23 ديسمبر، 2024 7:47 ص

العبودية الاختيارية !

العبودية الاختيارية !

هكذا وصف المفكر الفرنسي ” أتين دي لابواسييه ” حالة الشعوب التي تُستعبد وتُمتهن كرامتها وتُسلب إرادتها وحريتها وتستسلم للطواغيت بشكل مهين فيقول :
(( عندما يتعرض شعب مّا لقمع طويل ، تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية ، وتتواءم مع الاستبداد ، ويظهر فيها ما يمكن تسميته ” المواطن المستقر” هذا المواطن يتسم بقبول الواقع ، وضعف الرغبة في التغيير )) .
المفكر الفرنسي أتين دي لابواسييه (1593) .
وهذا بالضبط ما نعيشه وما نتعرض إليه كعرب وكمسلمين على أقل تقدير منذ قرن !, ومنذ سقوط دولة الخلافة العربية – الإسلامية على أبعد تقدير , والحر تكفيه الإشارة !؟.
يبدو أن الأقدار ورياح التغيير التي هبت على أغلب شعوب الأرض بما فيها القريبة والبعيدة منا في المشرق والمغرب العربيين , وعلى رأسها تلك التي طوت صفحة الخلافات والحروب والاقتتال والتبعية والعبودية , وتحررت من ربق الاستعمار الخارجي والاستحمار الداخلي بأسم الأديان والمذاهب والاثنيات والأحزاب والقبلية والعرقية والعشائرية .. إلخ , وفتحت صفحات جديدة كي تلحق بركب الأمم والشعوب المتقدمة والمتطورة في شتى المجالات بشكل مذهل كأوربا والأمريكيتين ودول شرق آسيا وأستراليا وغيرها , هذه الأمم والشعوب كما هي أوربا الشرقية وروسيا التي كانت تحتلهم على مدى سبعة عقود , وصولاً لتركيا التي تطمح أن تكون خامس أو سابع دولة اقتصادية في العالم مع حلول عام 2024 م , وأخرها جمهوريات الموز كــ ” الصومال وإثيوبيا وبنغلادش وجزر القمر “… والتي هي الأخرى تجاوزت عقد ومخلفات قرون التخلف والحروب لأتفه الأسباب , فبدأت تخطو خطوات حثيثة بإتجاه طي تلك الصفحات السوداء وفتح صفحات جديدة مع شعوبها ومع جيرانها والعالم , وتتجه نحو امتلاك ناصية العلم والمعرفة وجلب الاستثمارات وتأمين الممرات الآمنة بكل أشكالها , وتبدأ رحلتها وخطواتها الأولى من بناء الإنسان كما يجب وكما ينبغي قبل أن تشرع ببناء العمران والأبراج وناطحات السحاب والسراب !؟, ناهيك عن دول بعينها سبقتها بعشرات العقود .. على سبيل المثال وليس الحصر الدول التي خرجت منهكة مدمرة بعد الحرب العالمية الثانية .. كــ اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية , وتايلند وسنغافورة وماليزيا وحتى أفقر وأكبر بلد إسلامي كما هي إندينوسيا جميع هذه الدول والأمم سبقوا العرب بآلاف السنين الضوئية !, بالرغم من أنها .. أي هذه الدول مجتمعة لا تمتلك واحد بالمليار من خيرات وثروات وإمكانيات العرب من المحيط إلى الخليج , بالإضافة لموقعهم الجغرافي الفريد تحت الشمس , بالإضافة للروابط التي لا توجد ولا تتوفر في أي أمة من الأمم التي خص الله سبحانه وتعالى بهه أمة العرب .
لكن يبدو أن سوء حظ وقدر العرب بعد أن تم تغييب عقولهم وتجهيلهم مع سبق الاصرار بمختلف الطرق الشيطانية وعلى رأسها سوء فهم وتطبيق الدين واعتناق المذاهب واتباع الفرق وتقليد وعبادة الأصنام والأوثان البشرية .. وعادوا بسرعة البرق إلى عصور ما قبل التجهيل والجاهلية الأولى وإلى سيادة شريعة الغاب . لقد أثبتت الواقع على الأرض بأن هذه الشعوب باتت مسلوبة الإرادة وغير قادرة حتى عن الدفاع عن نفسها وعن وجودها , ناهيك عن غياب الوعي القومي والوطني وفقدوا البوصلة تماماً , حتى صارت بعض الشعوب تتندر وتضحك عليهم وتضرب بهم الأمثال , بسبب سكوتهم وخنوعهم وتقاعسهم تجاه تأدية أبسط واجباتهم الإنسانية , وعدم رفضهم للغزاة والمحتلين وأدواتهم المستبدين .
لا نبالغ إذا قلنا بأن شعوبنا العربية من المحيط إلى الخليج أصبحت غثاء كغثاء السيل كما وصفها سيد الخلق نبينا محمد ( ص ) , وأخبرنا بأنها ستكون هكذا في آخر الزمان , وكما يبدو أننا أصبحنا نعيشه بأدق تفاصيله المأساوية .. للأسف عندما نقرأ التاريخ العربي المشرف حتى قبل الإسلام نخجل من وضعنا وواقعنا المزري والمخزي , وكيف سمحت وتسمح هذه الأمة بأن تستباح وتمتهن كرامتها بهذا الشكل من قبل حفنة مارقة من شذاذ الأفاق المارقين والمأتمرين بأوامر أسيادهم والمتحكمين بمصير وبأرواح ومستقبل أكثر 400 مليون عربي , وأكثر من مليار و700 مليون مسلم , وينهبون ويبددون خيرات وثروات الشعوب , التي أصبحت وقود لحروب أمريكا الكونية كي تحكم قبضتها وتسيدها على العالم بأموال ودماء العرب .
