23 ديسمبر، 2024 7:36 م

العبادي بين مطرقة باريس وسندان إيران!!

العبادي بين مطرقة باريس وسندان إيران!!

فيما تواصل الحكومة العراقية ومليشياتها وقوات حشدها الشعبي فقدان زمام الأمور في مناطق الصراع لصالح تنظيم الدولة الإسلامية، عقد في العاصمة الفرنسية باريس مؤتمر المجموعة المصغرة لدول التحالف الذي ضم ممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وقادة عسكريون عرب وأجانب من أجل مناقشة تطورات الموقف العسكري المتردي في العراق وسوريا وبحث السبل العسكرية والسياسية الممكنة لدحر التنظيم الذي يواصل تقدمه برغم العمليات العسكرية الجوية والدعم ألتسليحي والاستخباراتي والتدريبي للقوات العراقية.
خلال المؤتمر، ناقش وزراء الخارجية خمسة محاور رئيسية، وهي: الدعم السياسي والعسكري للجهات والأطراف التي تقاتل تنظيم الدولة، وسبل قطع مصادر التمويل، وإيديولوجية التنظيم المتطرفة، والاستعداد من أجل تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة من التنظيم في سوريا والعراق للتأكد من أنها تحت السيطرة، وكذلك حماية التراث الثقافي في العراق وسوريا.
يأتي المؤتمر في وقت ترتفع فيه حدة الاتهامات الموجهة للتحالف بفشله في مواجهة تهديد تنظيم الدولة، وبعد ما يمكن اعتباره فشلا في توجيه آلاف الضربات الجوية التي شنها التحالف على مواقع التنظيم في كل من سوريا والعراق، فكانت النتيجة مزيدا من النفوذ الجغرافي، فضلا عن انضمام المزيد من العناصر في صفوفه.
المثير للاهتمام في هذا المؤتمر بالإضافة إلى حادثة سقوط وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من على دراجته الهوائية وإصابته بكسور، هو الهالة التي رُسمت حول رئيس الوزراء حيدر العبادي على الرغم من إنه لم يعرف كيف يملأ مكانه بين قادة العالم، لكن وعلى ما يبدو أن المؤتمرين قد وضعوا كامل ثقتهم بقدراته الخفية، وهو شأن يختلف فيه كثيرون في العراق وخارجه، من الذين يعون تماما حجم العبادي أمام إيران والأحزاب العراقية المنضوية تحتها.
لربما هناك ما لا نعرفه عن قدرات العبادي في تنفيذ وعوده، والتي دعت الفرنسيين للقول بان الغرض من المؤتمر ليس انتقاد العبادي بل توفير الدعم له، لأنه هو من اقترح هذه السياسة التي حظيت بدعم التحالف، وإن دور العبادي القادم سيرتكز على استغلال هذه الفرصة من أجل الدفع لتحقيق تقدم في مسيرة المصالحة الوطنية الضرورية وبالتالي إحراز تقدم عسكري ميداني.
من الواضح إن المؤتمرين قد وضعوا جل تركيزهم على حل إشكالية الأنبار قبل غيرها، ويفهم من ذلك إنها المرحلة الأكثر أهمية لإعادة الثقة بالقوات العراقية المبنية على الثقة بخطط قوات التحالف التي فشلت لحد الآن بمعالجة ضعف تلك القوات وتقهقرها المتكرر، وذلك لن يكون بعيدا عن الحل السياسي الذي ينبغي على العبادي تنفيذه قبل الولوج في خطة تعبئة المقاتلين من العشائر تحت مسمى الحرس الوطني لضمان نجاح التكتيك الجديد للتحالف.
كل ذلك لم يكن سوى حبرا على ورق، فالتحديات المطروحة أمام المؤتمرين تتجاوز كل تلك الحلول، فتطور العمليات العسكرية على الأرض أثارت الكثير من علامات الاستفهام حول جدوى إستراتيجية التحالف في مقابل إستراتيجية تنظيم الدولة الذي أظهر قدرة على التوسع في كل من العراق وسوريا، والذي يتطلب تغييرا شاملا لخطط المواجهة مع التنظيم تتجاوز التكتيكات العسكرية التقليدية، والذهاب إلى طرح الحلول السياسية التي لطالما رفضها النظامين السوري والعراقي.
