23 ديسمبر، 2024 4:04 م

العبقرية الطيبة عند روسو وتشكيل الإنسان الحديث

العبقرية الطيبة عند روسو وتشكيل الإنسان الحديث

” هناك وجوه أكثر جمالا من الأقنعة التي تغطيها”[1]

استهلال:

يُنزّل البعض الفيلسوف جان جاك روسو( 1712-1778) ضمن الاتجاه العلمي المادي والموجة الإلحاديةالمعادية للدين وضمن الفكر التحرري الفرداني الذي نفخ في روحه العديد من الموسوعيين مثل دالمبار وفولتير ودولباخ وديدرو وهلفسيوس وكوندرسيه ومونتسكيو وأوغست كونت ودي مالي وميلز، ومثل هؤلاء يبررون هذا التنزيل بالانطلاق من قرائن السياق المعرفي العام الذي شهده ذلك الزمان وانتصاره اللاّمشروط للعلم والفن والعاطفة والثروة والتشجيع على تحرير الجسد والاحتفال بالقيم الدنيوية ، علاوة على أنهم يعززون تلك الفرضية بالتطرق إلى تأثير الشخصية العبثية ساد في الكتابات الروسوية.

غير أن هذا الرأي على ما فيه من وجاهة ومعقولية يطمس جملة المفارقات والاحراجات التي يثيرها فكر روسو ويسقط في القراءة التاريخية الفضفاضة التي تعمم ماهو جزئي وتضخم ماهو هامشي ويهمل الطابع الإشكالي الذي طرح به هذا الأناسي أسئلته وعالج به قضاياه وترصد من خلاله مغاور الذات البشرية وفتح لها أبواب الحريات والتنوع والتكاملية.

لقد أدخل روسو نوع من سوء النية في قلب الضمير الغربي السعيد بالسيطرة على الطبيعة ودخول زمن التصنيع وكشف عن قبح الثورة العلمية وبؤس الحالة السياسية التي وصلت اليها أوروبا في ظل الملكية وهمجية التقدم التقني في عصر نهوض الإنسان نحو مواجهة مصيره المحتوم واستماتته في تحدي قدره الوجودي والدفاع عن قيمه الإنسانية الجديدة.

ما أنجزه روسو وما فكر فيه وما قاله هو أمر غير قابل للاختزال irréductible إلى مجرد نسق مغلق من المبادئ والعناصر والوصايا والألواح وذلك لما تميز به فكره من صيرورة وكثافة عبقريته وخصوبة مادته المكتوبة وغزارة إنتاجه وتعقد أسلوبه وغموض عبارته وطرافة فكرته وحدة سخريته وجدة نظرته وصرامة لعبه وشفقة أخلاقه وسياسة تربيته ودسامة روايته.

ما يبعث على الدهشة عند العقول الحرة أن روسو قد جعل من الخطأ طريقا للبحث عن الحقيقة ومن المرض سبيلا لإطلاق ملكة التخيل ومن السفر دربا لتكثيف الرغبة والحلم ومن العاطفة قصة فلسفية ومن الإنسان مطية للتكاملية، وان ما قد يعيد الثقة والطمأنينة إلى القلوب المتقدة هو مقدرته البارعة على الإبداع والخلق وعلى تشخيص العلل و توصيف الحلول، اذ يحسب له جعل العقد الاجتماعي الفعل الذي يصبح به الشعب شعبا وتشكيل ملامح الإنسان الحديث وفق فضيلة الطيبة وتوجيه أنظار الفلسفة نحو تدبير المدينة وقول كل شيء تقريبا حول الأنوار الخادعة واقتراح طريق جاد نحو الأنوار الحقيقية. و”اذا تناقض الشارحون فلأن روسو لم يقم الا برسم امكانية التأليف التي ستبلور الوحدة المفقودة”[2].

حري بنا أن نتساءل حينئذ:ما الذي يبرر العودة إلى شخصية جان جاك روسو ويُشّرع التذكير بالنص الروسي اليوم في القرن الواحد والعشرين بعد مرور حقبة زمنية مهمة عن وفاة هذا العلامة الحداثي؟ وكيف مَثَّل هذا العبقري الطيب أحد جسور عبور أوروبا والعالم بأسره من عصر النهضة والإحياء الديني إلى الحداثة والتنوير على صعيد الفلسفة والسياسة والتربية والأدب والعلوم والفنون؟وهل يمكن إعادة قراءة كتاب “العقد الاجتماعي” و”خطاب في أصل المساواة بين البشر” و”أيميل” على ضوء التحولات والثورات التي حصلت في الفكر السياسي والحقوقي المعاصر؟ وماهي مساهمة روسو في معارضة النظام الاجتماعي والسياسي القائم وفي تشجيع الاتجاهات الثورية الجديدة وتطوير أفكارها في التنمية الاجتماعية والحراك الطبقي وفي تطهير السلوك الأخلاقي للناس من النفاق الديني؟ والى أي مدى يكون بالفعل قد مهد بكتابته “أحلام يقظة للمتجول الوحيد” عام1778 و”جوليا أو هولويزا الجديدة” عام 1761 لقيام الحركة الرومنطيقية؟ وهل تأثر زعماء الثورة الفرنسية والمفكرين الاشتراكيين والشيوعيين بأفكار روسو السياسية التي تنقد الملكية الخاصة والسلطة المطلقة والتعصب الديني؟ وما الذي دعاهإلى التبشير بالإرادة العامة وحكم الشعب والنظام الحرية والديمقراطية كبديل عن القيم التقليدية للعالم القديم؟وكيف ابتكر في اعترافاته أسلوبا جديدا في التفلسف يبتعد عن الصرامة المنهجية والعقل والتفكير ويعتمد على الحب الحقيقي ووصف الطبيعة ويغلب العواطف والمشاعر والرغبات الشاعرة والتلقائية الحالمة؟ وما تأثير صداقته للفيلسوف الانجليزي دافيد هيوم في حياته وفكره وفلسفته؟

