18 نوفمبر، 2024 12:53 ص
Search
Close this search box.

العبّاس بن علي بن أبي طالب ، فتىً أُنجِبَ ليكون بطلاً

العبّاس بن علي بن أبي طالب ، فتىً أُنجِبَ ليكون بطلاً

في هذه الأيام تلتقي مُثُل البسالة بين الماضي والحاضر لتنسج للجيل المعاصر ايرادا من العزّ والفخر لُحمته من الماضي وسداه من الحاضر. وتثبت في أبنائه نباتاً من الثقة في النفس والتطلع نحو المستقبل يكون طعاماً للروح وطاقة تُهَوّنُ الصعاب وتقوّي الصبر وتطيل الامل وتبارك في العمل.

في العاشر من تشرين الاول من سنة ستمائة وثمانين ميلادية الذي قابله يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين للهجرة، ضُرِبَ للناسِ مثلٌ خالد ووُضِعَت اسوة عالية لمـّا قام الحسين بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة بنت محمد بن عبد الله. ليخطّ في السماء خطاً احمر قانياً مكتوباً بِحروف يقرؤها الناس جميعاً، من اميين وقراء، إلى يوم القيامة، وليذكر كل حي بأن الجود بالنفس سُقيا شجرة المبادئ والكرامة، وأن أهم ما يُبقي لأوراق المجد خضرته ونضارته الدم الحار الذي نبع من شرايين محمد وأهله، وشاهده في ذلك قول أبي العلاء المعري حكيمنا ذي البصيرة النافذة:
وعلى الأفْق، من دماء الشهيديْـ ن عليٍ ونجله شاهـــدانِ
فهما في اوائل الليل نجـــــــــما ن، وفي أخْرياته قمـرانِ

ويبرز من بين رجال النهضة الحسينية بطل ينبغي للناس، في كل زمان ومكان، أن يعرفوه حقّ المعرفة وينفُضوا عن ذكراه غبار الزمن، وعن وجهه غطاء الكفن، وأن يحرروه من حاجز الضريح ونصوص الزيارة ويسمحوا للأبيض والأحمر والأسود والأصفر، من مسلمين ونصارى وهندوس وبوذيين وكونفوشيوسيين وملحدين أن يقفوا عند قدميه ليتطلعوا إلى انوار وجهه الحمراء الطالعة من غرته البيضاء، ويتنشقوا عبير سيرته ليملؤوا صدورهم من اطيب ريح، واصفى نَفَس، وذاك هو البطل العباس بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، حامل راية الحسين الشهيد.

ولم يجيء العباس إلى الدنيا عبثاً ولا ثمرة للذةٍ عابرة بين انثى وذكر في اتصال غريزي شرعي، وإنما أُنْجِبَ قصداً ليكون إنسانا فائقا وفارسا بطلاً جديراً بحمل اسم علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة بنت محمد، وحقيقا بأن يكون أخا للحسن والحسين من امرأة عربية حرة بعد أن كان له محمد بن خولة الحنفية وعمر بن الصهباء الثعلبية، وكانتا أمـَّيْ ولد سَبِيـّتَين. ففي ما روى ابن عنبة [ ابو العباس احمد بن علي، 748-828 هـ / 1347-1424 م] في عمدة الطالب أن «أمير المؤمنين علياً (ع) قال لأخيه عقيل [بن أبي طالب، ت 60 هـ / 680 م] – وكانَ نسّابة عالِما بأنساب العرب وأخبارهم -: «أنظرُ إلى امرأة ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً». فقال له: «تزوج أمَّ البنين الكلابية؛ فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها». فتزَوَّجَها».