تنابلت الحكام العرب عندما يحصرون في زاوية ضيقة يعلقون كل فشلهم وخيبتهم وحتى جرائمهم بحق أنفسهم وبحق بعضهم البعض بما فيها حياكة الدسائس والفتن والمؤامرات والاقتتال الطائفي الدائر الآن في جميع الدول العربية إلا ما رحم ربي , والقتل المروع والتجويع والتهجير والتغييب القسري الممنهج … كل هذه وغيرها من الأمور التي يطول سردها لابد أن يبحثوا لها عن مبرّر , فيجدوا ضالتهم ليعلقول كل هذا الفشل والتردي والتخلف على شماعة كل من : أمريكا وإسرائيل وإيران وروسيا وغداً ربما على الصين الشعبية التي غزت العالم اقتصادياً بشكل غير مسبوق … بما فيها حياض الأمة العربية التي بات كطامها الأشاوس يدفعون الجزية مقابل توفير الحماية لعروشهم !!!, فعلى سبيل المثال وليس الحصر فقط في دويلة عربية صغيرة كما هي الكويت سوف تستثمر الصين نصف ترليون دولار أي 500 مليار دولار في جزيرة ” بوبيان ” لوحدها ؟!!!؟ وربما غداً ستشتري العراق من أمريكا بكم ترليون دولار من يدري !.
نافلة القول : بما لا يدع مجال للبس والشك وبكل شفافية وديموقراطية باتت الأمور بشكل رسمي تتجه نحو بناء عالم غاب جديد وشرق أوسط تقطنه شعوب هجينة ومهجنة بليده لا يهمها من يستعمرها ويستعبدها مقابل تأمين لقمة العيش فقط , ويبدو أن الأمة العربية باتت في حكم المؤكد كغنيمة وفريسة سيتم تقاسمها بين اللاعبين الكبار بالضبط كما تم توزيع تركة الخلافة الإسلامية في الأندلس ومن ثم في بغداد بعد عام 1258م , والحكم العثماني بعد عام 1922م , بين الأسبان والبرتغاليين والهولنديين والبريطانيين والفرتسيين ومن ثم أسياد العالم الجدد الأمريكان والصينيين وحتى الهندوس !, وها نحن نعيش آخر مرحلة من مراحل التردي العربي ونقف جميعاً موقف المتفرج كشهود زور على توزيع وتقاسم تركة الجمهوريات والمملكات والإمارات والسلطانات والمشايخ والضيعات والأقطار والأمصار العربية الواحدة تلو الأخرى وكما بدات بالأحواز .. ستنتهي بتسليم مكة والمدينة كما يطبخ الآن بخازوقجي جديد !؟, بل وحتى الممتلكات الخاصة والأرصدة الخرافية في الحسابات البنكية في البنوك الغربية لأغلب الملوك والسلاطين والقادة والزعماء والعوائل الثرية العربية من الأولين والآخرين … الآن يتم وضع اللمسات الأخيرة على تقاسمها والتفاهم عليها وتوزيعها كحصص وتعويضات مستحقة بين الدول الفاعلة على الساحة التي حاربت وتحارب الإرهاب العربي – الإسلامي المزعوم منذ عام 2001 م , وحتى تحرير الحديدة في اليمن التعيس !؟, ولمن لا يعرف أو نسى أو يتناسى … هذه الدول أو القوى المتحكمة عسكرياً واقتصادياً في العالم .. هي نفسها التي تحتفل اليوم في العاصمة الفرنسية ” باريس ” 11 / 11 / 2018 .. بمناسبة مرور قرن كامل على نهاية الحرب العالمية الأولى , وتحتفل وتستقبل وترتب أوراق قرن جديد استطاع قادتها وزعمائها ومفكريها ومخابراتها وحلفائها التقليديين بكل عبقرية ودهاء منقطع النظير أن يستحوذوا على عقول وإرادة وحاضر ومستقبل وخيرات وثروات ومقدرات أمة كانت بالأمس القريب تسمى ” الأمة العربية “, أصبحت في خبر كان بعد أن تخلصوا من خيرة أبنائها وقادتها وزعمائها الذين ناضلوا وجاهدوا وأفنوا شبابهم وشيخوختهم وضحوا بكل ما يملكون ويستطيعون وبذلوا كل ما بوسعهم وحاولوا بشتى الطرق والوسائل إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتدارك وتلافي الأمور وجمّع و لمّ شمل أطراف وشتات هذه الأمة … لكنهم للأسف خذلوا وتم الغدر والوقيعة بهم من قبل أهل الغدر والخيانة بشكل بشع وشنيع , والذين باتوا هم أنفسهم الآن يبكون على الأطلال ويندبون حظهم التعيس , وجاء الدور عليهم , وهو حسب كل المعطيات والمؤشرات قاب قوسين أو أدنى , واقترب الوعد الحق , وكما تدين تدان !, ومن حفر بئر لأخيه وقع فيه , وها هو حبل المزبلة بات يقترب منهم ويضيق الخناق عليهم يوماً بعد يوم … بطرق وأساليب وافتعال أمور وطرق شيطانية خبيثة ودونية وخسيسة نترفع عن ذكرها .. والحر تكفيه الإشارة أيضاً .