الاشهر القليلة الماضية من عمر حكومة الدكتور حيدر العبادي تسير وفق برنامج مدروس متجاوزاً بذلك كل المخاوف والعقبات المحتملة من عدم قدرتها على مواجهة المالكي اثناء اعلان تشكيلتها الوزارية في حينها ، والتي زادت من احتمالات فشلها بسبب شدة الصراع على السلطة بين اقطاب دولة القانون التي يتزعمها نوري المالكي ، والذي اراد ان يحتكر السلطة لأربعة سنوات أخرى ، لولا تدخل المرجعية الدينية في النجف ، ورفضها المعلن الصريح له ، وتأكيدها بأهمية ايجاد بديل يرضي جميع الاطراف ، ومن ثم رفض الادارة الامريكية لتجديد ولايته باي شكل من الاشكال بسبب وقوعه في اخطاء سياسية كبيرة وضعت العراق على شفير الحافية ، بسبب عدم قدرته على التكيف مع محيطه السياسي مما خلق أجواءً كادت ان تلقي العملية السياسية بحتفها…
لذلك فان استسلام المالكي لإرادة العراقيين، وقبوله بالأمر الواقع كانت خاتمة غير موفقة لحياته على المسرح السياسي ، بل واختفت كل معالم وجوده السياسي ، وان منصبه الحالي كنائب لرئيس الجمهورية هو منصب تشريفي لن يحميه من المسائلة القانونية ، كما حصل مع خصمه اللدود طارق الهاشمي ابان فترة رئاسته للمجلس الوزراء ….
لذلك فالضغوطات السياسية التي تنهال عليه هذه الايام سوف تمهد السبيل للمزيد منها ، خصوصا وهو يعيش حالة من الهذيان السياسي بسبب تداعيات جريمة سبايكر البشعة التي راحت ضحيتها الآلاف من الابرياء ، و التي بقيت الى الآن تدور في فلك مجهول بسبب التكتم الشديد على سير التحقيقات الجانبية الجارية خلف الاسوار المغلقة خوفاً من الفضائح التي تدفع بالرؤوس الكبيرة الى الهاوية المحتومة….
فبإلاضافة الى ذلك…فان المالكي لم يعد امامه الا وأن يخضع ما يمليه عليه القانون بخصوص عدد من القضايا الاخرى المتعلقة بالفساد المالي والاداري ابان فترة حكمه التي دامت ثمان سنوات ، والتي بدأت تنكشف تباعاً على الراي العام خصوصا تلك التي يتعلق بما يسمى بالفضائيين داخل قطعات القوات المسلحة .، والذي انكره نوري المالكي جملة وتفصيلا بعد ان اشتدت نبرة الاتهامات المتبادلة بينه وبين حيدر العبادي ، حتى وصلت الى درجة المح اليها العبادي بتدبير محاولات اغتياله من البعض الذين سيقعون تحت طائلة القانون جراء شمولهم بالفساد وعقد الصفقات الوهمية التي اضرت بالاقتصاد العراقي …ناهيك عن فضيحة صفقة السلاح الروسي التي اودت بالمقربين منه حفاظاً على ماء الوجه لكونها كانت واحدة من اكبر جرائم الاحتيال والسرقة للمال العام بصفقات مع شركات روسية ….
اذن… فأمام هذا المشهد السياسي المثير للجدل الذي يمر به العراق … السؤال الذي يفرض نفسه …هل يستطيع السيد حيدر العبادي مواصلة مشواره الاصلاحي وسط ترقب عام و واضح لبرنامجه الخاص بتطهير الدولة ومؤسساتها من رموز الفساد والفاسدين ..؟؟ وهل بامكانه الوقوف بحزم امام مناوئي خططه الرامية للإصلاح …؟؟ قبل الاجابة لابد من الاقرار بان السيد حيدر العبادي امام تحديات كبيرة وأهمها هي الحرب العبثية المفروضة على العراق من قبل تنظيم داعش الارهابي التي انهك الاقتصاد العراقي بشكل كبير واثر على الحياة العامة للمواطن العراقي الذي يدفع كل يوم ضريبة باهظة في الارواح والاموال .. والتي تؤثر بلا شك على تنفيذ خطط العبادي الرامية للإصلاح ، خصوصا والخطوط الدولية والاقليمية المتشابكة في هذه الحرب قد اربكت الى حد كبير برامج وخطط احتواء الازمات من قبل حكومة العبادي ، مما فتح المجال امام حكومته لاتخاذ جملة توصيات للحد من العجز المالي بسبب انخفاض الصادرات وتدني اسعار النفط في الاسواق العالمية ، بمعنى ان السيد حيدر العبادي ملزم ان يهيئ جبهته الداخلية ، لغلق الفجوات التي ينحدر منها البعض لعرقلة مسعاه الهادف لاحتواء ملف الفساد بشكل كامل باعتباره ملفاً لا يختلف من حيث الاهداف والدوافع عن ملف محاربة الارهاب ….
اذن ما نعتقده ان السيد حيدر العبادي عازم على النجاح في ترتيب البيت العراقي وفق ما يمليه عليه واجبه الوطني ، ويدرك حجم الاخطاء التي وقع فيها سلفه نوري المالكي خصوصا فيما يتعلق بإقليم كوردستان التي وقعت في شباك الاجتهادات المالكي الفردية التي ظهرت في اقبح صورتها حين تعمد ان يقطع الميزانية المخصصة للإقليم ، ويرفض من منح حتى رواتب الموظفين العاملين في كوردستان تحت طائل من الحجج والتبريرات الخارجة عن الاصول القانونية والدستورية ..بمعنى ان السيد حيدر العبادي يمارس نشاطا سياسياً ملحوظاً بتاني ، ولا يجعل من خصومه السياسيين اعداءاً شخصيين له ، فهو يمتلك القدرة على تخطي العقبات بعقلية سياسية كفوءة ، ويعمل وفق برنامج عمل مدروس للتخلص من كل العوارض التي تعيق من عمل حكومته ، والذي يحظى بتأييد كامل من دول التحالف الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة الامريكية لكل خطوة تعزز من خططه الرامية للإصلاح ، وافشال مخططات داعش الهادفة لتمزيق العراق على اسس دينية ومذهبية …..