23 ديسمبر، 2024 10:18 ص

العبادي .. واللعب على الحبال

العبادي .. واللعب على الحبال

كان الجميع مصرا على منع نوري المالكي من الوصول الى الولاية الثالثة .. والجميع هنا , مسعود البرزاني ومقتدى الصدر وإياد علاوي وعمار الحكيم وإبراهيم الجعفري وإسامة النجيفي ومكتب السيستاني , وأمريكا وبريطانيا وفرنسا , بأستثناء إيران التي عارضت أول الامر ..
بزوغ اسم حيدر العبادي لم يكن بالحسبان , على الرغم من طرح أسمه كأحد أبرز مرشحي حزب الدعوة لرئاسة الوزراء في عام 2006 .. ألا أن الفرصة لم يحن وقتها .. الفضل في ترشيح العبادي لان يكون خلفا للمالكي , يرجع الى السفير البريطاني في بغداد أنذاك , الذي مهد له كافة السبل , على إعتبار أن العبادي هو الاخر قيادي في حزب الدعوة , وفي نفس الوقت هو مواطن بريطاني , وحاصل على شهادة عليا , والاولى بالبريطانيين إختياره للمنصب , أفضل من غيره ..
أستدعي العبادي الى السفارة البريطانية في بغداد .. غادر بعدها الى لندن لاجراء حوار ونقاش مع شخصية دبلوماسية بوزارة الخارجية هناك , والتي يعتقد بأنها الورقة الخضراء التي سمحت بالموافقة على ترشيح العبادي لرئاسة مجلس الوزراء .. وما بين بغداد والنجف جرت مناقشات عميقة بين السفيرين الامريكي والبريطاني , ثم جلساتهما المتكررة مع السيد محمد رضا , نجل الامام السيستاني ..
الجميع يدرك وميتقن أن رؤساء حكومات دول العالم الثالث قاطبة , لا بد لها وأن تستند في إعتلائها منصب رئاسة الوزراء في بلدانهم , على تفاهم ونقاش يجري قبل كل شئ , وعلى كل شئ مع سفراء أمريكا وبريطانيا وفرنسا , وبدون تزكية من هؤلاء , لا يمكن لشخص ما ترشيح نفسه لهذا المنصب , حتى وأن أستحق الفوز في الانتخابات .. هكذا تجري الامور……
بعد ذلك , حصلت موافقة جميع الاطراف في التحالف الوطني على إختيار العبادي رئيسا لمجلس الوزراء , والذي كان حينها يشغل منصب النائب الاول لرئيس مجلس النواب عن إئتلاف دولة القانون .. ووصل خبر الاعلان الى مسامع نوري المالكي الذي ثار غضبا كالبركان , وأعتبر ذلك ( خرق خطير للدستور ).. وقال ( سنصحح الخطأ حتما ) , وقدم طلبا الى المحكمة الاتحادية على أنه الاحق بتولي المنصب , ثم عاد بعد ذلك , وتنازل لصالح العبادي في مؤتمر جمع أعضاء حزب الدعوة وإئتلاف دولة القانون …
ومما يلفت النظر , تصريح الرئيس الامريكي أوباما بعد تولي حيدر العبادي منصبه قائلا ( اليوم , خطا العراق خطوة واعدة الى الامام ) , ثم توالت ردود الافعال العربية والدولية المرحبة بتكليف العبادي تشكيل حكومة عراقية جديدة خلفا لحكومتي المالكي ..
الحبل الاول .. كان سحب البساط من تحت أقدام المالكي , في خطوة جريئة , أعتبرها الكثيرون دهاءا ومكرا من العبادي , مستفيدا من حالات الاحتقان والرفض لولاية ثالثة لنوري المالكي , الذي أهدر خلال ولايتين أكثر من ألف مليار دولار في صفقات ومشاريع وهمية , وسمح لتنظيم إرهابي من إغتصاب أكثر من ثلث أراضي العراق , ونفذ سياسة هوجاء تجاه التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني , مستغلا السلطة والمال في تعزيز جبروته وقبضته على كل شئ في هذا الوطن ..
كان يعتقد حيدر العبادي , أنه سيسقط بالضربة القاضية في الاشهر الستة الاولى من عمر وزارته .. دولة , ثلث أراضيها محتلة , وخزينة خاوية ألا من ثلاثة مليارات فقط , وفساد مالي وإداري عظيم , وديون خارجية تكسر الظهر , وعليه تأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين ..