وأم البنين فيما روى ابن عنبة أيضا كُنيةٌ لفاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن أبي بكر بن هوازن، وكانت ديارهم في خبر ابن خلدون حمى ضربة، وهي حمى كلب، وحمى الرّبذة في جهات المدينة وفدك والعوالي وكلها متقاربة كما أفادنا ياقوت الحموي. وكان من شرف هذه المرأة الكلابية أنها لم تكن منسوبة في الرجال فقط، وإنما ذكر المؤرخون من امهاتها وجداتها عشرا من الاصائل سبع منهن كلابيات مثلها. وأمها الثامنة من اسد خزيمة وأمها التاسعة من فزارة وأمها العاشرة من غَطَفان. وكان من اجدادها الكلابيين الفرسان الطـُّفَيل بن مالك الأحزم رئيس هوازن وفارسها الملقب بفارس قُرْزُل [وكان جوادا أصيلاً] وأبو الطـُّفَيل معاوية بن عُبادة بن عقيل فارس الهوازن. وفوق هذا كانت جدة العباس بن علي لأمـّه مباشرة «ليلى بنت السُّهيل بن مالك»، وهو ابن أبي برّة بن عامر الملقب بملاعب الأسنّة [= الرماح]. وفي عامر هذا قال أوس بن حجر [بن مالك التميمي، ت نحو 2 ق. هـ/ 620 م]:
ولاعبَ أطراف الأسنّة عامرٌ  فراح له حظُّ الكتيبة أجمع
وكان عامر «احد ابطال العرب في الجاهلية … وأدرك الاسلام وقدم على رسول الله بتبوك. ولم يثبت اسلامه» وتوفي نحو سنة 10 هـ / 631 م.

وكان في كِلاب أعلام اخرون، ومنهم لبيد بن ربيعة بن مالك العامري الشاعر احد اصحاب المعلقات [ت 41 هـ / 661 م]، ومطلع معلقته قوله:
عفت الديار محلّها فمقامها  بمِنىً تأبّد غوْلها فرجامُها

وعوداً إلى العباس بن علي، ذكر ابن سعد في طبقاته أنه كان عند اغتيال ابيه [40 هـ / 661 م] صغيرا «فلم يستأنِ [= يحن] به بلوغه» بمعنى أنه كان دون الحلم في نحو الرابعة عشرة من عمره. وهكذا ولد العبّاس في نحو سنة [26 هـ / 647 م] لأوائل ايام عثمان [حكم 23 – 35 هـ / 644 – 656 م] وكان ذلك في المدينة كما لا يخفى.

وقد وُصِفَ العباس بن علي بأنه «كان رجلاً وسيماً جميلاً يركب الفرس المطهّم [= التام الحُسن] ورِجلاه تخُطـّان في الارض» من طوله. وكان، لجَماله، وربما لاستدارة وجهه وبياضه أيضاً يقالُ له «قمر بني هاشم».

وواضح أن علي بن أبي طالب أراد للعباس أن يكون سَنَداً وقوة لأخويْه الحسن والحسين بعد موته، كما كان لهما محمد بن الحنفية في حياته.

ولم تعقب فاطمة الكلابية العباس فقط وإنما ولدت بعده ثلاثة اشقّاء له هم عبد الله [ولد 36 هـ / 657 م]، وعثمان [ولد 39 هـ / 659 م]، وجعفر [ولد 40 هـ / 661 م]. وكان جعفر بن علي في التاسعة عشرة من عمره لمّا شارك في معركة الشرف والفداء في قول أبي الفرج الاصفهاني. وهذا يعني أنه كان جنينا في احشاء أمّه لدى اغتيال ابيه في 21 رمضان سنة 40 هـ / 28 كانون الثاني 661 م، وأنّ أم البنين فاطمة [الثانية] كانت عند علي منذ بنائه بها في المدينة في نحو سنة 25 هـ / 646 م ثم تحوِّله إلى الكوفة حتى لحاقه بربّه.

وذكرَ الرواةُ، ومن اولهم المصعب الزبيري في نسب قريش، أن العباس بن علي تزوج من بين اشقّائه وحده وكانت زوجته لُبابة بنت عبد الله بن العبّاس بن عبد المطلب، وتولى هذا اليمن لعليّ وكان في جيش الحسن وتوفي بالمدينة سنة 87 هـ / 706 م كما في نسب قريش أيضا (ص 87). وخلّف العباسُ بن علي عبيد الله الذي حفظ نسله ونشر أَصالته وبسالته. 

