلك الاحزاب والكيانات السياسية تقوم على اساس السيطرة والهيمنة وتحتاج الى تحشيد جماهيري ولاترضى باي خطاب نقدي مخالف ولا تتواني عن تسقيط الخصوم وتحقير الاخر وتكفيره كل هذا يحدث ويتعمق بسبب غياب العدالة والمساوات وروح المواطنة التي تمنح الذات الطمأنية وتخلق وعي تاملي اكثر تسامحا وخيرا وعدلا .

[email protected]