إن ماهو في ميزان الفكر وما نطمح إلى تحقيقه هو تخطي التصورات التبسيطية التي تنسب لروسو بكون الإنسان  طيب بطبعه وحر في وضعه الأصلي وأن التقدم العلمي والحضاري هو الذي أفسده وأنتج اللامساواة وان حالة الطبيعة هي العصر الذهبي للبشرية والانتباه إلى أنه أول من قال بأهمية التاريخ والرغبة والتكاملية Perfectibilitéفي تحصيل الشفافية transparence  التامة بين الفردي والاجتماعي وتشييد سيادة المرء لنفسه على مبدأ الإختيار الحر وتركيز القانون وسيادة الشعبوالإرادة العامة كمبادئ تكوينية للديمقراطية الجمهورية.

1-   روسو أديبا:

” لم أكن قادرا البتة على امساك القلم باليد وجها لوجه مع الطاولة وورقتي، اني أكتبت في دماغي عند التنزه وسط الصخور والأخشاب “[3].

كان روسو رجل آداب بامتياز ولذلك اختار طريق العاطفة والانفعال وأنصت الى صوت الضمير والاحساس وأطلق العنان للخيال والحلم والتأمل وعرف عنه عشقه للطبيعة وهيامه بالمرأة والفنون والجمال والانشغال بالشعر والأدب والموسيقى والبحث عن الحقيقة وكان مرآة عاكسة لزمانه وعبر بصدق عن هموم مجتمعه وتطلعات أبناء جيله بأسلوب ساحر .

لقد جعل روسو من الأدب اللغة التي يتكلم بها الفكر واستعمل الفن من أجل نقد الدين ووظف الفكر الفلسفي من أجل محاربة قيم وبنى المجتمع التسلطي الذي ورثته البشرية عن الحقب التاريخية القروسطيةالبائدة وما اتسمت به من عبودية واقطاع وهرمية وتراتبية اجتماعية. كما بث روسو روح الثورة في نصوصه القصصية وحلم بعالم أرحب للغد أكثر من انشدادهالى موروث الماضي وحراسته للراهن المتوتر ولذلك كان سباقا في المطالبة بالتغيير والدعوة الى الابداع والتمرد على الأطر الضيقة والقوالب الجاهزة والقطع مع السائد.

على هذا النحو تكمن قوة الخطاب الأدبي عند روسو في غزارة المخيال ودفء العاطفة وتوهج الأهواء وكثافة الاحساس بحيث لا شيء يثير انتباهه ويدفعه الى التوهج الابداعي سوى أس الأشياء وشرعيتها وحضن الظواهر ومظهرها وقد يسر له ذلك تفجير الحداثة الأدبية بواسطة منزع فني معاد للعلم والتقنية في عصره وعن طريق أسلوب شاعري وتعبير وجداني وشعر رومنطيقي أقرب الى الاعترافات الدينية ومناجاة النفس وانتفاضة المتوحد  منه الى الحوار الفلسفي والتأملالميتافيزيقي مثلما كان الأمر عند ديكارت ومعاصريه.

لقد جمع الخطاب الروسوي بين الفنون والعلوم وحاول التأليف بين المعرفة التاريخية والرؤية الشاعرية وانساق وراء تدفق الخواطر وتوجيه المظاهر للأحاسيس وحاول النظر الى اعتقاداته بنوع من نية حسنة وخضع لأسطورة الشفافية وانقاد للانكشاف والتجلي على الرغم من التمزق الداخلي والاحساس بالعزلة والتحلي بحكمة الصمت وقوة التعبير.

من المعلوم آن روسو آمن بوجود رهانات كثيرة يجنيها الانسان من اشتغاله بالموسيقى واقباله على المسرح على مستوى الجسد والروح على السواء ولذلك احتمى بالحلم في “هوليوز الجديدة” والوحدة في “الأحلام” ولذلك لم ينقطع عن بعث الرسائل الى أصدقائه وأقربائه ومعجبيه والتواصل مع العالم الخارجي على الرغم من غوصه العميق في عالمه الباطنيوالاحتماء بالعزلة من سوء المعاملة وسوء الفهم وصعوبة التواصل مع المجتمع.

لقد رسم روسو بيده البريئة صورة مطابقة جميلة عن الانسان عندما جعله حساسا وطيبا ووفيا ومخلصا ومشفقا ومحبا وربما تجاهل البعض اليوم ذكره هو دليل على أن العولمة ذهبت أبعد بكثير مما اقترحه عن الطبيعة البشرية وأنها لربما رسمت بأقدامها صورة كاريكاتورية منفرة عن انسان كاذب وشجع ومؤذي وضار وعنيف وأناني.

 انه” من المؤكد اذن أن الرأفة هي الاحساس الطبيعي الذي يخفف في كل فرد من نشاط حبه لذاتها ويسهم في تبادل المحافظة على النوع برمته”[4].