وبعقلانية وبرودة أعصاب , أستطاع العبادي وفي سياسة راشدة وحكيمة , أن يحقق بعض النجاحات في عامه الاول .. وحاول جاهدا أن يجري بعض الاصلاحات الجذرية في مفاصل الدولة العراقية المنكوبة , ألا أن اليد الواحدة لا تصفق .. ولو خطى في تلك الاصلاحات أكثر من ذلك , لكان في خبر كان !!!
المتابع في الشأن العراقي يلمس أن هناك حكومة ظل موازية لحكومة العبادي , سعت لافشال ما يريده من تغيير , في ضوء بناء مؤسسات حديثة تعتمد الواقعية والشفافية , والرجل المناسب في المكان المناسب , ألا أن الكتل المنضوية في مجلس النواب , وحتى الاكثرية من أعضاء حزبه , كانوا له بالمرصاد , وأفشلوا أغلب مشاريعه , وأطاحوا بعدد من وزرائه في إستجوابات سياسية , هدفها كان إسقاط الحكومة وأفشال عملية الاصلاح في هذا البلد .. ألا أنه تمكن من إتباع سياسة إحتواء الاخر , ومضى في عملية واسعة للقضاء على تنظيم داعش الارهابي في صلاح الدين والفلوجة والرمادي , معتبرا ذلك من أولويات حكومته وعودة النازحين الى مدنهم وقراهم ..
الحبل الثاني .. جمع الاضداد صعب , والحرب الباردة ما بين أمريكا وإيران في أوجها .. وحيدر العبادي يريد تحرير مدنه من تنظيم داعش الارهابي , وهذا مكلف لخزينة العراق .. والغرب لا يعطي شيئا , ألا وفيه مصلحة له .. والعبادي يدرك أهمية وجود التحالف الغربي في دعم وإسناد قواته على الارض .. وقاعدة هنا وأخرى هناك , لا تضر في الوقت الحالي , والاهم القضاء على داعش , وتخليص العراق من هذا التنظيم التكفيري .. حيث وازن بين تواجد القوات الامريكية والمستشارين الايرانيين على الارض .. ونجح في جمع فصائل الحشد الشعبي في هيئة رسمية وبأمرته , وتلك كانت صدمة كبرى للمشككين واصحاب النيات السيئة , في إمكانية جمع العبادي كل هذه الاطراف المتضادة والمتصارعة , والخروج بنصر كبير حيث سحقت دولة الخرافة في عرينها ..
وشهد العراق خلال العام الحالي تحولا جوهريا في السياسة الخارجية , وصار محط أنظار العديد من الدول العربية الشقيقة ودول العالم الصديقة , من خلال إبعاد العراق عن سياسة المحاور , وإتباع سياسة الحياد في كثير من القضايا الدولية الراهنة ..
الحبل الثالث .. كانت بعض الاصوات القوية من داخل حزب العبادي وأحزاب أخرى شيعية , وعبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل , سعت الى خلق نوع من الفتنة في العلاقة مع السعودية , وطالبت بتغيير السفير السعودي ( ثامر السبهان ) , ودخلت العلاقة ما بين البلدين الشقيقين في توتر وتشنج , لولا زيارة الرئيس الامريكي الى الرياض , التي أعطت زخما في عودة العلاقات الاخوية بشكل فعال ما بين بغداد والرياض .. وزيارات رئيس مجلس الوزراء ووزيري الداخلية والنفط , ووزير التجارة السعودي الى بغداد , منحت بعدا واسعا للعلاقات العراقية السعودية , لان تأخذ مجراها في الاقتصاد والاستثمار ما بين البلدين الشقيقين .. وزيارة مقتدى الصدر الاخيرة هي خطوة إيجابية وفرصة للحوار والتفاهم , ستؤدي أكلها في الاشهر المقبلة ..
بأعتقادي , لقد حان الوقت لان يخرج حيدر العبادي من عباءة حزب الدعوة , وأن يكون حرا في تحالفات جديدة , قد تسفر في الايام المقبلة عن تيار وطني عابر للطائفية والمحاصصة البغيضة , يجمع الشيوعية بالصدرية بالوطنية بالديمقراطية الكردستانية , ليزيح الاحزاب الفاسدة والفاشلة التي أسأت للعراق والعراقيين على مدى أربعة عشر عاما , ونهبت ثرواته وأضاعت مستقبل أجياله .. وقد نسمع قريبا , بخطوات حثيثة للقضاء العراقي وهيئة النزاهة , في تفعيل بعض القضايا المهمة , والحد من الفساد المالي والاداري في هذا الوطن ..