إن العالم اليوم يخوض حروبا” عديدة في كافة المجالات والتخصصات ومن أهم وأشد الحروب التي يخوضها العالم هي حرب المخابرات التي تسعى جميع الدول من خلالها للحصول على المعلومة وتوظيفها بالشكل الذي يخدم مصالحها، وبطبيعة الحال فإن هذه المعلومة ليست جاهزة بمتناول اليد وإنما تمر بمراحل فحص وتدقيق قبل أن تتحول إلى معلومة صحيحة بفعل تظافر جهود بشرية وتقنية وخبرات عملية ميدانية وكذلك الحال ينطبق على الحرب الإستخباراتية في المجال العسكري .
سبق وإن كتبنا مقالا” حول الجهد الإستخباري وحالة الضياع التي تمر بها المؤسسات الأمنية العراقية وتناولنا ضمن سياق المقال كيف أن بعض المسؤولين والنواب والوزراء العراقيون تحولوا من خلال تصريحاتهم إلى منافذ لتسريب المعلومات من حيث يعلمون أو لا يعلمون إﻻ أن الطامة الكبرى في هذا المجال وفي هذا الوقت الحرج والفاصل أن تأتي مثل هذه التصريحات والتسريبات من قبل رأس السلطة في العراق رئيس الوزراء حيدر العبادي في كلمته التي ألقاها في عيد الصحافة وأمام صحفيي العراق عندما قال بأن الأشخاص الذين أعدمتهم داعش في الموصل بتهمة التجسس لصالح الحكومة هم فعلا” عملاء للحكومة العراقية وزودونا بمعلومات، هل يعقل أن يصدر هذا الكلام من العبادي وكيف يصدر منك وأنت رأس السلطة التنفيذية والمسؤول عن إدارة كافة ملفات الدولة العراقية وعلى رأسها الملف الأمني ، إن الحرب الإستخباراتية ياسيد عبادي تتضمن التجسس والتمويه والتضليل والحصول على المعلومة من مختلف المصادر وتوظيفها لخدمة مصالح الدولة العليا.
إن ماأقدمت على التصريح به يتخذ أبعادا” مختلفة ياسيادة رئيس وزراء العراق أولها إنك بررت إعلاميا لداعش عملية الإعدام التي نفذتها بحق بعض شباب الموصل وأكدت بأنهم جواسيس يعملون لحسابكم وقاموا بتزويدكم بمعلومات مما يستحقون معها الحكم الذي نفذ بحقهم أما البعد الثاني فإنك بتصريحك هذا أعطيت إشارات لشباب وأهالي الموصل وحذرتهم من التقارب معكم ومع حكومة بغداد في أي مجال وخاصة المجال الإستخباري وبأنكم لاتستطيعون حمايتهم تحت أي ظرف ﻻسيما وإنهم تحت سيطرة داعش فعليا” أما البعد الثالث والأهم فإنكم سربتم بل وتبرعتم بتصريحكم هذا بمعلومات مجانية لداعش بأن هناك إختراقات أمنية داخل صفوفهم وعليهم إعادة النظر في الحلقات الأمنية وتنظيفها وتدقيق الأشخاص القريبة من مصدر المعلومة داخل تنظيمات داعش وبذلك بترت المعلومات التي تصلكم ومن المنبع وأوصلتم رسالة لداعش بأن تتحفز وتحتاط أمنيا أكثر خلال عملياتها وتحركات مسؤوليها ، كيف تقدم ياسيد عبادي على هكذا تصريح ألم تقرأ شيئا من التاريخ عن حرب المخابرات العالمية أﻻ تعرف بأن هناك جواسيس وعملاء وضباط مخابرات فعليون وليسوا مجرد عملاء يتم القبض عليهم في دول أخرى بتهمة التجسس وتلتزم دولهم الصمت تجاههم بل أحيانا تلجأ إعلاميا الى إنكار صلتهم بها لتهدئة الإعلام السياسي وتلجأ الى التضليل والتمويه ومن ثم تعمد الى فتح قنوات الإتصالات الرسمية وغير الرسمية لتبادلهم واسترجاعهم بشكل سري ألم تقرأ شيئا” عن حرب الجواسيس التي استمرت لعقود طوال بين قطبي العالم الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي وغيرها الكثير الكثير حول العالم أم انكم لاتمتلكون مستشارين أمنيين مهنيين ومحترفين يشيرون عليكم كيفية التصرف والتصريح فيما عليكم قوله من عدمه في مثل هكذا قضايا تمس المصلحة الوطنية العليا للبلد.
سبق وإن نبهناكم في مقالنا السابق عن الجهد الاستخباري وقلنا بأن داعش إمتلكت مفاتيح سيطرتها على الموصل ومن ثم الرمادي ليس فقط بالجهد والزخم القتالي العسكري وإنما بالجهد الإستخباري والمخابراتي الذي تمتلكه حيث إمتلكت معلومات إستخبارية عن قطعات الجيش وتمركزها داخل المدن وعن الحالة المعنوية للجيش ومن ثم دعمت جهدها الإستخباري بالجهد المخابراتي وبثت روح الإشاعة والإعلام المضلل في نفوس الجيش مما قلل من عزيمتهم وروحهم المعنوية ، وبعد كل هذا يأتي السيد العبادي ويعطي لداعش زخما معنويا جديدا” بأن ماأقدمت عليه من اعدام نخبة من شباب الموصل بتهمة التجسس لصالح الحكومة هو عمل حقيقي له مبرراته وأسبابه ومثلما هو الحال لو حصل العكس وتم القبض على مجموعة داخل بغداد تتجسس وتعمل لصالح داعش فماذا سيكون رد فعل حكومة العبادي تجاههم ؟ وما هو الحكم الذي سيصدر بحقهم؟.
قبل عدة أيام وأنا أتصفح الأخبار قرأت تصريحا لعراب الإحتلال أحمد الجلبي وهو يقول فيه إن حزب الدعوة لايصلح لإدارة مدرسة وليست دولة ويبدو أنه محقا” فيما قال.
لله الامر من قبل ومن بعد ، وكيف آل حال العراق الى هذا المآل وكيف فسد وتردى كل شيء في العراق
اللهم احفظ العراق وشعبه .