23 ديسمبر، 2024 3:34 ص

العبادي والفياض.. الخَرزة الواضحة والمخفية لعبة أمريكا في بغداد: عشقان في وقت واحد

العبادي والفياض.. الخَرزة الواضحة والمخفية لعبة أمريكا في بغداد: عشقان في وقت واحد

 

برت مك گورك، المبعوث الأمريكي الخاص الى العراق، والذي يسكن المنطقة الخضراء في بغداد، لا تترك يده الهاتف، في اتصالات متتالية مع اغلب السياسيين العراقيين، في بغداد، ومع الأكراد في أربيل.
لم يكن جهد گورك (45 سمة) وليد الأيام القريبة الماضية، بل منذ انتهاء انتخابات البرلمان العراقي، حين شرع بعد نحو 14 ساعة فقط في الإعلان عن السيناريو، والحرص على إيصاله الى كل الأطراف السياسية، مستمدا طريقته في العمل من تجربته في العراق التي قضى فيها ثلث عمره وهو ينغمس في الملف العراقي.

وفي موقف جريء، للتدخل اكثر في ملف تشكيل الحكومة، اجتمع في الساعة الثامنة من صباح الأحد 13 أيار 2018، مع السیاسیین العراقیین الشيعة بحضور السفير الأمريكي في بغداد، ثم قصد مكاتب و منازل آخرين، و ابلغهم بصراحة متناهية عن سيناريو واشنطن:

معارضة مطلقة للائتلاف الشيعي (التحالف الوطني).

يجب اختيار رئيس الوزراء من (الأغلبية) البرلمانية.

ما تسعى اليه ايران في ائتلاف شيعي واسع، لن يمر.

لكن ماذا تريد واشنطن على لسان گورك!، هذه هي الخطة الامريكية:

الائتلاف بين سائرون ( بقيادة مقتدى الصدر) و النصر ( بقيادة حيدر العبادي ) والحكمة (بقيادة عمار الحكيم) و عدد من الكتل الكردية و السنية، تمهيدا للدورة الثانية لرئاسة الوزراء.

گورك الذي لقبته “نيويورك تايمز” بـ “رجل العمل ” والذي ألّف قصة “في بلاد ما بين النهرين”، يفكر فقط بـ” الاجراء” و “التنفيذ”، انه دبلوماسي عملي، ينطبق عليه المثل الإيراني “الدجاجة ليس لديها رجل واحدة”، المجسّد لصفات الرجل العنيد.

على هذه الأساس لا يتكلم گورك كثيرا، الا مع الجهة التي يراها تعمل لصالح أمريكا، وقد تركزت توجهاته ونصائحه مع القوى السياسية على اقناعها في الولاية الثانية للعبادي، لكنه يحرص على ان تكون الطريقة سهلة وغير مكلفة، سياسيا، وبأقل الخسائر، لتكون النتيجة في النهاية، على عكس مصلحة ايران.

لكن طريق گورك ليس معبدا بالزهور في الوصول الى الغاية، فهناك مقتدى الصدر، اكثر السياسيين المعارضين للولايات المتحدة، ولا يبدو اللقاء معه سهلا.

الصدريون يقولون: لا نوافق على اللقاء، لكن نبقى أصدقاء، والأمريكان يقولون ذلك أيضا.

وفق هذه المعطيات الواقعية، يبني گورك مشروعه بحيث ينعدم أي مخرج للخرزة، الا عبر الارتباط بالمصلحة الأمريكية، لكن گورك حريص على أن لا يصطدم بالجميع، وربما يضطر الى الإيحاء بانه غير متوافق حتى مع الحلفاء، لكي لا تفشل اللعبة.

والمهم هو الأخذ من الواقع افضل نتيجة ممكنة، حتى لو أوجب ذلك التوافق مع الأعداء و المعارضين.

گورك يدرك الحقيقة بتفاصيلها، وعلى هذا الأساس يختار السيناريو الأقرب للمصالح بأقل تكلفة، حتى وان اضطر النجاح الى تقويض نفوذ شخصية سياسية واستبدالها بأخرى.

على هذه النحو يمارس گورك أساليب الوصول الى الغايات، ففي الليلة الماضية التقى العبادي، وبعد ذلك وقّع العبادي على إقالة فالح الفياض من رئاسة الحشد الشعبي و مستشارية الأمن الوطني، الذي بدأ يمارس السياسة ويسعى الى منافسة العبادي.

ما يتعلق بهذا التطور، فان الأمريكيين يفكرون فقط في النتيجة الإيجابية، وهو و ان يكون مرشح رئاسة الوزراء لا يتناقض مع سياستهم، مهما كان، لذلك فانهم مستعدون ان يغمضوا أعينهم عن العبادي، وان يقبلوا بانضمام الفتح و القانون الى الأغلبية التي تشكل الكتلة الاكبر، وان يكون فالح الفياض مرشحا لرئاسة الوزراء، طالما انه الشخص الذي لا يسبب لهم المشاكل، بل ان الأمريكيين مستعدين لان يجعلوا من العبادي أداة لتمكين منافسيهم.

قبل ليلتين، حلّ گورك ضيفاً على هادي العامري رئيس ائتلاف الفتح، و كانت الجلسة مثيرة للجدل، ولم يُعلن عنها في الأخبار الرسمية، ولعل هذه إشارة الى الطريقة التي يلعب فيها گورك، على رغم ادراكه ان اللعب في العراق صعب، لكن گورك الذي عاش 17 عاما في العراق، وجرب حتى الحب والحياة الخاصة، قبل زواجه من زوجته الحالية في العراق، يعرف تماما ما لذي يجب فعله.

على رغم كل ذلك، لم يتمكن گورك الى الان من فك قبضة إيران على ملف تشكيل الحكومة، وقد مضى من وقت اللعب تسعون دقيقة، لكن گورك ربما يخبّأ الورقة الحاسمة في الدقيقة الأخيرة، ما يتوجب علينا الانتظار الى الاثنين المقبل، لمعرفة عما تسفر عليه

“لعبة الخرز”