لم يعد بمقدور العراقيين ان يميزوا بين ما رشحته الكتل السياسية من أسماء لأشغال الحقائب الوزارية بطريقة المحسوبية والمصالح الشخصية وبين ما يخرج من ودع وتكهنات سوق العرافين وفتاحي الفال الذين يتعاملون بـ طريقة ” البيضة والحجر ” حتى أصبح الناس يحبسون انفاسهم كي لا يخرج الزفير ممزوجاً ببعض الأسماء التي يمكن ان تكون ضمن كابينة العبادي الوزارية ، فيتم التحرك عليها لاستبدال بعض مرشحيها عن طريق المساومات او المزايدات التي يتشدق بها المنتفعون في كل زمان ومكان .
يوم امس كان فارقا بكل المعاني والمقاييس ، ابتداء من رئيس برلماننا الموقر الدكتور سليم الجبوري الذي كان مهووسا بالرياضيات ، لدرجة انه اسهب بعملية العد لنوابه الذين كانت تنطبق عليهم مقولة ” اسمه بالحصاد ومنجله مكسور ” ، جلسة التصويت على حكومة العبادي او ما يعرف بـ”حكومة الودع” ، لم يكن المواطن المسكين يتوقع ان تكون بهذا القدر من السخرية في عملية تسمية الوزراء الذين سيخدمونه ويسهرون على امنه .
وكالعادة خلت الوزارات الأمنية من وزرائها بسبب الضغوط والاعتراضات والاملاءات التي حالت دون تسمية شاغريها ، وهذا اكبر اخفاق لحكومة العبادي التي ولدت ميتة منذ بدايتها ، واعطت رسالة واضحة ، ان أمن المواطن لا يهم السياسيين بقدر همهم على من سيجلب لهم نسبهم من الأرباح التي ستدخل في حسابات ارصدتهم المالية ، هذا هو مستوى اخلاق سياسييكم أيها العراقيون ، عليكم ان تعوا جيداً أنه لا جديد في هذه الحكومة ، والدليل ان العبادي اراد أن ينقذ نفسه بأي شكل من الاشكال قبل أن تنتهي المدة الدستورية التي لم يبق منها سوى اقل من ساعتين على نفادها ، ولكم ان تقدروا وتحكموا على مصير البلد الذي وضع بيد اشخاص تم اختيارهم بعجالة من الأمر ، وارتهن الشعب باختيار وزرائه بطريقة اليانصيب أو بطريقة كنا نردد مفرداتها في طفولتنا، عندما يصعب علينا الاختيار ، لقلة فهمنا وإدراكنا وهي ” حدرا بدرا قال عمي عد للعشرة ” .
هذا هو مستوى تفكير ساسة العراق الجدد ، كثيري الكلام ، قليلي التنفيذ ، يخلفون بما يعدون ، ويتمسكون بما يستفيدون ، أما ممثلو الشعب الذين وقفوا يتزاحمون فيما بينهم أمام عدسات الاعلام والذين اعترض بعضهم على سخرية ومهزلة الإجراءات التي يتم فيها التصويت على كابينة الحكومة الجديدة ، لكن رئيسهم المبجل الذي أدى دوره بامتياز ، والذي نافس فيه حتى الفنانين العمالقة ، لحسن ادائه ، استطاع ان يلجم الأصوات التي تعترض على الية اختيار الوزراء ، وكأنه يقول لهم بالمثل الشعبي ” اليدري يدري والمايدري يكول … كضبة عدس “