إذن فإن الدعم العسكري ألأممي مشروط بتحقيق تقدم على المستوى السياسي، أو هكذا يبدو من محاولة المؤتمرين التركيز على طريقة إدارة الحرب في الأنبار بفروعها الثلاث:الأول هو استقطاب العشائر ومحاولة إقناعهم بالانضمام إلى عملية محاربة تنظيم الدولة، والثاني بذل المزيد من الجهد لتطويق المليشيات والحشد الشعبي بحزام الدولة وتسليم مفاتيحها إلى العبادي، وأخيرا ما يتعلق بإعادة المهجرين واللاجئين إلى مدنهم وتوفير وسائل الحماية والحياة لهم من خدمات حكومية ومرافق مع التركيز على حماية الأقليات العرقية والدينية.
ما خرج عن المؤتمر لحد الآن يشير إلى أن قوى التحالف لم تغير من تكتيك الحرب على التنظيم، وذلك اعتمادا على العمليات الجوية المتزامنة مع أي تقدم محتمل للقوات العراقية، مع الأخذ بنظر الاعتبار استمرار تدريب وتجهيز تلك القوات، مع التركيز على استلام العبادي لزمام الأمور في السيطرة على مختلف القوى المقاتلة من مليشيات وحشد شعبي وجيش، والذي يعتبر بمثابة العصا في عجلة التغيير الحقيقي الذي ينشده المؤتمر، فالتحدي الأكبر أمام العبادي هو مواجهة المليشيات المافيوية ومسؤولي الحشد الشعبي الذين يعلنون ولائهم لأطراف أخرى غير الحكومة والجيش، وهي العقبة الأكثر خطورة أمام العبادي في وقت يُطلب منه ضمان انخراط مقاتلي العشائر في الأنبار في صفوف الجيش والقوات الأمنية، وهي المعضلة القديمة التي أدى تجاهلها إلى ما وصلت إليه الأمور في جميع المدن المستهدفة.
جاء البيان الختامي للمؤتمر دبلوماسيا أكثر مما يفترض أن يحمل حلولا جذرية، فقد أعرب المشاركون عن تمسكهم بوحدة العراق و سلامة أراضيه و سيادته و أشادوا في البيان بالحكومة الجديدة برئاسة رئيس الوزراء حيدر العبادي و قدموا له دعمهم الكامل من اجل توطيد سياسة القانون وتطبيقه وصولا لتطبيق وحدة الصف الوطني للعراقيين وتحقيق التمثيل العادل لجميع المكونات في المؤسسات الاتحادية والمساواة بين جميع المواطنين واتخاذ جميع التدابير الضرورية والفعالة لمحاربة الجماعات الإرهابية آلتي تمثل خطرا لجميع العراقيين.
ختاما يمكن القول بأن المؤتمرين باتوا على قناعة من أن الحلول السياسية لا تقل أهمية عن الحلول العسكرية في مواجهة خطر تنظيم الدولة، وأن معالجة الإخفاقات الأمنية لن تكون بمعزل عن معالجة آثار الأزمات السياسية في العراق وسوريا، وهو ما أعاد الحديث عن “المصالحة الوطنية” التي أثبتت فشلها بسبب عدم قناعة الأطراف الحاكمة في الحكومة العراقية أو السورية بعملية ضم كل أطياف الشعبين العراقي والسوري إلى السلطة، واتخاذ القرار دون تمييز أو فئوية أو طائفية، وإن الجميع يعي العوائق والقيود التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق هذه الأهداف، والتي ترتكز على جملة قضايا مهمة وضعها المؤتمرون أمام العبادي، وهي تأسيس ما يسمى بـ “الحرس الوطني” الذي لا يجب أن يقتصر على العشائر “السنية” فحسب، بل والمليشيات والحشد الشعبي لضمان عدم خوض معارك ذات صبغة طائفية، والأمر الآخر والأصعب على العبادي هو وضع نهاية مناسبة لقانون اجتثاث حزب البعث، وهو المشروع الذي يختلف حوله البرلمان العراقي، والذي من شأنه في حال إقراره إحداث تغيير في قواعد اللعبة السياسية في غير صالح إيران، وأخيرا، سيكون العبادي مطالبا بتوضيح ما آل إليه مشروع العفو عن السجناء السياسيين الذي يبدو أنه يراوح مكانه حتى الآن.