ولما احتاج الحسين إلى نصرة إخوانه وأرحامه وأَصحابه ومواليه لمؤازرته في حركته البطولية المعروفة، أجابه جماعة وتخلَّفَ عنه أخواه محمد بن الحنفية [21 – 81 هـ / 642 – 700 م] وعمر بن الثعلبية [توفي قبل 96 هـ / 714 م عن نحو 76 سنة]، لكنّ العباس بن علي وإخوته الثلاثة جميعاً اجابوا أخاهم استجابة لداعي الوفاء والشجاعة والإباء كما ذكر ذلك الطبري والمؤرخون الآخرون نقلاً عن أبي مِخْنَف [لُوط بن يحيى الأزدي، توفي 157 هـ / 774 م] صاحب مقتل الحسين الذي لعبت به الأيدي حتى أخرجته عن أصله.

ولجلاء بطولة العباس بن علي بن أبي طالب لا بد لنا من استعراض مظاهرها في هذا الوقت الحرج الذي يندر صبر الرجال فيه.

فأوّل مواقف البطولة عند العباس، برواية أبي مخنف، قد تجلّى حين عُزِلَ جيش الحسين بعيدا عن الماء وبدأت عوامل العطش تعمل عملها في النساء والأطفال والرجال وذلك في السابع من المحرم. في هذا اليوم دعا الحسين «العباس سن علي بن أبي طالب أخاه فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلا [تشكِّل أكثر من نصف جيش الثوار] فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلاً واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجَمَلي [احد قادة الحسين] … فلما دنا منه اصحابه قال لرجاله: املأوا قربكم، فشدّ الرَجّالة فملأوا قربهم، وثار إليهم عمرو بن الحجّاج [احد قادة الجيش المقابل] وأصحابه. فحمل عليهم العباس بن علي ونافع بن هلال فكفُّوهم، ثم انصرفوا إلى رحالهم، فقال: امضوا ـ ووقفوا دونهم ـ … وجاء أصحاب حسين بالقرب فادخلوها عليه…».

وأما الموقف الثاني فقد كان مساء اليوم التالي حين خيَّر الحسين أهل بيته وأصحابه في النجاة بأنفسهم من القتل، وقال لهم «هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، ثم ليأخذ كلٌّ منكم رجل من أهل بيتي. تفرقوا في سوادكم [= قُراكم] ومدائنكم حتى يفرّج الله؛ فإنّ القوم انما يطلبونني، ولو قد أصابوني لهوْا عن طلب غيري». فكانت النتيجة أن قال له اخوته وأبناؤه وبنوا اخيه [الحسن بن علي] وابنا عبد الله بن جعفر:
«لِمَ نفعل؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك ابدا». وكان الذي قاد هذا الرأي وبدأه وهمَّ بهذا القول العباس بن علي أيضا ـ وإن كان اخوانه مثله في الحماسة والعزم.

وفي اليوم التالي [التاسع من المحرم] ضَرب العباس وأبناء أم البنين فاطمة مَثَلاً آخرَ في البطولةِ وذلك حين صدر الأمر من عبيد الله بن زياد بن ابيه بتولية شَمِر بن ذي الجوْشن الكلابي قيادة العسكر ـ وكان من عشيرة أم البنين والدة العباس و «قام هو وعبد الله بن أبي المُحِل بن حزام بن خالد ـ وكانت عمته أم البنين ابنة حزام عند علي بن أبي طالب عليه السلام» فقال عبد الله لعبيد الله بن زياد عامل الامويين على العراق والآمر بالحملة : اصلح الامير إن بني اختنا مع الحسين؛ فإنْ رأيت أن تكتب لهم أماناً فعلت. قال [عبيد الله بن زياد]: نعم، ونعمة عين، فأمَر كاتبه فكتب لهم [= للعباس وإخوته الثلاثة] أماناً فبعث به عبد الله بن أبي المُحِل مع مولى يقال له  كُزْمان فلما قدم عليهم [في كربلاء] دعاهم فقال هذا أمان بعث به خالكم.

فقال الفتية: أقرئ خالنا السلام وقل له أن لا حاجة بنا في أمانكم. أمان الله خير من أمان ابن سميّة [= عبيد الله بن زياد بن سميّة]».

وهكذا أفلت العباس وإخوته الاشقاء فرصة الحياة في الظرف الجديد والموت يزحف زحفا وئيدا لا مزاح فيه.

ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل «جاء شمر حتى وقف على اصحاب الحسين [في خطوط القتال] فقال: اين بنو أختنا؟ فخرج إليه العباس وجعفر وعثمان بنو علي فقالوا له: مالك؟ وما تريد؟ قال «انتم ـ يا بني اختي ـ آمنون»، قال الفتية: «لعنك الله ولعن أمانك، لئن كنت خالنا اتؤمِّننا وابن رسول الله لا أمان له؟»

وبدأت بوادر الهجوم النهائي على معسكر الحسين عصر هذا اليوم حين تسلم عمر بن سعد بن أبي وقاص، قائد الحملة، أمراً من عبيد الله بن زياد بتخيير الحسين وأصحابه بين الاستسلام، دون قيد أو شرط، أو المناجزة. وحيث أن الحسين لم يكن مستعدا بعد للقتال، كلف اخاه العباس بن علي من جديد أن يفاوض القوم لتأجيل القتال إلى اليوم التالي، فنجح العباس في ذلك وكان له ما أراد الحسين ليضيف إلى شجاعته وبسالته قوة عارضة وهيبة ودبلوماسية وقوة إقناع.

وفي المساء عاد الحسين إلى جيشه الصغير يفديه بوجوده ويحثّه على التفرق والنجاة بالنفوس. ومما قاله لهم: «إلا وإني اظن يومنا من هؤلاء الاعداء غدا. ألا وإني قد أذنتُ لكم، فانطلقوا جميعا [انتم] في حِلّ ليس عليكم من ذمام. وهذا ليل قد غشيكم فاتَّخِذوه جملا». في هذه اللحظة انسحب رجل، كان عليه ديْن، بأمر الحسين، لكن سرعان ما انضمّ إليه محاربان من الجيش المقابل هما يزيد بن زياد بن المهاجر والقائد الحرّ بن يزيد الرّياحي الذي وكلت إليه مراقبة تحركات جيش الحسين من قبل كما ذكر الطبري وابن الاثير وغيرهما عن أبي مخنف.

وأخيرا جاء اليوم العصيب في العاشر من المحرم؛ ففي فجره «عبأ الحسين أصحابه وصلّى بهم صلاة الغداة. وكان معه اثنان وثلاثون فارسا، وأربعون راجلاً» كعدَّةِ من بايعوا الرسول  تحت الشجرة وعدّة من اختارهم موسى لميقات الله [الاعراف 5 : 155]؛ فكانت الراية من استحقاق العباس بن علي بن أبي طالب كما كانت لأبيه مع رسول الله من قبل.

وفي هذا اليوم كان للعباس بطولاته أيضاً: إذ تقدم اربعة من اتباع الحسين فقاتلوا «في اول القتال، فشدُّوا مُقْدمين بأسيافهم على الناس. فلما وغلوا [= توغلوا] عطف عليهم الناس [= الجيش المقابل] فاخذوا يحوزونهم [= يحصرونهم] وقطعوهم من أصحابهم غير بعيد، فحمل عليهم العباس بن علي فاستنقذهم، فجاءوا وقد جرّحوا» كما في تاريخ الطبري (5 / 445). وجعل اصحاب الحسين يتساقطون الواحد تلو الآخر، وكيف لا يفعلون وهم اثنان وسبعون وأعداؤهم بقدر عدّتهم سبعين مرة كما في سِيَر أعلام النبلاء للذهبي (3 / 205) والطبري (5 / 200). وكان عمر بن سعد بن أبي وقاص ـ وهو يلاحظ شجاعتهم واستماتتهم في القتال ـ يخشى على اصحابه منهم ويمنعهم من مبارزتهم ومناجزتهم رَجُلاً لِرَجُل، ويأمرهم برضخهم بالحجارة حتى يقعوا ثم يجهز عليهم كما ذكر الطبري أيضا [5 / 448] وكذا ابن الاثير في الكامل [3 / 290 ، 292].