على هذا النحو تبدو مظاهر الازدهار والرخاء والفن والعلم والتقنية والتمدن والتحضر منالأمور الجيدة والمطلوبة ليتم القضاء على ما في قلوب الناس من قسوة وتوحش نسبة الى المزاج البهيمي للكائن والتخلص عما في عقولهم من خرافة وجهل نسبة الى البؤس الاجتماعي الذي يعاني منه ولمحاربة تخشب الاحساس وجفاف العاطفة وغياب الرأفة.

غير أن ثمن الحصول على ذلك يكون باهضا ويؤدي الى برود الأنفس وفقدان البراءة وتصلب العاطفة وفراغ الوجدان والاضرار بالطبيعة وفقدان ملكة الذوق والعجز عن الاحساس بالحياة والضياع في كون أصم وعالم صفيق وفي مجتمع لا يرحم ولا يشفق.

لكن ماهي المبررات التي دفعت روسو الى الانتقال من دنيا الأدب الى عالم الفكر والفلسفة؟

2-   روسو فيلسوفا:

“ان الناس اذا كانوا في حاجة الى الكلمة ليتعلموا التفكير فإنهم في أشد الحاجة لمعرفة التفكير لكي يجدوا فن الكلام”[5]

ظل روسو حاضرا بشكل متواصل في دائرة النقاشات الفلسفية بفضل الكتابات السهلة التي تركها والتي قربت الفكر من الجمهور وجعلت الأدب يتدخل في الواقع ويؤثر في الناس ولكن السبب الأول الذي يقف وراء ذلك هو تدخله الخطير في الصراع بين التقليديين والمحدثين وتبنيه نظرة مضادة للتنوير ورفضه لفكرة التقدم التراكمي للمعرفة والتقنية والمنفعة وتشكيكه في عقيدة الأنوار كما شاعت في عصره. فهل كان روسو معاديا للثورة ومحافظا أم تبني نهجا اصلاحيا وآمن بالتربية والتحضر والتثقيف والاكتمالية بالنسبة للنوع البشري؟

لقد كشف روسو عن عورات الحداثة العلمية والتقدم التقني باكرا وأيقظ الضمير البشري عن الجنون الذي يمكن أن ينتجه العقل والهمجية التي قد تخلفها الحضارة ووجه سهام نقده الأخلاقي نحو مظاهر الفساد الاجتماعي والاقتصادي وأرجع ذلك الى جشع دعاة الملكية الخاصة وتفشي التدين الكهنوتي وهيمنة الاستبداد والطغيان واللامساواة على المجتمع.

 لقد فقد روسو الثقة في امكانية أن تقدم الأنوار خلاصا روحيا وانعتاقا وجوديا للنوع البشري من كل أشكال الظلم والفقر والمرض والحرمان وارتاب من أن تنتج الحداثة العلمية المزيد من التعاون والتعاطف بين البشر وأن تقوى مشاعر الصداقة والاجتماعية والايثار بين القريب والغريب وبين الأهلي والأجنبي، ولكنه أصيب بخيبة أمل وتبين له أن غرابة الانسان عن الانسان اتسعت والفوارق ازدادت ومساحات اللاانسانية والعبودية قد تعاظمت ولذلك نراه يبحث بعمق عن تصحيح أوضاع حركة التنوير وابداع التنوير الأصيل ويراوده الحنين البدائي نحو حالة الطبيعة بوصفها العصر الذهبي للبشر.

لقد تبين لروسو أن فلسفة التنوير كانت ايديولوجيا في خدمة الطبقة المسيطرة وأن الناس بقوا دون فلسفة يعبرون بها عن ذواتهم وحريتهم خارج اطار نسق الهيمنة التي تفرضه البرجوازية وأنه هو الذي سيبدعها في اطار عصر التنوير الذي يعيشه وضده في الآن نفسه.

ان الفلسفة الجديدة هي “فن تبادل الأفكار بين الشخاص وايجاد تواصل بين العقول” وهي نظرية حالمة تبحث عن مصالحة الشعب مع نفسه وتفاهمه مع الطبيعة وارضائه لحاجياته وتناغمه مع مكوناته وتقاوم الموجة التحررية في الاقتصاد التي تعلي من شأن المال والثروة والجري وراء الربح والتملك وما تنتجه من حروب وعنف وهيمنة على الانسان والطبيعة.

من هذا المنطلق يكشف روسو عن كلمة السر هذا الانحطاط بقوله:”ما ان أخذ الناس يتبادلون التقدير وما ان استقرت في أذهانهم فكرته حتى ادعى كل منهم أن له الحق في ذلك، ولم يبق في الامكان الاخلال بهذا الحق تجاه أي كان من الأفراد دون التعرض لما لا تحمد عقباه”[6].

عندئذ رفض تعريف الانسان بالانطلاق من بحثه الدؤوب على المصلحة والنجاح والرفاه وحرص على الاعتبار والتمييز واثبات وجوده الأكمل والمحافظة على بقائه وفضل عليه تعريف بالانطلاق من الطيبة والضمير والرغبة، ورفض كذلك التقسيمالتراتبي الأرسطي للإنسان بين السادة والعبيد والمفضي الى اعتبار الغبودية أمر طبيعي وأثبت ماهو خلاف ذلك وهو الحرية الطبيعية من حيث المبدأ والحرية السياسية من حيث المبتغى والايمان بالعدالة الاجتماعية والمساواة الطبيعية بين الناس، كما فسر وقوع الناس في العبودية بالجبن والجهل والخوف من جهة واستعمال القوة والحرب وحب التملك من جهة أخرى.

