لا يمكن ان نغفل ان العبادي كان يرجو دورة ثانية معللا النفس انه بطل محاربة الارهاب وفي عهده حقق العراق نصرا حاسما عليه لم يتحقق في عهد اي رئيس وزراء سابق ففي كل دورة يسلم رئيس الوزراة السابق اللاحق وضعا اصعب واشد تعقيدا مما استلمه
ولكن غاب عن العبادي وهو الذي صقل شخصيته السياسية في بريطانيا وتخرج من جامعاتها واستوعب ثقافتها ان الشعب البريطاني رفض بطل الانتصار في الحرب (تشرشل ) ان يكون رئيسا للوزراء مستحضرا في وعيه ان بطل الحرب ليس مناسبا ليكون بطل الاعمار والرفاهية فاختار غيره لهذه المهمة
تشرشل في انغماسه في هموم الحرب ومستلزماتها فاته تقدير هموم ما بعد الحرب
كذلك كان العبادي كان همه الانتصار فتعطلت في عهده كل مشاريع الاعمار وفي مقابلته الاخيرة التي روجت لها الشرقية كثيرا فاعادتها علينا خمس مرات تحدث متباهيا انه سلم الحكومة التي تلت حكومته فائضا ماليا كبيرا وقوله صحيح ولكنه الفائض الذي وفره من تجميد كل المشاريع وعدم الانفاق عليها وجمد استحقاقات رجال الاعمال على الدولة فتعطل الاقتصاد وتسبب ببطالة واسعة في وسط الشباب خاصة ليس لها مثيل في تاريخ العراق
ورغم الدعم الامريكي الكبير الذي كان يحضى به فانه لم يستطع ان ياتي باي استثمار حقيقي يبني به المحافظات المدمرة او وينقذ به المحافظات الجنوبية التي كانت تعيش في امان وفرض عليها ان تدفع ثمن تحرير العراق بدماء ابناءها دون ان تعوض بشيء
كانت امام لعبادي فرصة ذهبية لم يحض زعيم عراقي بعد عام ٢٠٠٣ (باستثناء علاوي) بهذا الدعم الغربي العربي ولكنه اضاع الفرص ولم يستطع الانتباه الى نبض الشارع الذي تزداد حدته ويرتفع ضغطه وانفجر في عهده فعالجه بجملة اجراءات كارتونية لا قيمة لها مدغدغا بها مشاعر المتظاهرين فاعطوه فرصة اخرى ثم عاقبوه
اضاع العبادي ثلاثة سنوات دون اصلاح ولم يتحرك خطوة واحدة نحوه لانه لم يرد ان يفقد مساندة عناصر حزبه وغيرهم ممن سكت عن فسادهم لانه كان يعول على كسبهم الى صفه سواء من كان في حزبه او خارج حزبه
وربما كان هناك سبب خفي نذهب اليه ظنا لا يقينا وعلما وهو
ان الولايات المتحدة وهي تخوض صراع نفوذ في المنطقة مع ايران ارادت ان تزداد الاوضاع الاجتماعية والمعيشية سوءا الى حد الانفجار فلم تساعد العبادي على الاصلاح انتظارا لمرحلة لاحقة يقودها لتاتي الخطوات جذرية معززة بغضب جماهيري تستطيع توجيهه نحو ايران ومؤيديها تشلهم بها عن الحركة
مثلما كان العبادي راس حربة امريكية فقد كانت هناك رؤوس حراب ايرانية لم يكن القضاء عليها ميسورا وكان هناك سعي لاضعافها او احتوائها
ثلاثة سنوات عطل بها العبادي جهود الاعمار والاصلاح وحمى منظومة الفساد ان لا تمس وكدس اموال الخزينة الفائضة ولم يطلقها لتحريك الاقتصاد وعطل جهود الاعمار ولم يستثمر العروض التي قدمت له وسيطر على الوزارات من خلال التعامل مع الوكلاء ولم يعوض من سحبت عنه الثقة او استقال في وضع وزاري غريب ليس له مثيل
ادار وزير التخطيط ثلاثة وزارات اقتصادية في ان واحد(التخطيط والمالية والتجارة) وهو ليس رجل اقتصاد وادار غيره وزارات اخرى بالوكالة
رضي العبادي ان تبقى حكومته عرجاء كسيحة لا تستطيع ان تقدم حلا وسكت ان وزراء في وزارته بحكم الاموات لا حياة لهم الا في تحقيق المكاسب لانفسهم والقريبين من انصارهم
لا نقول ذلك دفاعا عن عبد المهدي الذي يفضل ان ياوي الى فراشه في العاشرة مساء بدل الانكباب على الملفات المهمة ليدرسها والذي يحيل كل الامور لجملة مستشارين مثلوا نموذجا صارخا للبيروقراطية الادارية الجامدة المعطلة لكل المبادرات المبدعة وليتحول مدير مكتبه في نظر الكثيرين الى رئيس الوزراء الفعلي رغم انه رجل لا خبرة له بشؤون الدولة لا من قريب ولا بعيد
العراق يحتاج الى تغيير جذري لا خلاف في ذلك وعيب على الذين اوصلوا العراق الى ما وصل اليه ان يقدموا انفسهم رجال اصلاح وتغيير وما اصاب العراق ما اصابه الا بسبب سيطرتهم على الحكم وادواته خلال هذه السنوات المرة
نعم التغيير مطلوب ولكن الذين في الحكم او كانوا فيه ليسوا رجال التغيير وعلى هذا المد الجماهيري الهادر ان يجد طريقا اخر ودون ان يهدم الدولة خلال هديره