وأخيرا، وقبل أن يبقى الحسين وحيدا قدّم العباس إخوته الثلاثة العزاب إلى ساحة الشرف فقتلوا واحدا بعد الآخر ثم تقدم بعدهم فقاتل حتى قُتِلَ كما قُتِلَ الأبطال من إخوانه وأتباع الحسين. لكنهم لم يسلموا أرواحهم إلاّ بعد أن وردوا ثمانية وثمانين رجلاً من جيش عمر بن سعد موارد الهلكة، سوى الجرحى، وجرعوهم من الكاس التي شربوها.

وبعد، فإن رجلاً كالعباس بن علي بن أبي طالب في شجاعته وبسالته وتحديه للموت ونصرته لما يراه حقاً. إنّ رجلا بطلا كهذا لا يبكى عليه بل هذا حق لأمه التي فقدته وإخوته في غمضة عين وكانت تنوح عليهم في المدينة وتقول محقـّة معذورة:
لا تدعوني ويك أمّ البنـــين   تذكّريني بليوث العــــــــــــرين
كانت بنون لي أدْعى بـــهم  واليوم أصبحت ولا من بنــــين
أربعة هم مثل نسور الرّبى  قد واصلوا الموت بقطـْع الوتين

ووصف ابو الفرج الأصفهاني هذا المشهد المؤثر في مقاتل الطالبيين (ص 85) بقوله: «وكانت أم البنين … تخرج إلى البقيع [مقبرة المدينة] فتندب بنيها مع النادبات ابناءهن أشجى نُدبة وأحرقها، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها؛ فكان مروان [بن الحكم، قبل أن يجليه عبد الله بن الزبير مع الأمويين منها إلى الشام] يجيء فيمن يجيء لذلك، فلا يزال يسمع ندْبتها ويبكي» وهو من هو في شدة قلبه وعنف اعماله!

أما نحن فينبغي أن نفخر ونسمو، فنقول بقول حفيده الفضل بن محمد العباسي:
إنّي لأذكر للعبــــــــــــاس موقفه  بكربلاء ـ وهام القوم تُخْتــــــــطفُ
يحمي الحسين ويسقيه على ظمأ  فلا يولّي ولا يثني فيختــــــــــــلفُ
فلا أرى مشهداً يومــــأ كمشهده  مع الحسين عليه الفضل والشرفُ
أكْرِمْ به مشهداً بانتْ فضيــــــلته  وما أضاع له افعاله خـــــــــــــلفُ

وقال بهذا القول الإمام جعفر بن محمد الصادق [ت 148 هـ / 765 م] لَمـّا وصف العباس بن علي بقوله:
«كان عمُّنا العباس بن علي نافذ البصيرة صَلْب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله [الحسين] وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً».

ونعود نحن فنقول فيه بقول الشاعر العربي:
قَوْمٌ إذا نُودوا لدفع ملمّــــــــــــــــة  والخيل بين مدعّس ومُكرْدس
لَبِسوا القلوب على الدّروع وأقبلوا   يتهافتون على ذهاب الأنفس

وبعد فقد ذكر ابن عنبة، صاحب عمدة الطالب في انساب أبي الطالب، أن العباس بن علي قد أعقب من ابنه الوحيد عبيد الله فكثر عقبه وانتشر في الحجاز ومصر والعراق واليمن والأردن وطبرستان وتركستان وأنحاء أخرى من المشرق وكان منهم الولاة والقضاة والشعراء. وكان فيهم الجمال المفرط والفصاحة العالية والمروءة والسماحة والكرم. كيف لا والعباس من نطفة علي بن أبي طالب ورحم أمّ البنين فاطمة الكلابية مستودع الفضائل العربية.

وقد حفظ عقب العباس لمعقبهم ذكره ففخروا به على طول المدى وكانوا ابتداء من بداية القرن الثالث، فيما ذكر الزبيري النسابة، «يسمّونه السّقاء ويكنّونه أبا قِـربة». وما أحرانا بأن نقيم نحن تمثالاً رمزياً يسجّل هذا الشرف لنرفع في السماء الزرقاء قرْبة حمراء يحميها سيفه الماضي وتنصب منها على الارض ومن عليها مياه الحرية والعزة والإباء، وما أقدر مثّالينا على ذلك اليوم وهم ممتلئو النفوس بمعاني البسالة والإقدام.

والله المستعان.
بغداد 21-11-1984

أحدث المقالات