ان الحضارة تجعلنا نعيش خارج ذواتنا وخارج وجودنا الخاص ولكنا تضللنا وتضعفنا وفي النهاية تقتل هذا الاحساس بالوجود الذي هو الشيء الوحيد الذي يجعل الحياة امرا مرغوبا. صحيح أن هذه التصورات غير منسجمة مع السياق الذي وجدت فيه ولكنها تعبر عن موقف من واقع انساني يحدث في كل زمان ومكان وبشكل دائم وعن حال يمكن أن يحدث لأي مجتمع اذا ما تم تغليب النزاع  والحرب على السلم والمحبة. لكن أليسللانسان” أفضل الحرية مع الخطر على السلم مع العبودية”[7]؟ واذا كان المنزع الحسي هو الغالب على روسو فأين سيظهر مجهوده العقلاني؟ وكيف أمكن للبعض اعتباره رائد الحداثة السياسية والتنوير؟

3-   روسو سياسيا:

“ما من انسان ملزم بالطاعة الا للسطات الشرعية”[8]

ان فيلسوفنا هو انسان اعتقد جازما في الانسان وحرص على التعبير عن انسانيته وكشف ملامحها وتحقيقها ولذلك توجه رأسا الى ما يمثل لب هذا الكائن الآدمي وأساس الرابطة التي تجمعه بغيره من بني نوعه وبالطبيعة ألا وهي السياسة ولذلك كانت نظريته الفكرية في معظمها فلسفة سياسية واشتهر عنه أنه كان مفكرا سياسيا أكثر من كونه فيلسوفا.

من هذا المنطلق يعتبر روسو صاحب الأفكار السياسية الأكثر خطورة في تاريخ الفكر البشري التي أقضت مضاجع المستبدين وحجمت دورهم وحطمت حصونهم الآمنة وزرعت قيم الحرية والعدالة والمساواة في الحياة الانسانية وأرستمبادئ العقد الاجتماعي وسيادة الشعب وحكم الأغلبية وحقوق الانسان والارادة العامة في الجسم السياسي السوي الى الأبد.

لقد كان هذا المنظر المختلف الذي تخيله روسو قريبا من حلم الثورة خاصة حملته الشديدة على أصول اللامساواة بين البشر وتعريته لمنابع الاستبداد وكرهه الشديد للملكية الخاصة والتحالف القائم بين الكنيسة وبقايا الاقطاع والنبلاء ولذلك حرص على استبعاد القوة من الأسلوب السياسي في تنظيم الشأن العام قدر الامكان تفاديا لإمكانية تحوله الى سلطة قسرية وحكم تسلطي ودافع على حكم بالقانون وحث على سن الدساتير واعتماد مبادئ الحق ضمن مؤسسات يسيرها ممثلي الشعب المنتخبين بكل حرية وتشتغل باستقلالية عن بعضها البعض.

ان قانون الهيمنة التي تتحكم في عقول وأبدان الأفراد يفضي الى أن الطبقة السياسية في كل مجتمع تفضل الأغنياء على الفقراء وتساعد الفئة الحاكمة على تنمية ثرواتها والمحافظة على ممتلكاتها في حين تهمل الفئة الشعبية وتبقيها على حالة من التردي والاحتياج وتغض عنها الطرف بل وتضع نفسها على ذمة الأغنياء ضد اعتداءات الفقراء واحتجاجاتهم.

 لقد كان روسو مع قوى التغيير الاجتماعي وآمن بالطفرة الحقوقية والاصلاحات الدستوريةودعا الى قيام مؤسسات تفصل بين المجال العام والمجال الخاص ولكنه لم يكن مؤيدا للتمرد والعصيان لأنه يؤدي حسب رأيه الى الفوضى وممارسة العنف الأعمى ويعطي الحجة لدعاة الحكم المطلق لكي يكرسوا الهيمنة الشاملة من طرف المجتمع السياسي على المجتمع المدني.

غير أن الاشكال الذي يطرح في هذا المقام هو:هل كان روسو يرمي الى ايقاف الهيمنة الاجتماعية في حدها الأدني طالما أن الاجتماعية تقتضي ترتيبا سياسيا طبقيا وطالما أن هذا الترتيب يقتضي ممارسة للهيمنة من طرف فئة حاكمة على الأغلبية المحكومة؟

ماهو متعارف عليه أن روسو أراد أن يضع تمرينا سياسيالم يكن موجودا في عصره وسعى الى صياغة تجربة حقوقية تأسيسية غير مألوفة ويكون بذلك قد عبر عن وعي الطبقة الناشئة بنفسها وما يلفت الانتباه حقا هو أن أحداث التاريخ وما وقع من تغيرات في الحياة المدنية بعده قد أثبتت صدق نبوته وترجمة أفكاره في الواقع وتحولت افتراضاته الى هيئات مدنية.

غني عن البيان ان روسو يعد واحدا من الفلاسفة الذي أكدوا على أهمية فضيلة الحرية في حياة الفرد والشعب ولذلك كانت هذه القيمة حجر الزاوية في بنيانه الفكري والنواة الاشكالية للنسق الحقوقي الذي يقترحه كبديل مجتمعي للنظام السياسي الفاسد الذي عاصره.

هكذا وضع جان جاك روسوالحرية صفة أساسية للإنسان، وحق غير قابل للتفويت، وذلك لأنه إذا تخلى الإنسان عن حريته فقد تخلى عن إنسانيته وعن حقه كإنسان” وحتى اذا استطاع الانسان أن يتنازل عن نفسه فإنه لا يستطيع أن يتنازل عن أولاده، فهم يولدون أحرارا وحريتهم ملكهم وليس لأحد سواهم حق التصرف فيها,”[9]،وقد طالب منظر الفصل بين السلطات والسيادة الشعبية والتسامح الدينيوالدولة الديمقراطية بأن تولد الحرية الحقيقية مع ولادة دولة القانون وأن تعمل هذه الأخيرة على ضمان حرية مدنية تتساوى أو تفوق مع الحرية الطبيعية التي كان الانسان يتمتع بها في حالة الطبيعة طالما أن الانسان ولد حرا ولكن كبلته فيما بعد أغلال طبقية المجتمع وتسلط السياسة وملكية الاقتصاد وفساد الحضارة.

من هنا يترتب عن ذلك الانتقال روسو من تعريف الانسان بوصفه مدني بالطبع وله ولع غريزي بالهيمنة والحرية الى كائن سياسي ومدني بالإكراه ومواطن ملزم باحترام القانون لأنه:” لا سبيل الى انكار أن آدم كان ملكا على العالم…ولكن عندما كان هو ساكنه الوحيد”.[10]

ربما يكون أفضل عمل يقوم به الانسان في حياته حسب روسو هو الانتقال من حالة الحرب والنزاع الى حالة السلم والتمدن ومن وضعية العبودية والاستغلال الى وضع الاستقلالية والانتاج ومن درجة الرعية الى المواطنة وذلك بأن يتخلص من قيوده ويستعيد حرية بنفس الكيفية التي سلبت منه ومن حقه أن يدافع عنها ضد كل اعتداء خارجي أو تساهل داخلي وذلك بإجراء اتفاقيات تعمل على انشاء نظام اجتماعي يحكمه القانون وتسيره المؤسسات.

في هذا السياق نراه يصرخ عاليا مطالبا بالانتخابات: “لدي هنا الكثير ما  أقوله عن حق التصويت، ذلك الحق البسيط، في كل عمل من أعمال السيادة، وهو حق لا يستطيع شيء أن ينتزعه من المواطنين، وكذلك عن حق ابداء الرأي والمعارضة والتقييم والاقتراح”[11].

لقد قطع روسو مع النموذج العائلي في الحكم حين كان الأب يرمز الى السلطة المطلقة  وكان الراعي هو المسير لرعيته وفكك أيضا مقولة حق الأقوى واعتبرها الجرثومة التي فرخت الاستبداد وجعلت كل سلطة سياسية في خدمة مصالح المالكين وضد حقوق المحرومين، وفي السياق نفسه رأى أن حل المشاكل السياسية يتوقف على تعويض استنباط الحق من الواقع بتوجيه الواقع وفق ما يقتضيه الحق وبتسليح المواطن بالثقافة الحقوقية وتعويض الحكم الفردي بسلطة القوانين واستبدال التشريعات القديمة بقوانين جديدة.

ان غاية الفكر السياسي عند روسو في اقامة نظام حكم رشيد يكفل الحقوق بالنسبة لجميع الأفراد والاستقرار للمجتمع والقضاء على أشكال المتخلفة من الحكم وذلك باحترام مبدأ الارادة العامة وحكم الشعب نفسه بنفسه. وذلك لأنه”عندما لا تبقى الدولة وقد أشرفت على الخراب الا في صورة وهمية جوفاء وتنقطع الرابطة الاجتماعية في قلوب الناس وتلبس أحقر المصالح ثوب الصالح العام المقدس بلا حياء، عندئذ تخرس الارادة العامة وتصبح الدوافع الخفية هي ما يوجه الناس فلا يفكرون مطلقا بوصفهم مواطنين … وتوضع مراسيم نورا تحت اسم قوانين وهي مراسيم جائرة لا غرض منها الا المصلحة الخاصة”[12].

لقد تموقع خطاب روسو السياسي في قلب الخطاب التنويري الذي مهد للثورة الفرنسية التي رفعت شعار: أخوة، مساواة وحرية،ولقد انتشرت أفكاره بين مختلف الشرائح الاجتماعية وتوجهت سياسته الشعبية نحو ترك رجال الدين والايمان بالألوهية وربط الأخلاق بركائز أبدية ومقدسة والهام الانسان عقيدة احترام الانسان وواجب ضمان سعادة المجتمع برمته.

اذا كانت الطبيعة تتميز بالبراءة والأصالة واذا كانت الحالة الاجتماعية تعرف الفساد والنزاع والانحطاط وحرب الكل ضد الكل في مرحلة متقدمة من التازم فإن اصلاح  ذات البين وتصحيح الأوضاع يكون بإبرام عقد اجتماعي بين مواطنين أحرار يتنازلون بمقتضاه عن استعمال قوتهم للمحافظة على بقائهم مقابل تكفل السلطة بحمايتهم من بعضهم البعض.

ان العقد الاجتماعي الذي يوقعه الحاكم والمحكومين ويتبادل بمقتضاه منظومة متعادلة من الواجبات والحقوق هو كفيل بازالة العوائق وتذليل المصاعب المتأتية من الارادات الجزئية ويبعث الجسم الاجتماعي الى الحياة ويعطيه هويته المميزة ويعمل على استمراريته في الوجود موحدا ومتماسكا. لكن المشكل المستعصي الذي قد يظل مطروحا عند روسو هو: كيف يمكن أنينتج عن العقد الاجتماعي الأخلاقية والعقلانية في نفس الوقت؟ وكيف يتحول الانسان من كائن أناني يبحث عن طرق أنانية للمحافظة على بقائه الى مواطن يضحي بنفسه من أجل المصلحة المشتركة ويهب نفسه للمجموعة في سبيل الخير العام؟

4-   روسو مُربيا:

“ان التربية لا تقتصر على خلق فروق بين العقول المثقفة ولكنها تباعد أيضا في الفروق بين قوى العقول المثقفة أنفسها بنسبة وما تزيد من ثقافة”[13]

لقد علم روسو البشرية العديد من الدروس في مجال الادب والفن والفلسفة والسياسة ولكن اضافة الى كونه فيلسوفا وفناناوسياسيا بارعا هو أيضا مربيا ومشرعا ويعود اليه الفضل في التأكيد على العناية بالطفل واحترام خصوصية هذه المرحلة العمرية وتنجب اسقاط القيم الكهولية على اليافعين بغير حق ودعا الى تربية النوع البشري على الفضيلة والمحبة.

آيته في ذلك أن السياسة لا تتوطد وتشيد أسسها في الحياة الاجتماعية الا بتدخل التربية التحديثية وتأثيرها في النفوس منذ الصغر وتدريب نظم التعليم العصريةالعقول الناشئة على قيم المواطنة والاجتماعية وتثقيفها بجدوى التشريعات ومزايا الاحتكام الى القوانين المدنية.

غني عن البيان أن روسو يكشف عن نظم تربوية سيئة تكرس التأخر وتعمل على نشر الجهل وابقاء الناس في وضعية القصور ومحتاجين الى الوصاية وينقد تلك التي تبررالنظم التسلطية والقهرية وتنبني على التكرار والشكلانية ويقترح في المقابل نظاما تربويا يشجع على الحوار والنقد والتعلم الذاتي والحرية والاستقلالية ويصون الكرامة ويفسح المجال للشخصية بأن تنمو وتتفتح مواهبها في ظروف ملائمة وأن تطلق العنان للخلق والابداع.

ان “أميل” هو تلميذ روسو النجيب الذي ينبغي أن يكسر حاجز العزلة ويغادر الحياة الطبيعية ويندمج بالمجموعة ويعيش في المجتمع بكل ما فيه من مصاعب ويواجه تحديات اللقاء بالغير والغريب والأجنبي والهمجي. على هذا النحو كان النظام التربوي الجيد هو ذلك الذي يتخطى لاإجتماعية الاجتماعي ويوقف التقدم نحو الهاوية من انسان يعرف بكونه حيوان فاسد ويحافظ على البراءة والتلقائية والقابلية ويصقل الفضائل الانسانية التي يحصل عليها اميل بشكل فطري من الطبيعة وتجعله يتعاون ويتشارك مع نوعه لما يحقق المصلحة المشتركة.

كما يجب أن تساهم التربية عبر تشجيعها على احترام القانون والمواطنةفي الارتقاء بالاجتماع البشري الى درجة من التنظيم البنيويتكفل للأفراد المساواة والعدالة والحرية.

ان التربية وسيلة تثقفية هامة وحلقة لاغنى عنها في تنوير الانسان وترشيد النوع نحو ادراكه أصله واهتمامه بهدف وجوده وتحميله مسؤولية الحياة في الكوكب واستمرار النوع وذلك لأن “أنجلز يطابقبين العقد والخطاب الثاني بالمرور عبر فكرة الثورة (نفي النفي) وينظر كانط وبعد ذلك كاسرر بالتساوي الى الفكر النظري لروسو ككل منسجم ويعثرا فيه على نفس الجدلية ونفس الايقاع الثلاثي في التفكير. ولكنهما لكي يصل الى المصالحة بين الحدود المتعارضة لا يمرا عبر فكرة الثورة وانما يثبتا قيمة حاسمة للتربية.”[14]

ما تقدر التربية على تطويره في الانسان هو ترك الاختيار للناس العقلاء بين العودة الى الطبيعة والتعبير عن الحنين البدائي أو الاستفادة من رهانات الثقافة والحضارة العصرية وتنمية المبادئ الفطرية للعدالة الطبيعية والحقيقة الأخلاقية على أمل أن توجد القواعد الاجتماعية وتتوفر الشروط الضرورية لصيانة هذا الصوت الالهي في الانسان.

عندئذإن الدور المركزي للتربية هو في تحضيرها الأرضية الثقافية لسيادة القانون وتشجيع الناس على التحول الى كائنات عقلية حرة ودفعها الرغبة الطبيعية الى الانصهار في الابداع الثقافي. واذا كان الانسان في حالة الطبيعة يحتاج الى محاكاة الأشياء والى اشباع رغباته وارضاء حاجياته وليس الى لقاء الأشخاص والاعتبار من أفعالهم واقامة علاقة توادد وصداقة معهم فإن هذه الحاجة في الحالة المدنية تفقده حريته وتدخله في تبعية نحو الغير وتجعله يميل الى الانعزال والانفصال والتوحد صونا لذاته وتفاديا للأذى والمخاطر.

بيد أن التربية تتدخل عن طريق القوة الردعية للقانون ومن خلال التزاحم على التفوق والتباري على النجاح  لتحد من التفاوت الطبيعي في المؤهلات وفي التفاوت الاجتماعي في الملكية والمرتبة ولتدفع الانسان نحو اللقاء بالإنسان والخروج من دائرته الضيقة والخروج من الصمت الى الكلام ومن الغريزة الى العقل ومن الاحساس الى الوعي ومن سوء النية الى الضمير ومن العنف الى التسامح ومن القوة الى الحق ومن العدوانية الى الأخلاقية.

“اذا نحن قابلنا بين الاختلاف العجيب في أنواع التربية وفي طرق المعيشة الشائعة في مختلف نظم الحياة المدنية وبين بساطة الحياة الحيوانية المتوحشة السائرة على نمط واحد…أدركنا كم يجب أن يكون الفرق بين انسان وانسان في حالة الطبيعة أقل منه بين انسانين في حال المجتمع وكم يجب ان يزداد التفاوت الطبيعي في النوع البشري بسبب تفاوت النظام”[15]. لكن النقطة المركزية التي يتوقف فيها مجهود التربية في اصلاح ملكات الانسان هو ضرورة وجود سلطة سياسية صالحة وثقافة تنويرية حرة تهدف الى مساعدة الناس في الارتقاء من وضع القصور الى انجاز ذواتهم وتحقيق أهدافهم النبيلة.

 من هذا المنطلق يفعل اميل كل شيء من أجل ألا يكون خاضعا سوى لقوة الأشياء وأن يوجه القانون حياة الانسان الاجتماعي والعلاقات بين الأفراد بدل أن تتحكم فيها الانفعالات والنزاعات والأهواء. لكن أليس الانسان قد ولد من أجل المحبة والصداقة والأخوة الانسانية؟

خاتمة:

“يرغب روسو في التواصل والقلوب الشفافة ولكنه يظل هائجا في انتظاره وبختياره الطريق المعاكس يقبل  ويتأثر بالعائق الذي يسمح له بالانطواء على ذاته في استقالة سلبية وله يقين ببراءته”[16]

يمكن ان نعتبر روسو قد ساهم بشكل قريب أو بعيد في وقوع التنوير الأوروبي في الاستعمار وذلك لأن كونية القيم السياسية تظل منقوصة بسبب نزعة التمركز على الذات والنظرة الدونية الى الشعوب والثقافات الأخرى ويظهر ذلك بوضوح في تأكيده على أن “جميع صور الحكم لا تلائم جميع البلدان”[17] و”ليست جميع الحكومات من طبيعة واحدة” [18]وقوله:” لما كانت الحرية ثمرة لا تنبت في جميع الأجواء فإنها ليست في متناول جميع الشعوب”[19]، وقد انتهى به الأمر الى الاعلان بأن النظام الديمقراطي هو نظام مثالي لا يطبق الا عند شعب من الآلهة وبالتالي ما يسلم به هو انها لا تصلح الا للشعوب الغربية بينما المجتمعات الأخرى مازالت غير مؤهلة ولا تستحق هذه القيمة و”هذا النوع من الحكم الذي بلغ حد الكمال بحيث لا يصلح للبشر”[20].

  لكن ما يثير استغرابنا هو فشل روسو في تربية أولاده وتفضيله حياة الوحدة القاتلة وتركهم على الرغم من ابداعه لنظرية في التربية وتأكيده على مكانتها المحورية في التنوير وسياسة الشأن العام، فهل ذلك راجع الى أنه من طينة الذين لا يفعلوا ما يقولونه ولا يمارسوا ما يعرفونه؟ وكيف نتحدث عن سوء النية عند صاحب النية الحسنة وانسان الارادة الطيبة؟ وماذا لو كان روسو غير روسويا؟

ان مزية روسو هو أنه أول من كان متوجسا من التحليل المحض الذي مارسه ديكارت على الفكر الفلسفي ومن العقلانية الصارمة التي هيمنت على المجال المعرفي وبحث على خلاف ذلك عن استخراج الحقيقي بواسطة الاحساس والشعور المباشر والحدس واتبع منهج التطهير واستجاب لنداء العاطفة والبداهة الباطنية ورهافة القلب والمخيلة وحسية الأسلوب ومهد الطريق لعمونيالكانط لكي يجعل من النقد وسيلة لتشييد القيم الروحية والنية الحسنة والارادة الطيبة والضمير بوابةمركزية نحو أخلاق الواجب تتخطى أخلاق السعادة.

بقي أن نشير الى أن أفكار روسو الدينية تبعث على الدهشة والاستغراب لأنه نقد من جهة الاكليروس والكهنوت وحمل على التحالف بين سلطة الكنيسة والنظام الملكي ولكنه من جهة أخرى بالعودة الى الأصل وتنمية الحياة الروحية والدين المدني والذي جعله في تناقض مع الدين الطبيعي الخالي من كل قداسة ونص محوري. علاوة على ذلك نذكر محاربة روسو للنزعة المادية والتشكيكية وما رافقها من حجج وضعية جافة وعقلانية باردة ورفضه فكرة امكانية وجود مجتمع من الملحدين بشكل خالص وانتصاره الى التدين الحي والممتلئ بالنشاط الخير والحب الصادق والعاطفة الجياشة والعمل الصالح والرأفة والشفقة.  لكنه تفطن الى الوظيفة الرجعية التي يمكن أن يؤديها الفهم التقليدي للدين في السياسة وتبريره للاستبداد والمحافظة على ماهو سائد وذلك لأن الدولة لا تؤسس الا الرؤية الدينية التي تخدم مصالحها بالأساس.

يسعى روسو عبر نحته لمفهوم الدين المدني الى تخليص الدين من كل ما يشجع الفرد على الاقبال على حياة العزلة والتوحد والتصادم مع الحياة المدنية والتواصل مع الآخر واحترام التقاليد الثقافية للمجتمع. ولذلك يجعل من أفكار وجود الله وعدله وعنايته وقداسة العقد الاجتماعي والقانون والارادة العامة وسيادة الشعب والديمقراطية كقاعدة لمحاربة اللاتسامحوتوطيد أركان الاجتماع البشري والسلم الأهلي.

ان الأنا أحس الشهير الذي ينسب الى روسو لا يجد ثقة تامة في نفسه الا بمعرفته أن الله موجود وأن ارادته مطلقة وحكمته هي مبدأ حركة الكون ومسبب أفعال الناس. لكن هذه الثقة في النفس تهتز أمام مشكل الشر وسر وجوده في الكون، فاذا كانت عناية الله بالكون تامة وعادلة فكيف نفسر حدوث الظلم والشر والعنف والمرض في الحياة اليومية للإنسان؟ والى أي مدى تكون حرية الانسان هي سبب هذا النقص وعلة هذا التعارض بين تاريخ الله وتاريخ الانسان؟ ألم يكن جهد لايبنتزوكانطونابرتوريكور منصبا حول فهم التعارض القائم بين هذا الشر المنغرس في التاريخ وازالة تعارضه مع العدل الالهي؟ ثم ألا يمكن أن نعتبر روسو رجل الأخلاق والتشريع والسرد أكثر من أن يكون أديبا وفيلسوفا وسياسيا ومربيا؟

المراجع:

Jean. Jaque, Rousseau,les rêveries du promeneur solitaire, première promenade, Œuvres complètes, Pléiade, Paris, 1959 .

Jean. Jaque, Rousseau, Emile, livre 4, Œuvres complètes, Pléiade, Paris, 1959.

Jean. Jaque, Rousseau, discours sur l’origine et les fondements de l’inégalité parmi les hommes, CERES, editions,1994.

Jean Starobinski, Jean- Jacques Rousseau :la transparence et l’obstacle, éditions Gallimard, Paris, 1971.

Alexis Philonenko, Jean- Jacques Rousseau et la pensée du malheur, Editions Vrin, Paris, 1984.

Ernest Cassirer, le problème  Jean. Jaque, Rousseau, éditions Hachette, Paris, 1987.

Tzvetan Todorov, Frêle Bonheur, essai sur Rousseau, éditions Hachette, Paris,1985.

جان جاك روسو، في العقد الاجتماعي، ترجمة عبد الكريم أحمد، مراجعة توفيق اسكندر، سلسلة الف كتاب، بإشراف الإدارة العامة للثقافة بوزارة التعليم العالي، مصر. دون تاريخ.

كاتب فلسفي

 

——————————————————————————–

[1]Jean. Jaque, Rousseau, Emile, livre 4, Œuvres complètes, Pléiade, Paris, 1959 , p.525

[2] Jean Starobinski, Jean- Jacques Rousseau :la transparence et l’obstacle, éditions Gallimard, Paris, 1971, p.49.

[3]Jean. Jaque, Rousseau,les rêveries du promeneur solitaire, première promenade, Œuvres complètes, Pléiade, Paris, 1959

[4]Jean. Jaque, Rousseau, discours sur l’origine et les fondements de l’inégalité parmi les hommes, CERES editions,1994, p.74.

[5]Jean. Jaque, Rousseau, discours sur l’origine et les fondements de l’inégalité parmi les hommes, p. .58.

[6]Jean. Jaque, Rousseau, discours sur l’origine et les fondements de l’inégalité parmi les hommes, p.88.

[7]جان جاك روسو، في العقد الاجتماعي، ترجمة عبد الكريم أحمد، مراجعة توفيق اسكندر، بإشراف الإدارة العامة للثقافة بوزارة التعليم العالي، مصر، ص 155..

[8]جان جاك روسو، في العقد الاجتماعي، ص.81.

[9]جان جاك روسو، في العقد الاجتماعي، ص.83.

[10]جان جاك روسو، في العقد الاجتماعي، ص.79.

[11]جان جاك روسو، في العقد الاجتماعي، ص.199.

[12]جان جاك روسو، في العقد الاجتماعي، ص.198.

[13]Jean. Jaque, Rousseau, discours sur l’origine et les fondements de l’inégalité parmi les hommes, p.79.

[14] Jean Starobinski, Jean- Jacques Rousseau :la transparence et l’obstacle, p.46.

[15]Jean. Jaque, Rousseau, discours sur l’origine et les fondements de l’inégalité parmi les hommes, p.p.79.80.

[16]Jean Starobinski, Jean- Jacques Rousseau :la transparence et l’obstacle, p.10.

[17]جان جاك روسو، في العقد الاجتماعي، ص.167.

[18]جان جاك روسو، في العقد الاجتماعي، ص.167.

[19]جان جاك روسو، في العقد الاجتماعي، ص.167.

[20]جان جاك روسو، في العقد الاجتماعي، ص.155.